قيس سعيد يكشف عن الوجه الأصعب في إدارته للدولة

تونس – ركز الرئيس التونسي قيس سعيد في خطابه بمناسبة عيد الجمهورية والذكرى الثالثة لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 على مصارحة التونسيين بالصعوبات التي اعترضته خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها تفكيك الدولة القديمة التي تعيق تنفيذ الخطط وتربك أداء الرئيس والحكومة.
وخير قيس سعيد اعتماد المكاشفة كمدخل لحملة الانتخابات الرئاسية التي من المزمع أن تُجرى في السادس من أكتوبر بدلا من إطلاق الوعود، كما يفعل البعض ممن يعتزمون الترشح، في مسعى منه للحفاظ على صورته لدى الناس كشخصية صادقة وواضحة.
وتحدث الرئيس سعيد عن بطء في التغيير وتأنّ بسبب العرقلة التي يتعرض لها العمل الحكومي، وكأنما يقول للناخبين وبشكل غير مباشر “أعطوني وقتا أكثر لأن السنوات الماضية لِما بعد التغيير لم تكن كافية” لتنفيذ الوعود.
ويعرف الرئيس التونسي أن نفوذ الدولة القديمة وتشابك مصالح من عملوا قبل سنة 2011 وبعدها لا يمكن التغلب عليهما بين يوم وليلة، خاصة أن العراقيل تطال المسائل الحيوية للناس، وهو ما يحتاج إلى الصبر وطول النفس وثقة التونسيين لتحقيق ذلك.
وقال قيس سعيد إن “من أسباب التأنى تفكيك الشبكات التي تنظمت داخل عدد من مؤسسات الدولة وعطلت السير الطبيعي لدواليبها، من مظاهرها القطع المتعمد للماء والكهرباء ورفض تقديم أبسط الخدمات لمنظوري الإدارة، إلى جانب تعطيل ممنهج لعدد من المشاريع بالرغم من أن الأموال المرصودة لها متوفرة”.
وأضاف أن “عددا من المسؤولين، وإلى جانب هذا الوضع الصعب والدقيق، لم يؤدّوا واجبهم في خدمة الوطن وحمل الأمانة حتى بالحد الأدنى المطلوب”، مشيرا إلى أنه تدخل في الكثير من الأحيان لدى المسؤولين الجهويين من أجل رفع فضلات أو فتح مكتب بريد على سبيل الذكر، “وهي من المسائل التي يفترض أن يقوم بها ويحرص على تنفيذها المسؤول الذي ارتمى في أحضان اللوبيات”.
ويرى مراقبون أن الرئيس سعيد كان يمكن أن يقدم إلى التونسيين برنامجه للسنوات القادمة من دون تخويفهم من قوة التعطيل والعرقلة التي تمتلكها الدولة العميقة المعارضة لأي تغيير يطال مصالح اللوبيات، لكنه اختار الوضوح والمكاشفة من أجل تحضير الرأي العام لمعرفة الحقيقة بقطع النظر عن الانتقادات والمزايدات التي تستهدفه من المعارضين وجمهورهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الباحث التونسي فريد العليبي في صفحته على فيسبوك “قيس سعيد، وهو على أبواب حملته الانتخابية وموعد 6 أكتوبر، يصارح الشعب أكثر من أي وقت مضى بحقيقة الحالة التونسية بما فيها من تشعبات وتناقضات وصراعات، فالإرث ثقيل والخراب كبير والبطء ليس سياسة وإنما حذر حرصا على تونس وشعبها من مغامرات قد تذهب بها بعيدا في طريق الخراب، لذلك كان الصبر الإستراتيجي لتفكيك جبهة العدو”.
وأقال الرئيس التونسي مسؤولين من مختلف المواقع (وزراء ووزراء شؤون وولاة ومعتمدين وعمد) سعيًا لتحسين أداء الدولة في مواجهة نفوذ الدولة العميقة التي تتخذ من الإدارة مدخلا لعرقلة عمل الرئيس والحكومة.
وقال قيس سعيد في خطابه في ذكرى الجمهورية “والأدهى والأمرّ أن عددا من المسؤولين في الجهات وكذلك على المستوى الوطني لم يكلفوا أنفسهم التنقل إلى العمادات ولو حتى مرة واحدة، حتى أن أحدهم لا يعلم بوجود العمادة التي زرتها في إحدى المناسبات”.
لكنه لم ينس التأكيد على النجاحات التي تحققت في السنوات الثلاث الماضية، وهو ما تثبته الأرقام التي ذكر منها “السيطرة على نسبة التضخّم، وحقق الميزان التجاري في المجال الغذائي فائضا إيجابيا إلى حدود أواخر شهر يونيو الماضي، وارتفع المحصول الوطني من العملة الأجنبية إلى 113 يوما ومرشّح إلى مزيد الارتفاع”.
وعزا ذلك إلى سياسته التي تقوم على “التعويل على الذات ورفض أي وصفات من الخارج ومن مؤسسات اعتقدت أنها وصية على تونس”، في إشارة إلى صندوق النقد الدولي، وسياسة الدعم المشروط التي رفضها قيس سعيد ولاقت دعما قويا في الداخل.
وأفاد خبير اقتصادي، رفض الكشف عن اسمه، في تصريح لـ”العرب” بأن “سياسة التعويل على الذات هي سياسة ذات إرادة شخصية للدولة وفيها عدة نقاط إيجابية، حيث تمكنت الحكومة من خلاص الديون”.
وأكد الخبير أن “الإمكانات موجودة للتعويل على الذات، ولكن علينا تطوير الإرادة في زيادة نسبة النمو، كما أن هناك تحسنا طفيفا في قيمة الدينار التونسي، وزيادة في منسوب العملة الصعبة، فضلا عن إيقاف نزيف التوريد من ليبيا وخصوصا التجارة الموازية التي تمّ التحكم فيها”.
وفي مناسبات سابقة أعرب قيس سعيد عن رفض ما أسماه “إملاءات” صندوق النقد الدولي، محذرا من أنها “لو طبقت ستهدد السلم الاجتماعي”، وأكد “ضرورة اعتماد التونسيين على أنفسهم”.
واعتبر الناشط السياسي التونسي نبيل الرابحي أن “تونس مضت قدما في خيار الاعتماد على الذات، حيث أن الرئيس سعيد يرفض الوصاية الخارجية على تونس”.
وقال الرابحي في تصريح لـ”العرب”، “اليوم السياسة واضحة، التعويل على الذات، وإعادة سيادة القرار الوطني، لا للتفريط في المؤسسات العمومية ورفض رفع الدعم ولا لتسريح الموظّفين”.
وتابع “عدنا إلى الثوابت، وهناك عدة مؤشرات تدل على ذلك، وآخرها رفض منذ أشهر زيارة وفد لصندوق النقد الدولي إلى تونس”.