قيس سعيد يسعى لتوحيد معسكره قبل بدء الحوار الوطني المرتقب

سرّع الرئيس التونسي قيس سعيد من وتيرة تحركاته في مسعى لحلحلة الأزمة السياسية، وأيضا لتوحيد معسكره قبيل بدء الحوار الوطني فعليا، وذلك في أعقاب لقاء جمعه برئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يرأس أيضا حركة النهضة الإسلامية، حيث التقى الرئيس سعيد الجمعة بالأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي الذي يعد مع حركته أبرز الداعمين للرئيس التونسي.
تونس – تعكس لقاءات الرئيس قيس سعيد مع عدد من الشخصيات السياسية المقربة منه فكريا وسياسيا سعيا منه لتوحيد معسكره قبيل بدء الحوار الوطني المرتقب الذي تُراهن عليه العديد من الجهات، سواء الداخلية أو الخارجية، لحلحلة الوضع السياسي في تونس.
والتقى الرئيس سعيد الأمين العام لحركة الشعب (قومية ناصرية) زهير المغزاوي الذي تُعد حركته أبرز الداعمين لرئيس الجمهورية والمتحمسين لمشروعه السياسي، وذلك بعد أيام من لقائه رضا شهاب المكي مهندس حملته الانتخابية الذي توارى عن الأنظار بعد الانتخابات الرئاسية عام 2019 التي أفرزت قيس سعيد رئيسا.
وجاء لقاء المغزاوي والرئيس سعيد بعد يوم واحد من اجتماع قيس سعيد ورئيس البرلمان الذي يرأس أيضًا حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي إثر أشهر من شبه قطيعة بين الرجلين، وسط تصاعد التكهنات بشأن إمكانية التوصل لاحقا إلى “صفقة” تُنهي الأزمة السياسية الراهنة، وقد يتم ذلك خلال الحوار الوطني المرتقب انعقاده لاحقا.
وشدد الرئيس سعيد خلال اللقاء على أن “الأمر عندي (المستجدات الأخيرة) لا يتعلّق بوساطات أو بوسطاء أو بحلول وسطى ترضي هذا ويرتضي بها ذاك، بل بثوابت وبمبادئ وقيم”، موضحا أنه “خارج الحسابات السياسية المفتعلة وثابت على المبادئ التي انطلق منها”.
وأضاف أن “الخطر الذي يهدّد الدول هو محاولات ضربها من الداخل وتعطيل مرافقها العمومية الأساسية”، مشيرا إلى أنه “لا بدّ لكلّ القوى الوطنية أن تتّحد في مواجهة هذه الأخطار”.
وجاء هذا اللقاء في وقت تشي فيه كل المعطيات بحدوث توافقات في الفترة المقبلة بين الرئيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي قد تشمل أساسا إرساء استقرار سياسي من أجل طمأنة شركاء تونس الخارجيين، لاسيما الأوروبيين والمانحين الدوليين على غرار صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإصلاحات يشترط تنفيذها قدرا من التوافق الداخلي واستقرارا
سياسيا.
وفعليّا لم ينطلق الحوار الوطني في تونس، إلا أن العديد من الإشارات توحي بإمكانية التوصل لاحقا إلى تفاهمات أو “توافقات” بين الرئيس سعيد وراشد الغنوشي الذي حاول منذ وصوله إلى رئاسة البرلمان الاستحواذ على صلاحيات رئيس الجمهورية.
وقال الغنوشي الجمعة إن “لقائي مع رئيس الجمهورية كان إيجابيا وكسر الجليد”، موضحا خلال ندوة فكرية حول مسيرة حركة النهضة التي تحتفي هذه الأيام بمرور 40 عاما على إعلان تأسيسها أن “اللقاء فتح المجال أمام توافقات مثلما تم فتح توافق مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي”.
وفي الوقت الذي ما زالت فيه رئاسة الجمهورية -كما حركة النهضة الإسلامية ورئيسها- تتكتم عن تفاصيل لقاء الخميس بين الغنوشي وقيس سعيد لا يزال مصير الحكومة التونسية الحالية برئاسة هشام المشيشي عنوان الخلاف الأبرز.
فحسب العديد من الأوساط السياسية التونسية ما زال الرئيس سعيد وحزامه السياسي يتمسكان برحيل الحكومة فيما أبدت النهضة على لسان عدد من قياداتها رفضها لذلك وموافقتها في المقابل على رحيل هذه الحكومة شرط تشكيل حكومة أخرى سياسية يرأسها المشيشي.
وكان الناطق باسم حركة النهضة فتحي العيادي أكثر وضوحا الجمعة، حيث شدد في تصريحات صحافية على أن حزبه متمسك بالمشيشي، مشيرا إلى أنه “سبق وصرحنا أننا (في حركة النهضة) سندعم حكومة المشيشي على أن تتحوّل شيئا فشيئا إلى حكومة سياسية، ولا بد من تقييم أداء الوزراء لكن الوضع العام يحتاج إلى استقرار ولا يحتاج إلى تغيير رئيس الحكومة، ومن الأفضل أن يواصل المشيشي مشواره على رأس الحكومة”.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه تونس تطورات سياسية متسارعة أشاعت أجواء من التفاؤل الحذر بشأن إمكانية وضع حد للأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد منذ أشهر، لكن هناك العديد من الخطوات الأخرى التي ينبغي اتخاذها من أجل أن يخطو أطراف الصراع نحو ذلك.
اتحاد الشغل يعتبر وساطة لطفي زيتون لرأب الصدع بين رئيس الجمهورية قيس سعيد والغنوشي ليست إلا مناورة لإفشال مبادرة الحوار الوطني
وشدد رئيس الحكومة هشام المشيشي الجمعة على أنه يأمل في تنظيم لقاء مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان قائلا في تصريحات صحافية تعليقا على لقاء الغنوشي والرئيس سعيد إنه “من الضروري الحفاظ على اللقاءات الدورية بين الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة) ونبذ منطق التباعد الذي من شأنه أن يحيل إلى العديد من التخمينات، كما من الضروري الحد من منطق الوساطات”.
ويُشير المشيشي بذلك إلى الوساطة التي يقوم بها مستشار الغنوشي السابق والوزير السابق لطفي زيتون الذي توسط للقاء رئيس البرلمان والرئيس سعيد، وهي وساطة قد تكرس المزيد من الانقسام.
فالاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، لم يتردد في التحذير من أن تكون وساطة زيتون تستهدف قطع الطريق أمام مبادرة كان قد تقدم بها من أجل تنظيم حوار وطني بإشراف من رئيس الجمهورية.
واعتبر الأمين العام المساعد والناطق باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري أن “وساطة لطفي زيتون لرأب الصدع بين رئيس الجمهورية قيس سعيد والغنوشي ليست إلا مناورة لإفشال مبادرة الحوار الوطني التي تقدم بها اتحاد الشغل والتشويش عليها”. وأضاف الطاهري أن “وساطة زيتون محاولة للصلح بين طرفين لا يلتقيان”.