قيادات شيعية عراقية تتحرك صوب إقليم كردستان تحت وطأة المتغيرات العاصفة والضغوط الأميركية

تحرّك قيادات شيعية عراقية صوب إقليم كردستان العراق وتحديدا باتجاه الحزب الديمقراطي الكردستاني يأتي تحت وطأة ضغوط المتغيرات الإقليمية والدولية على المحور الذي تنتمي إليه تلك القيادات ويتمّ بدفع من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الراغب في إضفاء أكبر قدر ممكن من الهدوء على ما تبقى من ولايته، والساعي لترجيح كفة حلفائه المحلّيين على حساب القوى الأكثر تشدّدا وإثارة للتوترات.
أربيل (إقليم كردستان العراق)- تحظى التوافقات بين سلطات إقليم كردستان العراق والسلطة الاتّحادية العراقية وتوجّه الطرفين نحو حلحلة عدد من الملفات والقضايا الخلافية بدعم قيادات شيعية متنفّذة في حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أبدت رغبة في الانفتاح على قيادة الإقليم في ظلّ شعورها بوطأة المتغيرات الإقليمية والدولية السائرة في غير مصلحة محورها الذي تقوده إيران، وتوجسّها من الضغوط الأميركية المتزايدة عليها.
وتوجّهت تحرّكات بعض القيادات الوازنة للقوى الشيعية صوب قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي حققت في الآونة الأخيرة سلسلة من النجاحات في تجاوز المصاعب التي واجهت الإقليم اقتصاديا واجتماعيا وخفض التوترات السياسية الداخلية التي شهدها، وذلك بالتوازي مع ممارستها نشاطا دبلوماسيا خارجيا غير اعتيادي وسّعت بفعله شبكة علاقات كردستان العراق داخل المنطقة وخارجها وجعلت من الإقليم طرفا شريكا في جهود حلحلة أزمات مستعصية كما هي الحال بشأن الجهود التي يقودها زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني لإنهاء الصراع بين تركيا والمسلحين الأكراد المعارضين لنظامها سلميا.
من مصلحة رئيس الوزراء العراقي تغليب الشق المعتدل على حساب الشق المتشدد المثير للمشاكل مع الإقليم
ويخدم توسيع دائرة التوافقات بين السلطة الاتحادية وسلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق وتثبيتها بشكل مباشر حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني ويساعدها على ترجيح كفّة القوى الشيعية الحليفة للسوداني نفسه على حساب القوى الأكثر تشدّدا والتي لطالما وقفت وراء توتير العلاقة بين بغداد وأربيل بمحاولتها تشديد الضغوط السياسية والمالية وحتى الأمنية في بعض الأحيان على الإقليم رغبة في إضعافه.
وفي ضوء مختلف هذه المعطيات زار هادي العامري زعيم منظمة بدر القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة السوداني إقليم كردستان حيث كان له لقاءان منفصلان في أربيل مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني.
وشهد لقاء رئيس الحزب الديمقراطي مع قائد بدر، بحسب وسائل إعلام محلية، “تسليط الضوء على الأوضاع السياسية والأمنية في العراق والمنطقة، بالإضافة إلى التنسيق بين مختلف الأطراف لحماية استقرار العراق.” كما “شكّلت سبلُ تسوية الخلافات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية محورا آخر للقاء،” وفق الوسائل الإعلامية ذاتها.
وفي لقائه مع العامري فتح نيجيرفان بارزاني “الملفات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان مؤكّدا أهمية حل المشاكل العالقة بروح التعاون والشراكة الوطنية.”
وجاء في بيان صدر، الأربعاء، عن رئاسة الإقليم أنّ “الجانبين بحثا آخر المستجدات السياسية والوضع العام للبلاد والملفات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان بما يصب في خدمة المصلحة الوطنية.”
