قوى نيابية تستثمر وجودها في البرلمان التونسي لتعزيز تموقعها في المشهد السياسي

نواب يتجاوزون الدستور ويطالبون بدور رقابي للبرلمان على الحكومة.
السبت 2023/04/29
بداية غير مبشّرة

تحاول بعض القوى النيابية فرض دور رقابي للبرلمان على الحكومة، متجاوزة بذلك نص الدستور الذي أشار صراحة إلى أن هذا الدور موكول حصرا لرئيس الجمهورية، ويرى متابعون أن هذه المحاولات هي في سياق مساع من هذه القوى لتعزيز تأثيرها الضعيف في المشهد السياسي التونسي.

تونس - لم تخل جلسات المصادقة على فصول النظام الداخلي للبرلمان التونسي الجديد من جدل بين النواب، لاسيما في علاقة ببعض الفصول المرتبطة بطبيعة العلاقة مع السلطة التنفيذية.

وتصر قوى نيابية ومن بينها حركة الشعب على ضرورة تضمين نص يفرض ممارسة البرلمان لدوره الرقابي على الحكومة، رغم أن ذلك يتعارض ونص الدستور الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس الماضي، وحصر دور البرلمان في الجانب التشريعي، مجردا إياه من أي دور رقابي، على خلاف دستور 2014.

واعترض عدد من النواب الجمعة، على عدم تمرير الفصل عدد 133 من مشروع النظام الداخلي المتعلّق بجلسات الحوار مع الحكومة، وطالبوا بإعادة التصويت عليه متعلّلين بحدوث ارتباك خلال عملية التصويت على إثر حدوث عطب في الشاشة الموجودة بقاعة الجلسات مما حال دون متابعتهم صيغة الفصل المذكور (مع العِلم أنّ الفصل موجود أمام النواب في وثيقة تمّ توزيعها عليهم مسبقاً).

نبيل الرابحي: بعض النواب يحاولون الالتفاف على السلطة التشريعية
نبيل الرابحي: بعض النواب يحاولون الالتفاف على السلطة التشريعية

وطالب النائب رياض جعيدان بالتنصيص على إمكانية إحداث لجان تحقيق برلمانية “لما تكرّسه من دور رقابي عام للبرلمان”.

واعتبر النائب عن حركة الشعب بدرالدين القمودي أنه من غير المقبول إسقاط فصل ينص على عقد جلسات دورية مع الحكومة ويكرس الدور الرقابي للبرلمان.

وينص الفصل 133 من مشروع النظام الداخلي على أنّه “يخصص المجلس جلسة دورية للحوار مع الحكومة أو عضو منها حول السياسة التي يتم اتباعها والنتائج التي وقع تحقيقها أو يجري العمل من أجل الوصول إليها مرة كل 45 يوما على الأقل وكلما دعت الحاجة بطلب من المكتب أو من أغلبية أعضاء المجلس، وتفتتح جلسات الحوار بعرض يقدمه عضو الحكومة، ثم يتولى الإجابة عن أسئلة النواب تباعا وله حق طلب إمهاله مدة لإعداد الردود”.

ويرى مراقبون أن بعض القوى في داخل البرلمان التونسي لا تزال متأثرة على ما يبدو بدستور 2014، وهي تحاول اليوم إسقاط واقع جديد يتمثل في فرض دور رقابي على الحكومة، مع أن الدستور واضح لجهة منح هذه الصلاحية حصرا لرئيس الجمهورية، الذي يملك وحده الحق في التعيين والإقالة، ومتابعة السياسات الحكومية.

ويشير المراقبون إلى أن هذه القوى تسعى لتوسيع دائرة تأثيرها في المشهد السياسي، مستغلة وجودها في البرلمان، لافتين إلى أن هذا الأمر يثير مخاوف لدى البعض من عودة التنازع على الصلاحيات بين السلطات.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “بعض النواب يحاولون الالتفاف على السلطة الجهوية أو السلطة التشريعية، ويسعون للعودة إلى دستور 2014، ويتناسون أن دستور 25 يوليو 2022 أكد على أن الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية والرئيس هو الطرف الوحيد الذي يساءل عنها”.

وأضاف الرابحي في تصريحات لـ”العرب” أن “هناك عددا من النواب يريدون ممارسة السلطة في مجلس النواب مثل البرلمان السابق، وأغلبهم كانوا ينتمون إلى حركة نداء تونس وقلب تونس والعائلة الوسطية ومن أبرموا تحالفات مع حركة النهضة الإسلامية”.

ومضى قائلا “يريدون الالتفاف لمعرفة موازين القوى داخل المجلس، ولكن سيسقط هذا المقترح”.

واللافت أن القوى التي تصر اليوم على فرض دور رقابي للبرلمان على عمل الحكومة وأيضا على عمل السلطات المحلية في المحافظات هي نفسها التي أيدت الدستور الجديد، ودافعت عنه، على غرار حركة الشعب، التي كانت عقدت حملات للترويج له قبل الاستفتاء عليه في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.

