قيس سعيد يذكّر وزراءه بثورة الخبز

الرئيس التونسي لا ينظر إلى ملف الدعم من زاوية التكاليف التي تثقل كاهل ميزانية الدولة، وإنما ينظر إليه من منطلق انحيازه إلى الفئات الفقيرة.
الجمعة 2024/01/05
لا نقاش في الدور الاجتماعي للدولة

تونس – يستعيد الرئيس التونسي قيس سعيد باستمرار أحداث الخبز، التي راح ضحيتها العشرات من المحتجين عام 1984، للتأكيد على صواب موقفه الرافض لرفع الدعم عن المواد الأساسية، وهو ما أكده مجددا الأربعاء في لقائه مع عدد من الوزراء، في إشارة تحذير ضمنية إلى أن الحكومة إذا فكرت في اتجاه معاكس لما يريده فإنها تهدد بجر البلاد إلى أحداث شبيهة بثورة الخبز بما تحمله من مخاطر على الاستقرار والأمن في تونس.

وقال قيس سعيد إن “الدولة التونسية لن تتخلى عن دورها الاجتماعي لأن الفقراء والبؤساء في تونس هم الذين قاموا بالثورة وانتفضوا ضد الظلم والاستبداد”.

يأتي تأكيد سعيد في لقاء جمعه بوزيرة المالية سهام البوغديري نمصية ووزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، الأربعاء الثالث من يناير، الذي صادف مرور 40 سنة على أحداث ثورة الخبز التي كانت نتيجة رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها، مستعيدا ذكرى زميل دراسته فاضل ساسي الذي قتل في تلك الاحتجاجات التي عمت مختلف مدن البلاد من الجنوب وصولا إلى العاصمة.

الرئيس سعيد دائم التذكير بأحداث الخبز لتأكيد رفْضِه رفْعَ الدعم والتحذير من مخاطره على استقرار تونس

ونظم أشخاص من “ضحايا انتفاضة الخبز سنة 1984” الأربعاء وقفة رمزية أمام المسرح البلدي بالعاصمة تونس طالبوا خلالها بتنفيذ قرارات جبر الضرر الصادرة عن “هيئة الحقيقة والكرامة” لفائدتهم وضمان عدم العودة إلى انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والحفاظ على صندوق الدعم للقدرة الشرائية للمواطنين.

ورفض الرئيس التونسي مقترحات حكومية سابقة تقوم على فكرة خفض الدعم عن المواد التموينية في سياق سعي تونس للبحث عن حل لخلافها مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط أن تقوم الحكومة بإصلاحات جدية مقابل الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، وأهم شروطه مراجعة مسألة الدعم.

ويرجح محللون أن المحاولات التي جدّت في هذا السياق هي التي قادت إلى إقالة وزير الاقتصاد السابق سمير سعيد وقبله وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي اللذين أعلنا عن مواقف تتناقض مع التوجه الذي يتبناه الرئيس سعيد. وقال سمير سعيد إن “صندوق النقد الدولي يبقى الخيار الأول والمقنع لتونس إلى حد هذه الساعة”، في حين أعلنت القنجي في مؤتمر صحفي أن “الحكومة شارفت على الانتهاء من إعداد برنامج توجيه الدعم إلى مستحقيه، وخاصة في ما يتعلق بالمحروقات”.

ويقول مراقبون إن الرئيس التونسي لا ينظر إلى ملف الدعم من زاوية التكاليف التي تثقل كاهل ميزانية الدولة وطرق خفضه، وإنما ينظر إليه من منطلق انحيازه إلى الفئات الفقيرة التي كان لها وزن كبير في الانتخابات الرئاسية عام 2019، والتي أوصلته إلى سدة الحكم، ولا يريد أن يتخلى عنها كما تخلت عنها حكومات سابقة.

وقال الناشط السياسي التونسي نبيل الرابحي إن “الرئيس سعيد في تناسق مع توجهاته الداعمة للدولة الاجتماعية الديمقراطية”.

وأشار الرابحي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الخبز بمثابة الرمزية الحيوية للمواطن التونسي، والرئيس سعيد لا يريد المسّ من القوت اليومي للتونسيين، باعتباره الضامن للدولة الاجتماعية”.

وأشار الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري إلى أن “هناك هدفا من التذكير بأحداث الخبز في يناير 1978، وهذا يندرج في إطار رؤية الرئيس سعيد التي تقوم على المشترك والذاكرة الاجتماعية التي لا تسقط بالتقادم”.

وأضاف، في تصريح لـ”العرب”، أن الاستدلال بثورة الخبز يؤكد مشروعية “رفض رفع الدعم عن الخبز الذي يتبناه سعيد مع سعي الدولة إلى توفير هذه المادة الأساسية ومحاربة اللوبيات التي تحتكر المواد الغذائية والاستهلاكية”.

وتدعم تونس حزمة من المواد تتصدرها المحروقات التي ستخصص لها هذا العام زهاء 8 مليارات دينار (2.5 مليار دولار) من إجمالي مبلغ دعم سيقارب 11.3 مليار دينار (3.56 مليار دولار) يغطي إلى جانب المحروقات سلة المواد الأساسية والنقل الذي ستدعمه الدولة بنحو 660 مليون دينار (207.79 مليون دولار).

ويرفض الرئيس سعيد أي صيغة للإصلاح يمكن أن يفهم منها التفاف على مسار العدالة الاجتماعية، بالرغم من التقارير التي تحذر من مخاطر الاستمرار في مسار الدعم الحالي الذي يكلف الدولة مصاريف في غير محلها.

وتؤكد تقارير محلية، استنادا إلى بيانات المعهد الوطني للاستهلاك، أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها، وهذه النسبة المرتفعة تجعل فاعلية المنظومة محدودة وتزيد التشكيك فيها.

هه

وقال قيس سعيد الأربعاء “للأسف هناك من مازالوا يحنون إلى رفع الدعم والتخلي عن دعم الدولة للبؤساء والفقراء، ولعلهم يحنون، أيضا، إلى أن يروا مثل هذه المشاهد (مشاهد انتفاضة الخبز سنة 1984)، حيث سقط المئات من الشهداء في ذلك اليوم (يوم الانتفاضة)”.

ولفت إلى أن هناك “من يعمل بطرق ملتوية على رفع الدعم بأشكال مختلفة، ولكن ليعلم جيدا أننا لن نبقى مكتوفي الأيدي… يتلونون بكل لون تحت عناوين مختلفة”، مضيفا “علينا أن نعمل على تحقيق مطالب الشعب في العدالة الاجتماعية”.

وأشارت بيانات حكومية، صدرت ضمن تقرير حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، إلى أن الحكومة تعتزم تخصيص مبلغ 0.82 مليار دولار لدعم سلة المواد الأساسية التي تتضمن الحبوب والزيت النباتي والحليب والعجين الغذائي والكسكسي والسكر والورق المدرسي.

 

اقرأ أيضا:

       • هل يحرك البرلمان التونسي جمود تعديل مجلة الصرف

1