وأكد الجانبان بحسب البيان “على أهمية تعزيز الحوار والتفاهم بين جميع العراقيين والعمل المشترك لتحقيق استقرار البلد وحل المشاكل العالقة بروح التعاون والشراكة.” كما جرى التباحث “حول أوضاع البلد وأهمية الحفاظ على وحدة الصف الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.”
ونُقل عن رئيس الإقليم تأكيده أهمية “مواصلة التنسيق والتعاون مع كل القوى الوطنية في العراق، ودعم جهود الحكومة الاتحادية لتحقيق الأمن والاستقرار وتعزيز الشراكة الوطنية التي هي في صالح كل البلد.”
ووصف عدي عبدالهادي القيادي في تحالف الفتح الممثل السياسي للحشد الشعبي زيارة العامري إلى إقليم كردستان بالمهمة للغاية “في هذه التوقيتات خاصة مع وجود الأجندة الأميركية التي تحاول التلاعب ببعض الأوراق ومنها ورقة النفط،” بحسب تعبيره.
توسيع دائرة التوافقات بين السلطة الاتحادية وسلطات إقليم كردستان العراق يخدم بشكل مباشر حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني ويساعدها على ترجيح كفّة القوى الشيعية الحليفة للسوداني نفسه على حساب القوى الأكثر تشدّدا
وتمكنت الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان مؤخّرا من التوصّل إلى اتفاق بشأن استئناف تصدير نفط الإقليم المتوقف منذ نحو عامين لتكونا بذلك قد حسمتا ملفا خلافيا مستعصيا وشديد الأهمية نظرا إلى صلته بالوضع المالي للإقليم.
واعتبرت مصادر محلية أن فض ذلك الإشكال يُحسب في رصيد سلطات إقليم كردستان العراق وأنّه جاء نتيجة القوة التفاوضية للحزب الديمقراطي الكردستاني وطول نفسه، ويعود في جانب منه إلى شبكة العلاقات الدولية المتينة للإقليم إذ لم تكن واشنطن بعيدة عن إقناع حكومة السوداني ودفعها نحو حلحلة الملف.
وأضاف عبدالهادي أن “زيارة العامري تأتي في إطار أهمية توحيد الرؤى حيال دعم بغداد من أجل المضي في خيارات ثابتة وموحدة لحماية أمن واستقرار البلاد، وأيضا تجاوز إشكاليات ملف الطاقة والسعي لحل هذا الموضوع وفق رؤية عراقية مئة في المئة“.
كما اعتبر السياسي المقرّب من الحشد أنّ “انتقادات بعض القوى الكردستانية للحشد الشعبي هي تصريحات سياسية تأتي نتيجة عدم فهم الصورة الكاملة لما يحصل، وبالتالي، فإن العامري باعتباره قريبا من موقع الحدث، سيُبين الحقائق،” متوقّعا أن تلعب شخصية العامري دورا في “احتواء كل الإشكاليات والعمل من أجل صورة أشمل وأكبر للعراق وتجاوز التصريحات المتشنجة التي تصدر من هذا التكتل أو ذاك.”
وحرص عبدالهادي على التوضيح أنّ “انتقادات بعض القوى الكردستانية للحشد واتهامه ببعض الأمور غير الصحيحة لا تعني القطيعة وعدم وجود قنوات تفاهم،” مبينا أنه “من خلال الحوار ستكون الصورة أكثر وضوحا لجميع القوى، وبالتالي يمكن تجاوز أيّ إشكاليات، مع التأكيد على أن الجميع تحت مظلة عراق موحد بكل أطيافه ومكوناته“.
وقال في تصريحات لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ “العامري قبل أن يكون قياديا مهمّا في الحشد الشعبي وساهم في إدارة معارك مهمة لتحرير المدن (من تنظيم داعش) هو أيضا زعيم تكتل سياسي عراقي مهم. وبالتالي فإن زيارته إلى إقليم كردستان تحمل عدّة رسائل أولها تأكيده السعي لحل الإشكاليات بين بغداد وأربيل سواء ما تعلق بملف الرواتب أو المتعلقة بملف النفط.”