قيس سعيد أمام تحدي احتواء تهديدات اتحاد الشغل إزاء الخيارات الاقتصادية والاجتماعية

تونس - يستعد الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يقود المرحلة الانتقالية في بلاده لعقد لقاء سيجمعه بأعضاء المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة التي تحظى بنفوذ واسع) في محاولة على ما يبدو لاحتواء تهديدات النقابة وخلافاتها مع الحكومة حول الإصلاحات المطلوبة من قبل المانحين الدوليين.
وفي الوقت الذي تحاول فيه السلطات التونسية معالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي والذي ينذر بانفجار احتجاجات شعبية خاصة مع فقدان بعض المواد الأساسية في الأسواق، هدّد الاتحاد بتنفيذ تحركات احتجاجية في موقف فاجأ الأوساط السياسية في تونس التي كانت تتوقع أن تتخذ النقابة قرارا بالتهدئة خلال هذه الفترة لاسيما عقب اللقاء الذي جمع الرئيس سعيّد بالأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي.
وفي المقابل يبدو أن الرئيس التونسي يحاول احتواء هذا التصعيد، حيث عمد إلى بث رسائل طمأنة في الداخل والخارج من خلال تأكيده أن تونس في المسار الصحيح، وأنه يعمل مع الشريك الاجتماعي على إنهاء الأزمة.
الاتحاد هدّد بتنفيذ تحركات في موقف فاجأ الأوساط السياسية في تونس التي كانت تتوقع أن تتخذ النقابة قرارا بالتهدئة
وبقيت العديد من الملفات الاجتماعية عالقة بين المنظمة النقابية والحكومة التونسية، منها مواصلة العمل بالمنشور عدد 20 حول التفاوض مع النقابات، حيث أعلنت المنظمة أنها “تتدارس عدة أشكال نضالية من أجل التصدي لهذا المنشور”.
وينص المنشور المذكور لرئيسة الحكومة على منع التفاوض مع النقابات قبل الترخيص من الكتابة العامة للحكومة.
وأفاد الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية الأحد أن المنظمة العمالية أعطت الحكومة فرصة للتراجع عن هذا المنشور بعد أن راسلتها رسميا لدعوتها إلى سحبه، مضيفا أن هذه الدعوة لم تلق تفاعلا إيجابيا، وهو ما سيدفع القطاعات النقابية إلى التحرك ضد تعطل الحوار الاجتماعي.
ولاحظ الطاهري أن الوضع الاجتماعي يشهد تعطلا بالنظر إلى أن أغلب برقيات الإضراب يتم تنفيذها، قائلا “إن جلسات المصالحة مفرغة ولا تلبي أية تطلعات”، كما اعتبر أن هذا الانسداد في الحوار الاجتماعي يمثل نتيجة لتواصل العمل بالمنشور عدد 20.
وكشف الطاهري في وقت سابق عن لقاء سيعقده الرئيس سعيّد مع الطبوبي وبقية أعضاء المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد من أجل التطرق إلى الوضع العام في البلاد الذي وصفه بالمتردي والمتأزم بسبب الأزمة المالية وجمود الاستثمار والاقتصاد الموازي وتفاقم مشكلة التوريد الذي استنزف ميزانية الدولة وأضرّ بها.
ووصف محللون اللقاء المرتقب بين الطبوبي وسعيّد بأنه سيكون فرصة إيجابية لتقريب وجهات النظر بخصوص الوضع الراهن، خصوصا وأن كل الطرق للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تؤدي إلى أبواب صندوق النقد الدولي، باعتباره مصدرا مهما للحصول على السيولة النقدية.
في المقابل يفرض صندوق النقد على تونس جملة من الإصلاحات الهيكلية وُصفت بالموجعة، حيث يدعو إلى خفض العجز المالي، وخفض فاتورة الرواتب، إضافة إلى الحد من دعم بعض المواد، في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة التونسية انتقادات بشأن صعوبة تعبئة الموارد المالية لتمويل الموازنة لاسيما القروض الخارجية.
منشور رئيسة الحكومة نجلاء بودن ينص على منع التفاوض مع النقابات قبل الترخيص من الكتابة العامة للحكومة
ويرى مراقبون أن موافقة اتحاد الشغل مهمة لأي جهد حكومي لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها المانحون الأجانب مقابل حزمة إنقاذ مالي لتجنب أزمة خانقة تلوح في الأفق.
وقد أبدى اتحاد الشغل معارضته الشديدة لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية المزمع اتباعه من طرف حكومة نجلاء بودن.
واستنكرت المنظمة النقابية “ما يكتنف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من غموض وسرية وتعتيم وغياب لأي صيغة تشاركية داخلية”.
وجدد الطبوبي في تصريح إعلامي قوله “إن التونسيين يعانون من ضعف في الرواتب إضافة إلى تدني القدرة الشرائية وتأزم الوضع الاجتماعي، لذلك فإن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي ولن يسمح برفع الدعم وتجميد الرواتب والتفويت في مؤسسات القطاع العام”.
ودعا في وقت سابق الرئيسَ سعيد إلى تقديم حلول للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة، مشيرا إلى أن خطوات الاتحاد القادمة مرتبطة بقرارات الرئيس.
وتنتقد أوساط سياسية تونسية إمعان المنظمة النقابية في المطلبية في وقت تعيش البلاد مسارا انتقاليا وتخوض مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي رغم دعمه المعلن في وقت سابق لإجراءات الخامس والعشرين يوليو التي اتخذها الرئيس سعيد في إطار تفعيله للفصل 80 الذي ينظم حالة الاستثناء في البلاد.