قيود بريكست توقد العنف في أيرلندا الشمالية

الحدود الجمركية تهدد بتقويض السلام الهش في المقاطعة البريطانية.
السبت 2021/04/10
مخاوف من نهاية أسبوع عنيفة

بدأت تداعيات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي والتي حذر منها كثيرون تتجسد على أرض الواقع بعد اندلاع موجة عنف غير مسبوقة في مقاطعة أيرلندا الشمالية بسبب الحدود المادية مع أيرلندا التابعة للاتحاد الأوروبي، ما يهدد اتفاق السلام في المقاطعة البريطانية.

بلفاست - كررت الحكومة البريطانية الجمعة دعوتها إلى الهدوء بعد اشتباكات جديدة بين مثيري الشغب والشرطة في أيرلندا الشمالية حيث يُخشى أن يقوض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) السلام الهش في المقاطعة.

ومنذ أكثر من أسبوع عاشت المقاطعة البريطانية على وقع أعمال عنف لم تشهد مثيلًا لها منذ سنوات، خصوصا في مناطق الموالين الوحدويين ذات الغالبية البروتستانتية حيث خلقت عواقب الخروج من الاتحاد الأوروبي شعوراً بالخيانة والمرارة.

وأعمال العنف التي أوقعت أكثر من سبعين جريحا حتى الآن في صفوف الشرطة، أعادت إلى الذاكرة الاضطرابات التي تسببت بمقتل 3500 شخص خلال ثلاثة عقود في مواجهات دامية بين الجمهوريين ومعظمهم من الكاثوليك أنصار الوحدة مع أيرلندا وبين الوحدويين البروتستانت المدافعين عن الانتماء للمملكة المتحدة.

وتصاعدت حدة التوتر في أيرلندا الشمالية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تعاني البلاد من عمليات التفتيش على الحدود بينها وبين باقي المملكة المتحدة عقب انسحاب البلاد من التكتل الأوروبي. وجاءت عمليات التفتيش على الحدود نتيجة انسحاب بريطانيا من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

وكانت اتفاقية السلام الموقعة في 1998 أزالت الحدود بين المقاطعة البريطانية وجمهورية أيرلندا. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أضعف التوازن الدقيق لأنه تطلب فرض ضوابط جمركية بين المملكة المتحدة والتكتل.

غرانت شابس: نحرص على أن يتحاور الناس لحل مشاكلهم بعيدا عن العنف

وبعد مفاوضات شاقة تمكنت لندن وبروكسل من الاتفاق على حل سُمّي بروتوكول أيرلندا الشمالية ويسمح بتجنب العودة إلى الحدود المادية في جزيرة أيرلندا عبر نقل إجراءات المراقبة إلى موانئ أيرلندا الشمالية.

وفي حين طالب قادة وحدويون الاتحاد الأوروبي بإلغاء البروتوكول، أدان المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إريك مامر أعمال العنف “بأشد العبارات”.

ورغم دعوات لندن ودبلن وواشنطن لوقف أعمال العنف، اشتعلت العاصمة بلفاست مجددا ليل الخميس – الجمعة، فيما يخشى على نطاق واسع أن تشهد عطلة نهاية الأسبوع تصاعدا لأعمال العنف.

وخلال جلسة البرلمان المحلي اتّهم عدد من القادة مجموعات شبه عسكرية موالية للمملكة المتحدة بتدبير أعمال العنف باستخدام أطفال بعضهم يبلغ 12 عاما لإلقاء قنابل حارقة بعد تضييق الشرطة عليها وسط تدابير الإغلاق المفروضة لاحتواء فايروس كورونا.

لكن بالنسبة إلى الكثير من الوحدويين فالغضب ناجم أيضا عن قرار السلطات عدم ملاحقة قادة حزب “شين فين” لحضورهم جنازة قائد مجموعة شبه عسكرية العام الماضي، والتي شارك فيها الآلاف من الأشخاص في انتهاك صريح للقيود المفروضة لاحتواء فايروس كورونا.

وفي حي غربي بلفاست استهدفت شرطة مكافحة الشغب التي علقت بين فكي كماشة بين الجانبين بزجاجات حارقة وحجارة عندما حاولت منع المئات من المتظاهرين الجمهوريين من التوجه نحو الوحدويين. وتم صدهم باستخدام خراطيم المياه.

وفي مواجهة هذا التصعيد كررت الحكومة البريطانية التي أرسلت وزير أيرلندا الشمالية براندون لويس، دعوتها إلى التهدئة التي ظلت حتى الآن حبرا على ورق.

وأعلن وزير النقل غرانت شابس الجمعة أن “العنف ليس الوسيلة لحل المشاكل” معتبرا الوضع “مقلقا جدا”. وأضاف “علينا أن نحرص على أن يتحاور الناس لحل مشاكلهم، ولكن ليس بالعنف”.

والخميس دعا رئيسا وزراء بريطانيا وأيرلندا إلى “الحوار” وضمّا صوتيهما لكافة قادة أيرلندا الشمالية لإدانة أعمال العنف “غير المقبولة” هذه.

حدة التوتر في أيرلندا الشمالية تصاعدت خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تعاني البلاد من عمليات التفتيش على الحدود بينها وبين باقي المملكة المتحدة عقب انسحاب البلاد من التكتل الأوروبي

ودعا البيت الأبيض أيضا إلى التهدئة معربا عن “القلق” حيث عبّر جو بايدن الفخور بأصوله الأيرلندية عن قلقه من عواقب بريكست على السلام في المقاطعة.

ووحّد الساسة في أيرلندا الشمالية صفوفهم في إدانة أعمال العنف في خطوة غير معتادة، نظرا إلى الانقسام العميق الذي يسود المنطقة وساستها والمتعلق بما إذا كان يجب أن تبقى أيرلندا الشمالية جزءا من المملكة المتحدة أو أن تنضم إلى جارتها جمهورية أيرلندا في دولة واحدة.

ومنذ اتفاق الجمعة العظيمة المبرم في 1998 يسود “سلام في الظاهر” كما تقول فيونا ماكماهون البالغة 56 عاما من سكان المقاطعة. وتضيف “إنها مشكلة متجذرة وليست فقط ناجمة عن بريكست”. لكن بريكست ساهم في زعزعة التوازن الهش في المقاطعة من خلال إعادة فرض الرقابة الجمركية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتفاديا لعودة الحدود بين المقاطعة البريطانية وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، يتم إجراء هذه العمليات في موانئ أيرلندا الشمالية.

لكن هذه القواعد الجديدة تحدث خللا في المبادلات التجارية ويندد بها الوحدويون باعتبارها حدودًا بين أيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة وخيانة من جانب لندن.

وأعلن جون أودود النائب المحلي من حزب “شين فين” الجمهوري “هناك وسائل سياسية للتطرق إلى البرتوكول” الأيرلندي الشمالي.

وأضاف “دعونا لا نحاول إيجاد أعذار للمجموعات الإجرامية التي لا ينبغي أن تكون موجودة بعد 23 عامًا على اتفاق الجمعة العظيمة”.

5