قيس سعيد مع الإصلاحات، لكن يرفض التخلي التام عن الدعم

تونس – لم تمنع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس، وما تبعها من دعوات للتسريع بتوقيع اتفاق صندوق النقد، الرئيس قيس سعيد من تأكيد أنه لا يعارض الإصلاحات، لكنه يرفض التخلي التام عن الدعم الذي يقدم للمواد الأساسية، ما يؤثر على مستوى عيش الناس.
وقال الرئيس سعيد الخميس إنه غير موافق على مسألة رفع الدعم الواردة في اتفاق صندوق النقد الدولي، في وقت تواجه فيه تونس ضغوطا للتوصل إلى اتفاق نهائي لحلحلة الأزمة المالية والاقتصادية.
ويرى المراقبون أن قيس سعيد ينظر إلى موضوع صندوق النقد من جوانبه المختلفة، وأنه لا يعارض الإصلاحات التي تحسن وضع الاقتصاد، لكنه يرفض أن تكون تلك الإصلاحات على حساب الفئات الفقيرة والمتوسطة، حيث أن التخلي عن الدعم سيدفع إلى ارتفاع الأسعار بشكل لا يقدر فيه الناس على توفير حاجياتهم.
وقال الرئيس سعيد للصحافيين خلال إحيائه في مدينة المنستير ذكرى وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال “بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي، الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد التفقير هي مرفوضة”.
ويشير المراقبون إلى أن توجهات قيس سعيد منحازة للفئات الفقيرة، ولا يريد أن يتخذ إجراءات تزيد من معاناتها، لكن ذلك لا يعني أن الحكومة لن تسير في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات من بينها الرفع التدريجي للدعم عن المحروقات، أو التوجه بجدية لإصلاح المؤسسات الحكومية التي تعاني من مصاعب بسبب البيروقراطية والفساد.
وفضلا عن موقفه المبدئي المنحاز للفئات الفقيرة، فإن قيس سعيد بإعلانه معارضة رفع الدعم عن المواد الأساسية يكون قد سحب ورقة مهمة من اتحاد الشغل الذي يتخذ من الموافقة على شروط صندوق النقد، وخاصة في موضوع الدعم، ورقة للمزايدة السياسية ضد الرئيس سعيد وحكومة نجلاء بودن.
وقال زهيّر المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، إن “المشكلة ليست في الإصلاحات، ولكن الاختلاف حول الذهاب إلى إصلاحات موجعة من بينها التخلي عن الدعم”.
وأضاف المغزاوي لـ”العرب” أن “موقف الرئيس سعيد مهمّ وسيادي، حيث لا يمكن التفريط في المؤسسات الاجتماعية، وموضوع الدعم شائك ويخص حوالي ثمانية ملايين تونسي”، ولذلك يجب أن “يذهب الدعم إلى مستحقيه”.
وطالب أمين عام حركة الشعب الحكومة بـ”وضع خطط موجهة لإنعاش الاقتصاد في ظلّ تعرضها لضغوطات خارجية مختلفة”.
ويثار موضوع رفع الدعم بشكل حاد في تونس بسبب تأثيره على موازنة البلاد في ظل أزمة اقتصادية ومالية حادة تحتاج فيها إلى التقشف.
وخلال العشرية الأخيرة التهم بند الدعم نحو 1.24 مليار دولار في المتوسط منها 880 مليون دولار لدعم السلع الأساسية و220 مليون دولار لدعم النقل و150 مليون دولار لدعم الوقود من موازنة سنوية تتأرجح بين 12 و15 مليار دولار.
وتوصّلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بتوافق بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الرواتب.
ويطالب صندوق النقد بضمانات حقيقية لتطبيق حزمة إصلاحات قبل البدء بصرف الشريحة الأولى من القرض.
واعتبر الخبير المالي التونسي محمد صالح الجنّادي أن “الرئيس سعيد محقّ في التمسك بهذا الموقف، لأنه لا يوجد بديل للتعويض للمواطنين في ظل الركود الاقتصادي القائم وغياب خطط لتجاوز العجز والمديونية”.
وقال الجنّادي في تصريح لـ”العرب”، “دعم المواد الأساسية هو السياسة الاجتماعية التي قامت عليها الدولة بهدف مساعدة الفئات الهشة والضعيفة في ظل محدودية إمكانيات الأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة”.
وأضاف “لو قمنا برفع الدعم فإنه سيؤدي إلى محرقة اجتماعية باعتبار ضعف القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع نسبة التضخم لتبلغ 10.4 في المئة وهو ما سيزيد من نسبة الفقر في البلاد”.
وفي يونيو الماضي، كشفت الحكومة التونسية في مؤتمر صحفي كبير حضره 13 وزيرا عن جملة من الإصلاحات الهيكلية والعميقة، تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية تدريجياً، وإلغاء دعم المحروقات والغاز والكهرباء في أفق سنة 2026، مع إقرار تحويلات مالية للأسر التونسية وبخاصة منها الفقيرة كي لا تتأثر بإلغاء الدعم.
وأكّد الجنّادي أن “ما يطلبه صندوق النقد مقترح غير مدروس اجتماعيا، وإجراء رفع الدعم لا بد أن يستند إلى دراسة اجتماعية دقيقة”، معتبرا أنه “من المفترض أن يساعد الصندوق الدولة التونسية على بعث مشاريع استثمارية داخلية”.
ويعارض الرئيس سعيد بشكل خاص النقطة المتعلقة بخفض الدعم وبدل ذلك يقترح توجيه الدعم إلى مستحقيه أو فرض أداءات على المصنعين المستهلكين للمواد المدعمة.
وقال سعيد “السلم الأهلية ليست باللعبة أو الأمر الهين”، مذكرا بأحداث “ثورة الخبز” التي اندلعت في عام 1984 بتونس لدى قرار الحكومة آنذاك رفع الدعم عن منتجات الحبوب ما أدى إلى صدامات في الشوارع وسقوط قتلى. ولدى سؤاله عن الحل البديل في حال فشل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، قال سعيد اليوم “علينا التعويل على أنفسنا”.