قوى متنافرة تلتقي على إسقاط الحكومة السودانية

السلطات السودانية منحت دورا أكبر لقوات الشرطة في التعامل مع أحداث الشغب وسط مخاوف من اندلاع أعمال عنف تقود إلى تأزم الموقف السياسي والأمني.
الخميس 2021/07/01
تحالفات مناوئة للحكومة جاهزة للتحرك

الخرطوم- نظّمت قوى سودانية معارضة مسيرات في مناطق متفرقة بالخرطوم الأربعاء تزامنا مع ذكرى انقلاب الرئيس السابق عمر البشير على السلطة المدنية، وتوافقت أحزاب وقوى مختلفة على إسقاط الحكومة، وطالبت بإيجاد حلول سريعة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وقاد المظاهرات التي حاولت الوصول إلى القصر الرئاسي، الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وتنسيقيات لجان المقاومة بجانب فلول نظام البشير وعناصر من الحركة الإسلامية، وسط مخاوف من اندلاع أعمال عنف تقود إلى تأزم الموقف السياسي والأمني.

وقال شهود عيان لـ”العرب”، إن قوات الشرطة انتشرت بكثافة في كافة الطرق المؤدية إلى مقري القيادة العامة والقصر الرئاسي، وأغلقت منطقة وسط العاصمة في وجه المارة والسيارات، وتعاملت مع بعض الاشتباكات التي وقعت وسط الخرطوم بإطلاق قنابل الغاز المسيّل للدموع.

ما يثير قلق دوائر سودانية أن هناك قاعدة تحالفات تجري صياغتها من قبل قوى مناوئة للحكومة قد تكون منافسة للحرية والتغيير، من حيث حجم القوى والتيارات المنضوية فيها

وحاول رئيس الحكومة عبدالله حمدوك التسلّح بالدعم الدولي الذي حظي به مؤخرا للتخفيف من وقع المظاهرات، واعتبر في خطاب له وجهه قبل ساعات من اندلاع المظاهرات أن موافقة صندوق النقد الدولي على انضمام السودان لمبادرة “هيبيك” الخاصة برفع ديون الدول الفقيرة “مرحلة الحسم في الشوط الأخير” لتخليص السودان من غالبية ديونه الدولية التي تقدر بنحو 60 مليار دولار.

وأوضح أن القرار يتيح للسودان تمويلات فورية بقيمة 4 مليارات دولار، وأن ديون البلاد المتوقع إعفاؤها خلال عام تقدر بـ23 مليار دولار، تمثل أكبر عملية إعفاء على مر تاريخ هذه المبادرة، وفي أقصر مدة زمنية ممكنة.

وتحولت ذكرى الـ30 من يونيو في السودان إلى مناسبة سياسية ثورية تحتفي بها القوى التي شاركت في الإطاحة بنظام البشير، إذ خرجت في ذات اليوم قبل عامين للتنديد بفض اعتصام جرى في الـ3 من يونيو عام 2019، وأجبرت الاحتجاجات آنذاك المجلس العسكري على العودة إلى طاولة المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير بعد أن أوقفها يوم فض الاعتصام.

ووظفت الحكومة الدعم الدولي عبر توسيع قاعدة جهودها للتعامل مع فلول النظام، وأعلنت لجنة إزالة التمكين الأربعاء القبض على 79 شخصا كانوا يخططون لأعمال عنف أثناء المظاهرات من داخل أحد الفنادق وسط الخرطوم.

يوسف محمد زين: الحل يكمُن في إصلاح السلطة الانتقالية وليس هدمها

ومنحت السلطات السودانية دورا أكبر لقوات الشرطة في التعامل مع أحداث الشغب التي دائما ما تكون حاضرة في أي مظاهرات يشارك فيها فلول البشير. وشكلت لجان متابعة من جهات قضائية يرأسها النائب العام لحماية وتأمين الاحتجاجات مهمتها متابعة وتسلم تقارير على مدار الساعة.

ويرى مراقبون أن تعامل قوات الشرطة بخشونة مع المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى قصر الرئاسة بعث برسائل مفادها أنه لن يكون مقبولا المساس بالشرعية الثورية التي أفرزت الوثيقة الدستورية الحاكمة في البلاد، ولن تتهاون مع عناصر الحركة الإسلامية الذين وجدوا في السيولة السياسية والأمنية مدخلا مناسبا لتمرير مطالبهم بانتخاب سلطة جديدة دون انتظار انتهاء المرحلة الانتقالية.

