قيس سعيّد يكشف عن إغراق متعمد لمهاجري جرجيس

تونس – كشف الرئيس التونسي قيس سعيّد أن المهاجرين الذين توفوا أثناء غرق المركب الذي كان يقلهم من بلدة جرجيس في رحلة هجرة غير مشروعة إلى أوروبا، تم إغراقهم عمدا، متهما أطرافا لم يسمها بتلقي الأموال لتأجيج الأوضاع بالمنطقة، كما قلّل من أهمية المقاطعة الكبيرة للدور الأول للانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد مؤخرا.
وتعود الحادثة إلى شهر أكتوبر الماضي عندما لقي 18 شخصا حتفهم في غرق مركب كان يقلهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وتم دفن بعضهم بطريقة سرية في مقبرة للمهاجرين دون تحديد هوياتهم وفي غياب عائلاتهم، فيما لم يتم العثور على جثث البقية، في واقعة أشعلت احتجاجات واسعة في بلدة جرجيس الواقعة جنوب شرق البلاد.
وقال الرئيس سعيّد، خلال لقائه في قصر قرطاج مساء الأربعاء رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء الدفاع عماد مميش والعدل ليلى جفّال والداخلية توفيق شرف الدين ومسؤولين عسكريين وأمنيين، إن ضحايا غرق مركب الهجرة غير النظامية في جرجيس، الذين وصفهم بـ"الشهداء" تم إغراقهم، مؤكدا أن من قام بالعملية ومن يقفون وراءها سيتحملون المسؤولية في ذلك.
وأضاف سعيّد أن "القارب الذي غادر على متنه الضحايا لفظه البحر وتبيّن أنه كان مثقوبا ولا يتسع إلا لـ7 أشخاص، إلا أن منظّم الرحلة أصر على الإبحار رغم تحذيرات العديد من البحّارة من سوء الأحوال الجوية"، مضيفا أن "عملية دفن جثة الضحية الأولى دون تشريح وإخراج الجثث وهي بصدد التحلّل، كان الهدف منهما المزيد من تأجيج الأوضاع".
وتحدّث الرئيس التونسي عن تدفق أموال تقدّر بـ100 ألف دينار ثم مبلغ آخر بـ400 ألف دينار للقيام بهذه العملية ولتأجيج الأوضاع، مشددا على ضرورة محاسبة كل المتورطين قائلا "لا تهمّهم الأرواح البشرية، بل كل ما يهمهم هو مصالحهم ومآربهم وخياناتهم وتجويع الشعب والتنكيل به".
وأثارت تصريحات الرئيس سعيّد التي وصفت بالخطيرة، جدلا واسعا، وسط مطالبات بضرورة الكشف عن الحقيقة كاملة وتسمية الأطراف المتورطة في حادثة إغراق المركب ومحاسبتها.
ولقي العشرات من التونسيين حتفهم غرقا، بينما كانوا يحاولون الوصول إلى سواحل أوروبا، في حين تمكنّ آخرون من الوصول، فيما تمّ إحباط العشرات من الرحلات قبل انطلاقها.
وفي شأن الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجرت في السابع عشر من الشهر الحالي وقاطعتها أغلب الأحزاب السياسية، قال الرئيس التونسي "إن مشاركة 9 أو 12 في المئة من المقترعين أفضل من نسبة مشاركة بـ99 في المئة كما كان يحدث في السابق، وكانت تتهاطل برقيات التهاني من الخارج وتعلم تلك العواصم أن الانتخابات مزورة".
وبلغت نسبة المشاركة في الدور الأول 11.22 في المئة، وهي النسبة الأدنى منذ ثورة 2011، واعتبرت أحزاب تونسية أنها تعكس رفضا شعبيا لسياسات سعيّد، ودعت إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ودون أن يسميهم، جدد اتهامه لمن وصفهم بـ"الغارقين في الفساد والخيانة" و"التآمر على أمن الدولة"، وتوعد بمحاسبتهم "في إطار القانون" وعدم منحهم "طريقا للخروج الآمن".
ويرى مراقبون أن الرئيس التونسي ربما يقصد مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" المحسوبة على حركة النهضة الإسلامية، التي دعت الأحد إلى حوار وطني للوصول إلى توافق حول "خارطة طريق" تعمل على إسقاط ما أسمته بـ"الانقلاب، و"محاسبته سياسيا وقانونيا".
واعتبرت المبادرة في بيان أن "الإطار الأمثل للحوار الوطني حول خارطة طريق يجب أن يكون محلّ إجماع، ولا نرى في القيادة الحالية للمنظمة الشغيلة (الاتحاد العام التونسي للشغل - أكبر منظمة نقابية) إطارا راعيا للحوار باعتبارها كانت طرفا في الصراع".
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي قد أعلن الاثنين بدء العمل على إطلاق حوار مع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (مستقلة) "لإيجاد مبادرة لإخراج تونس من الأزمة والمأزق اللذين تردت فيهما"، كما هدد بتنظيم احتجاجات حاشدة "واحتلال الشوارع" قريبا لإظهار الرفض لميزانية التقشف للعام المقبل.
ودعت المبادرة "جبهة الخلاص"، الواجهة السياسية لحركة النهضة، إلى ضرورة توفير الإطار التوافقي لتنظيم الحوار الوطني حول خارطة الطريق والاستحقاقات العاجلة للمرحلة القادمة.
وتعتقد حركة النهضة الإسلامية، التي يبدو أنها تعمل على الواجهتين، أن النسبة الضعيفة في الدور الأول من الانتخابات التشريعية تعكس موقف الشارع التونسي حيال الرئيس سعيّد ومشروعه، لكن قراءتها بدت قاصرة وفق مراقبين، فعزوف التونسيين عن المشاركة في الاقتراع يعود إلى أسباب كثيرة، أبرزها عدم معرفة الناخبين لمعظم الوجوه المتقدمة للاستحقاق، فضلا عن الحملة الانتخابية الباهتة وانشغالهم بالأوضاع المعيشية ومباريات كأس العالم.
ويلفت هؤلاء إلى أن على الرغم من بروز تململ في الشارع التونسي حيال الوضع الاقتصادي الصعب، لكن ذلك لا يعني أن الشارع مستعد للالتفاف حول المعارضة الحالية، لاسيما تلك التي قادت المنظومة السابقة، والتي شكلت سببا رئيسيا في ما آلات إليه الأوضاع في البلاد.