وقاطع نواب عن محافظة نابل شمال شرق تونس للمرة الثالثة على التوالي جلسة للمجلس الجهوي احتجاجا على ما وصفوه بـ”إصرار المحافِظة صباح ملاك على مصادرة الدور الرقابي للنواب”، وفق تصريح ياسين مامي النائب عن دائرة الحمامات.

قوى نيابية تصر على ضرورة تضمين نص يفرض ممارسة البرلمان لدوره الرقابي
قوى نيابية تصر على ضرورة تضمين نص يفرض دور محوري للبرلمان

وقال مامي في تصريحه لإذاعة “موزاييك” المحلية “رفضت محافِظة نابل الإصغاء لنواب الجهة الحاضرين في المجلس لنقل شكاوى المواطنين، مصرّة على القول إن دور النائب تشريعي فقط ولا دخل لكم في الرقابة”.

وأضاف “نرفض بشدة إصرار المحافِظة على مصادرة دورنا الرقابي في تعارض تام مع الرسالة التي أبلغنا إياها رئيس مجلس نواب الشعب من رئيس الجمهورية والتي أكد فيها الاستقلالية التامة للنواب وأحقية قيامهم بدورهم الرقابي والتشريعي، لذلك قاطعنا الجلسة الجمعة وسنرفع أمر المحافظة لرئيس الجمهورية”.

واستنكر مامي رفض المحافِظة الإصغاء لتدخلات النواب حول شكاوى المواطنين وما حمّلوهم من مطالب للسلطة.

وقال أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب إن “هذه المسألة كانت من المحاذير التي أشرنا إليها بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهؤلاء يمثلون التيّار الانتهازي، وهناك توهّم أن السياسة تأتي بالوصول إلى التأثير على المسارات الاقتصادية والاجتماعية”.

وأكد الطبيب في تصريح لـ”العرب” أنه “في الدستور الجديد، لا مجال للعب أدوار إضافية غير الدور التشريعي للنواب، ويبدو أن هناك أشخاصا طُلب منهم أن يلعبوا هذا الدور، وهم كانوا موجودين في كل المنظومات التي حكمت بعد 2011”.

رافع الطبيب: لا مجال للعب أدوار إضافية في الدستور الجديد
رافع الطبيب: لا مجال للعب أدوار إضافية في الدستور الجديد

وأشار إلى أن “أكبر خطأ في القانون الانتخابي الجديد هو فتح الباب أمام من كانوا جزءا من المشكلة ليصبحوا جزءا من الحلّ”.

وصادق النواب خلال جلسة الجمعة على الفصلين 131 و132 من الباب السادس المتعلق بمراقبة العمل الحكومي.

وينص الفصل 131 على الآتي: “لكل عضو أو أكثر التقدم إلى أعضاء من الحكومة وعن طريق رئيس مجلس نواب الشعب بأسئلة كتابية في صيغة موجزة ودقيقة ولا تتضمن معطيات شخصية طبقا للتشريع المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. وتودع الأسئلة الكتابية بالتطبيقة الإلكترونية المعدة للغرض، ويحيل مكتب المجلس السؤال الكتابي، بعد التثبت من احترام الشروط الشكلية المضمنة بالفقرة الأولى من هذا الفصل على الحكومة في أجل أقصاه 15 يوما من تلقيه، ويتعين على الحكومة موافاة رئيس المجلس بجواب في صيغة إلكترونية في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ تلقيها السؤال، حيث يسلم رئيس المجلس نسخة من الجواب إلى العضو المعني ويأذن بنشر السؤال والجواب الكتابي للحكومة بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) لمداولات مجلس نواب الشعب وعلى الموقع الإلكتروني للمجلس. ويمكن لأي عضو تقدّم بأسئلة كتابية أن يسحبها قبل إحالتها، ويأذن رئيس المجلس بالإعلان عن الأسئلة التي تجيب عنها الحكومة بنشرها على الموقع الإلكتروني”.

وينص الفصل 132 على أنه “يمكن لكل عضو أن يتقدّم خلال جلسة عامة بأسئلة شفاهية لأعضاء الحكومة على أن يوجه إعلاما كتابيا إلى رئيس المجلس يبين فيه موضوع أسئلته وعضو الحكومة المعني بالإجابة وتحديد من ينوبه في صورة تعثر الحضور في الجلسة المبرمجة لطرح السؤال. وللنائب الحق في التعقيب مرة واحدة ولمدة لا تتجاور 5 دقائق.  ولا يمكن لأي عضو سحب أو إضافة سؤال شفاهي بعد برمجته بالجلسة العامة. كما يمنع كل عضو من توجيه سؤال شفاهي لباقي الدورة العادية في صورة تغيبه أو تغيب من ينوبه لطرح السؤال، وفي صورة عدم حضور عضو الحكومة المعني إلى الجلسة دون اعتذار وتحديد موعد لاحق يتم نشر ذلك على الموقع الرسمي للمجلس”.

4