وأكد عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية يوسف محمد زين، أن القوى الثورية المعارضة للحكومة بجانب فلول البشير “حاولا منذ بداية يونيو حشد المواطنين لإسقاط الحكومة، لكنهما أخفقا، لأن الشعب السوداني أدرك أن الحل يكمُن في إصلاح السلطة الانتقالية وليس هدمها لخدمة أغراض قوى معادية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن قوى الحرية والتغيير لم تغب عن ميادين التظاهر وشاركت في المواكب والمسيرات التي وصلت إلى وسط الخرطوم، غير أنها نادت بضرورة دعم الحكومة في قرارات الإصلاح التي أعلن عنها، ورفعت شعارات تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية.

وبدت الحكومة أكثر قدرة على مواجهة المظاهرات، وتعاملت بهدوء مع حالة التصعيد المستمرة، وجاءت التحركات السريعة من جانب حمدوك بنتائج إيجابية على مستوى إقناع المواطنين بأن الانتقال الديمقراطي له ضريبة لا بد من سدادها عبر تحمل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وصولا إلى مرحلة الاستقرار.

ويخشى متابعون أن تدخل الحكومة في متاهة سياسية في حال حدوث انفلات داخل جهاز الشرطة الذي يعاني اختراقا من جانب عناصر محسوبة على فلول البشير، ما يشير إلى وجود خلايا تتمنّع عن تأمين الاحتجاجات.

وأظهرت مقاطع فيديو جرى تداولها على نطاق واسع هتافات مناوئة لوزير الداخلية السوداني الفريق أول عزالدين الشيخ من قبل عناصر شرطية أعلنت عدم تأمينها احتجاجات 30 يونيو في أثناء مخاطبته لعناصر كبيرة من قوات شرطة كانت تتلقى تدريبات للتعامل مع أحداث الشغب في المظاهرات.

وشدّد المحلل السياسي خالد الفكي على أن التوافق الكبير في أهداف الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية، ولو من دون تنسيق مسبق بين الطرفين، يهدد تماسك المرحلة الانتقالية، لأنه يأتي كنتيجة مباشرة لخلافات قوى الحرية والتغيير المتصاعدة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن ما يطمئن الحكومة أن التقارب “تكتيكي ومرحلي، لأن الحركة الإسلامية تسعى لبعثرة أوراق المرحلة الانتقالية والانقضاض عليها عبر شرعية جديدة من الشارع تمكنها من الوصول إلى السلطة، فيما يبقى هدف الحزب الشيوعي وحلفائه إسقاط الحكومة وتغيير منهجية عمل السلطة الانتقالية في إدارة الدولة وتعيين حكومة كفاءات أيديولوجية مرتبطة بقوى اليسار”.

وظفت الحكومة الدعم الدولي عبر توسيع قاعدة جهودها للتعامل مع فلول النظام، وأعلنت لجنة إزالة التمكين الأربعاء القبض على 79 شخصا كانوا يخططون لأعمال عنف أثناء المظاهرات

وما يثير قلق دوائر سودانية أن هناك قاعدة تحالفات تجري صياغتها من قبل قوى مناوئة للحكومة قد تكون منافسة للحرية والتغيير، من حيث حجم القوى والتيارات المنضوية فيها، وقدرتها على التأثير في الشارع وارتكانها على شعبية ليست هيّنة.

وعقدت قوى سياسية وحركات مسلحة، بعضها محسوب على الثورة والبعض الآخر لم يشارك فيها، اجتماعات في عاصمة جنوب السودان (جوبا) خلال الأيام الماضية انتهت بتشكيل تحالف جديد يضم الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال جناح عبدالعزيز الحلو، والحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل، وتجمع القوى المدنية، ومؤتمر البجا التصحيحي، وتجمع المهنيين السودانيين، وتحالف قوى جبال النوبة المدنية وضباط الشرطة المفصولين تعسُفيا، وبعض الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية.

ومن المتوقع أن تكون الفترة المقبلة حاسمة لجهة قدرة السلطة الانتقالية على امتصاص حالة الغضب التي توظفها قوى سياسية لصالحها، وأن المظاهرات التي اندلعت في ذكرى الـ30 من يونيو قد لا تكون الأخيرة، لأن هناك تحالفات تتشكل لمناوئة الحكومة ربما تصبح جاهزة للتحرك في أي وقت تواجه فيه الحكومة عثرات.

2