قيادة إقليم كردستان تستميل إيران لتخفيف ضغوط حلفائها العراقيين

سلطات إقليم كردستان العراق تستعمل الدبلوماسية للإفلات من الضغوط الشديدة المفروضة عليها.
الثلاثاء 2024/01/09
للضرورة أحكام

أربيل (العراق) - تحاول سلطات إقليم كردستان العراق تنويع وسائلها للإفلات من الضغوط الشديدة المفروضة عليها من قبل القوى المتحكّمة في زمام الحكومة الاتحادية من أحزاب وفصائل مسلّحة قريبة من إيران.

وبالتوازي مع خوض حكومة الإقليم مفاوضات مع حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني المشكّلة من قبل الإطار التنسيقي الشيعي بشأن الخلافات المالية التي تسببت في عدم حصول الإقليم على الحصة التي يطالب بها من ميزانية العراق وما نتج عن ذلك من أزمة اقتصادية واجتماعية في الإقليم، تحاول القيادات الكردية استمالة الإيرانيين لمعرفتها بقوة نفوذهم في البلاد وقدرتهم على التأثير على صناع القرار في بغداد، وإمكانية إقناعهم بتخفيف الضغوط عن الإقليم بعد أن بلغت درجة تهدد استقراره وتماسكه.

وبينما اتجّه وفد كردي مفاوض إلى بغداد بقيادة رئيس ديوان مجلس وزراء إقليم كردستان أوميد صباح، قام رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني بزيارة إلى القنصلية العامة لإيران بأربيل للتعزية في ضحايا التفجير الذي حدث يوم الثالث من الشهر الجاري في مدينة كرمان وأسفر عن سقوط العشرات بين قتلى وجرحى.

الموقف الحقيقي لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من إيران هو أنها داعمة لإرهاب الميليشيات

وانتهز بارزاني الفرصة لتوجيه رسائل إيجابية إلى طهران اعتبرت من قبل متابعين للشأن العراقي “مغازلة” للقيادة الإيرانية التي لا تجمعها بسلطات الإقليم علاقات ودية على اعتبار أن تلك السلطات محسوبة ضمن معسكر الموالاة للولايات المتحدة.

ونقل رئيس الإقليم إلى القنصل العام الإيراني “تعازي ومواساة شعب إقليم كردستان ومشاركته أحزان القيادة والحكومة والشعب الإيراني”.

ووصف الهجوم الذي وقع قرب المقبرة التي دفن فيها القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي قتل قبل أربع سنوات بغارة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي بأنه دليل يثبت الخطر الحقيقي الذي يمثله الإرهاب. وكتب في سجل التعازي “لهذا فإننا في حاجة إلى استمرار التعاون المشترك في المنطقة والعالم من أجل القضاء نهائيا على داعش الذي هو العدو المشترك لنا ولجمهورية إيران الإسلامية وللعالم”.

كما وجّه بارزاني شكره لإيران “التي ساعدت العراق وإقليم كردستان في مواجهة تنظيم داعش”.

ولا تعكس عبارات المجاملة هذه المنظور الحقيقي لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يشارك نيجيرفان بارزاني في قيادته، وهو منظور سلبي على وجه العموم يعتبر إيران نفسها مسؤولة عن الإرهاب الذي يطال الإقليم عبر استهدافه بالصواريخ والطائرات المسيّرة من قبل الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

كما لا يهمل الحزب مشاركة إيران بشكل فاعل إلى جانب الحكومة العراقية في إحباط الاستفتاء الذي أجري سنة 2017 على استقلال الإقليم عن العراق، وكان قد وقف وراء إجرائه رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني.

ومع ذلك تتطلب صعوبة الظرف مجاملة إيران ومحاولة استمالتها لتجنب المزيد من الضغوط على يد حلفائها العراقيين.

وقال نيجيرفان بارزاني للصحافيين إثر زيارة القنصلية الإيرانية “جئنا اليوم إلى القنصلية العامة لجمهورية إيران الإسلامية للتعبير عن تعاطف إقليم كردستان ورئاسته مع ضحايا العمل الإرهابي الذي نفّذ في كرمان والذي تسبب في استشهاد العشرات من الأبرياء في تلك المدينة، ولنقدم تعازينا لشعب إيران بصورة عامة والأحبة في كرمان بصورة خاصة. ولنعبر لهم عن تعاطفنا معهم”.

وأضاف أن تنظيم داعش “ظاهرة إقليمية وهو موجود في منطقتنا”. وحرص على إبراز دور إيران في محاربة التنظيم، قائلا “في نفس الوقت نذكّر أنفسنا بأنه عندما جاء داعش في السنوات السابقة قدمت جمهورية إيران الإسلامية المساعدة للعراق ولإقليم كردستان، وأكدنا على ذلك للإيرانيين وشكرناهم على كل المساعدات التي قدموها”، مؤكّدا قوله “لن نكون بأيّ شكل من الأشكال مصدر تهديد لأيّ من جيراننا وبالأخص لجمهورية إيران الإسلامية”.

وعن طبيعة العلاقات التي تربط بين إقليم كردستان وإيران قال بارزاني إنّ “إيران جارة مهمة لنا، ونحن في الإقليم نريد دائما أن نرتبط بعلاقات جيدة معها. وأعتقد أن علاقتها حاليا مع الإقليم علاقة جيدة، ونأمل أن تتجه هذه العلاقة نحو الأحسن لأننا جيران، وبالنتيجة قدمت لنا إيران المساعدة في المواقف التي احتجنا فيها إلى المساعدة”.

بارزاني يوجّه شكره لإيران التي ساعدت العراق وإقليم كردستان في مواجهة تنظيم داعش

ومن أوكد المساعدات التي يحتاج إليها إقليم كردستان العراق في الوقت الراهن إقناع الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد بتخفيف ضغوطها المالية عنه، وتوجيه أمر للفصائل المسلّحة بالكف عن استهداف مواقع داخل الإقليم بما في ذلك مطار أربيل الدولي تحت عنوان “مقاومة” الوجود العسكري الأميركي في تلك المواقع.

وما تزال القضية المالية مصدر القلق الأول لحكومة الإقليم حيث بدأت تؤثر على الأوضاع الاجتماعية وتسبب حالة من التململ في صفوف الموظفين والعمال جرّاء عدم صرف مرتّباتهم في مواعيدها المحدّدة.

وانطلقت هذا الأسبوع جولة مفاوضات جديدة بين بغداد وأربيل بشأن المسألة المالية، حيث سيناقش الوفد الكردي الموجود في بغداد إمكانية حصول الإقليم على “رواتب ثلاثة أشهر من العام 2023 لم ترسل إليه، وكذلك موازنة العام 2024”.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن المتحدث باسم حكومة الإقليم بيشوا هوراماني قوله إنّ الوفد سيناقش أيضا قانون النفط والغاز وتعديل قانون الموازنة الاتحادية العامة، وإيجاد حل جذري لمشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان.

وتستكمل المفاوضات الجديدة محادثات مكثّفة جرت على امتداد العام الماضي بين مسؤولين في الحكومة الاتّحادية وحكومة الإقليم حول القضايا والخلافات المالية، لم تفض سوى إلى حلول جزئية في ظل وجود قوى في بغداد تظهر إصرارا على مواصلة الضغوط على الشركاء الأكراد في نطاق منظور يعتبرهم أقرب إلى صف الولايات المتحدة التي تعتبر صاحبة الفضل في إرساء تجربة الحكم الذاتي في إقليمهم.

3