قوى متشددة تضع بصمتها على تشريع عراقي يتعلق بالمثليين

بغداد- أرجأ البرلمان العراقي، الاثنين، التصويت على مشروع قانون يتضمن فرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة على ممارسة العلاقات الجنسية المثلية، وهو مشروع يحمل بصمات الأحزاب الدينية المتشدّدة القائدة الرئيسية للدولة العراقية منذ سقوط النظام العراقي السابق مطلع الألفية الحالية.
ولن يكون القانون الجديد في حال إقراره من دون تبعات على علاقة العراق السياسية والاقتصادية بقوى عالمية مناهضة لعقوبة الإعدام بشكل عام ومهتمة أيضا بإقرار حقوق للمثليين، فضلا عن جعله البلد تحت مجهر جماعات حقوق الإنسان.
وكثيرا ما دافعت أحزاب شيعية مشاركة في تشكيل الحكومات العراقية وتمتلك تمثيلا تحت قبة البرلمان على تجريم المثلية داعية إلى إيقاع أقصى العقوبات على ممارسيها.
وقال النائب رائد المالكي عضو اللجنة القانونية في وقت سابق إنّ تسع دول أوروبية تحركت لمنع تشريع قانون تجريم “الشذوذ الجنسي” في العراق.
◄ أحزاب وفصائل ترفع لواء الدفاع عن الدين والأخلاق وتتستر على تجارة جنس رائجة يديرها رجال دين قرب مراقد مقدسة
وأضاف قوله “تحدثنا معهم بما ينبغي وما يناسب أن يسمعوه. وكان جوابنا العملي هو المضي في القراءة الثانية لمقترح تعديل القانون وهذا ما حصل فعلا”، مؤكّدا قوله “نحن في زمان الدفاع فيه عن المعتقد والقيم والأخلاق يعد جهادا”.
وكثفت الأحزاب الدينية الكبرى في العراق منذ العام الماضي انتقاداتها لحقوق المثليين، وكثيرا ما أحرقت أعلام قوس قزح في احتجاجات شاركت في تنظيمها الفصائل الشيعية المسلّحة.
وتتذرّع تلك الأحزاب والفصائل في مناهضتها الشديدة للمثلية الجنسية بالدفاع عن الدين والأخلاق، لكن الكثير من الوقائع تظهر أن تجربة تلك القوى في الحكم ساهمت في إشاعة الكثير من الممارسات غير الأخلاقية، ليس أقلّها نشر الفساد على نطاق واسع في جميع مفاصل الدولة العراقية.
وسبق لتحقيق استقصائي أجرته إحدى التلفزات العالمية في شكل شريط وثائقي أنْ كشف عن انتشار تجارة مقنّعة للجنس عبر مكاتب منتشرة قرب بعض الأضرحة المهمة ويديرها رجال دين يقومون بعقد زيجات متعة لفترات قصيرة جدا لا تتجاوز الساعة أحيانا.
كما أثبت التحقيق استعداد رجال الدين ليس فقط لتسهيل حصول الزبائن من الرجال على نساء وشابات، بل أيضا على فتيات قُصّر لا تتجاوز أعمارهنّ تسع سنوات. وخلص الوثائقي إلى أن بعض رجال الدين يتصرفون كسماسرة ويقدمون غطاء شرعيا لممارسات تتضمن اعتداءات جنسية على الأطفال.
وانعقد البرلمان الاثنين لمناقشة مشروع القانون ضمن مشروعات قوانين أخرى، وهو تعديل على قانون لمكافحة البغاء وآخر على جدول أعماله.
ويفرض القانون عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام على أي شخص يمارس علاقات مثلية أو يتبادل زوجته مع آخر لأغراض جنسية. ويحظر أيضا الترويج للمثلية الجنسية، ويعاقب على انتهاك أحكامه بالسجن سبع سنوات على الأقل.
وقال النائب المستقل رائد المالكي لوكالة رويترز إنه يتوقع إقرار القانون “لأهميته في صيانة والحفاظ على تقاليد المجتمع العراقي الأصيلة”.
ولا يجرم العراق الذي تقطنه أغلبية مسلمة المثليين حاليا، ولكن تم استخدام بنود فضفاضة في قانون العقوبات لاستهداف مجتمع الميم.
وتجرم أكثر من 60 دولة مثلية الجنس، في حين أن الممارسات المثلية قانونية في أكثر من 130 دولة، وفق بيانات “أور ورلد إن داتا”.
وقال دبلوماسيون من ثلاث دول غربية إنهم ضغطوا على السلطات العراقية لعدم إقرار مشروع القانون بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، ولكن أيضا لأنه سيجعل العمل مع العراق صعبا من الناحية السياسية في وقت تحاول فيه البلاد تخفيف عزلتها الدولية بعد سنوات من الاضطرابات.
وقال دبلوماسي بارز طلب عدم كشف هويته نظرا لحساسية الأمر “سيكون من الصعب للغاية تبرير العمل الوثيق مع دولة كهذه في بلادنا”. وأضاف “كنا صريحين للغاية.. إذا تم إقرار هذا القانون بصيغته الحالية، فستكون له عواقب كارثية على علاقاتنا الثنائية والتجارية”.
وانعقد البرلمان للتصويت على مشروع القانون قبل ساعات فقط من لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، في إطار رحلة تركز على الدفع نحو المزيد من الاستثمارات الأميركية.
وفي نموذج عملي على جدية الضرر الذي يمكن أن يلحقه إقرار عقوبة الإعدام بحق المثليين على علاقة العراق بالمجتمع الدولي، يحضر مثال دولة أوغندا الواقعة بشرق القارة الأفريقية التي شرّعت في مايو الماضي قانونا يتضمن عقوبة الإعدام لبعض الأفعال الجنسية المثلية فقام البنك الدولي بوقف منح القروض لها كما فرضت الولايات المتحدة قيودا تتعلق بالتأشيرات والسفر على مسؤولين أوغنديين.