قوى شيعية محرجة من السياسة الخارجية لحكومة السوداني تصوّب على وزارة الخارجية

الفصل بين حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني المشكّلة من قبل الأحزاب والميليشيات المنضوية ضمن الإطار التنسيقي الشيعي، ووزارة الخارجية كما لو أنها دولة لحالها داخل الدولة، إذ يبدو متعسفا وغير منطقي، لكنّه يظل مفهوما في إطار ما يشعر به قادة الإطار من حرج إزاء بعض السياسات الخارجية للحكومة وما تنطوي عليه من تعارض مع نفوذ إيران في العراق والذي تتولى تلك القوى ذاتها مهمة حراسته.
بغداد- تواجه الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية حالة من الحرج إزاء السياسة الخارجية التي تسلكها الحكومة المشكّلة من قبلها، نظرا لما تنطوي عليه بعض مفاصل تلك السياسة من تعارض مع مصلحة حليفتها إيران ونفوذها في العراق، وخصوصا عندما يتعلّق الأمر بالتقارب الكبير مع تركيا والدخول في مشاريع تنموية مع بلدان أخرى في الإقليم، وأيضا بإدارة العلاقة مع الولايات المتحدة وتحديدا ملف قواتها المتواجدة على الأرض العراقية.
وتحاول تلك القوى الذي ينتمي أبرزها إلى الإطار التنسيقي الشيعي تجاوز الحرج بالفصل بين حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزارة الخارجية، والإيحاء بأنّ ما يُتّخذ من قرارات وما يسطّر من سياسات لا تعتبرها الأحزاب والفصائل المسلّحة ملائمة، صادرٌ عن الوزارة التي تقودها شخصية كردية من خارج قوى الإطار ويتعلّق الأمر بالوزير فؤاد حسين المنتمي للحزب الديمقراطي الكردستاني.
وعلى هذا الأساس تشنّ القوى الشيعية العراقية الموالية لإيران حملات متلاحقة على فؤاد حسين ووزارته، تصاعدت مؤخّرا مع قرار الحكومة العراقية إرجاء موضوع إنهاء مهمة التحالف الدولي ضدّ داعش في العراق، ما يعني التخلّي إلى أمد غير محدّد عن مساعي إخراج القوات الأميركية غير المرغوب فيها من قبل تلك القوى، من البلاد.
كما تصاعدت على وقع تسارع خطوات التقارب الكبير بين تركيا والعراق ودخول البلدين في شراكة أمنية لا تستثني مواجهة مسلّحي حزب العمال الكردستاني المنتشرين في عدد من مناطق الشمال العراقي، وأيضا اقتصادية تتضمن مشروع مدّ طريق طويلة تُعرف بطريق التنمية وتربط مياه الخليج بالحدود التركية عبر الأراضي العراقية وذلك بالشراكة مع كل من دولة الإمارات وقطر.
وتنشر وسائل إعلام محلية تابعة لأحزاب وميليشيات شيعية تقارير مدعومة بتعليقات لشخصيات منتمية لتلك القوى أو مقربة منها تتهم فيها وزير الخارجية بالمسؤولية عما تسميه ضعف أداء الوزارة في الدفاع عن مصالح العراق والحفاظ على سيادته.
واستدعى أحد تلك التقارير إحدى أكثر التهم “خطورة” في عراق ما بعد الغزو الأميركي وتتمثّل في وجود “فلول” حزب البعث ضمن مواقع القرار في الوزارة.
ولا تخلو الحملات على الخارجية العراقية من مغالطة متعمّدة حيث تدرك القوى التي تقف خلفها وجود مسؤولية جماعية للحكومة على مجمل السياسات الخارجية للبلاد، بل حتى مسؤولية للقوى ذاتها التي تحاول أن تتبرّأ من تلك السياسات على اعتبار الإطار التنسيقي الذي يجمعها يمثل مظلة لحكومة السوداني ومشاركا رئيسيا في صنع قرارها وتسطير سياستها.
ومع ذلك يظل الهجوم على الخارجية مَهْربا مناسبا من الحرج إزاء إيران نظرا لكون الوزارة تمثّل الحلقة الضعيفة في الحكومة لأنّ من يقودها لا ينتمي إلى العائلة السياسية الشيعية التي تمثّل عماد تجربة الحكم وقيادة الدولة العراقية.
واتهم التقرير المذكور فؤاد حسين بالغياب عن وزارة الخارجية وعدم الحضور إلى مقرّها سوى يوم واحد في الشهر ما “جعل الوزارة رهينة بيد الوكلاء والمسؤولين المقربين منه”. وقال إنّ الوزارة تمّ توريثها “للبعثيين ودب الفساد فيها خصوصا فيما يتعلق بمنح الجوازات الدبلوماسية لغير مستحقيها”.
لكنّ مصادر مطلّعة تقول إنّ وجود شخصية كردية على رأس وزارة الخارجية العراقية لا يمنع من كون القوى الأكثر تغلغلا في مفاصلها وسيطرة على مختلف المصالح والإدارات التابعة لها هي الأحزاب والميليشيات الشيعية.
وقال أحد المصادر طالبا عدم الكشف عن هويته إنّ ما يُسمع من حين لآخر بشأن وجود بعثيين في وزارة الخارجية العراقية ليس سوى صدى للصراعات الحادة على مناصب الوزارة من مختلف الدرجات والمستويات وصولا إلى مناصب السفراء الأكثر طلبا من تلك القوى بما توفره من امتيازات كبيرة لمن يشغلها.
وما يؤجج الحملة على وزير الخارجية أنّها تلائم رغبة بعض قادة أحزاب السلطة في العراق في انتزاع وزارة الخارجية من يد المكوّن الكردي في إطار صراع شرس على مناصب الوزارة، وخصوصا مناصب السفراء وأعضاء البعثات الخارجية.
وذهب محمد أبوسعيدة رئيس “حركة وجود العراق” حدّ القول إنّ الخارجية العراقية أصبحت في حكم المنتهية منذ تسلم مقاليدها فؤاد حسين متهما الوزير بإهمال شؤون الوزارة بالكامل وتركها “بيد مدير مكتبه وبعض الوكلاء الآخرين”.
ما يؤجج الحملة على وزير الخارجية أنّها تلائم رغبة بعض قادة أحزاب السلطة في العراق في انتزاع وزارة الخارجية من يد المكوّن الكردي في إطار صراع مناصب شرس
وقال في تصريحات نقلتها وكالة المعلومة المقرّبة من الحشد الشعبي إنّ الوزارة تضم ضمن كوادرها أشخاصا بعيدين عن “التخصص الدقيق حيث يتواجد داخلها مختصون في التربية الرياضية والعلوم الفنية والفن والرسم، إضافة لوجود تخصص دكتوراه في فكر القائد وأم المعارك وكذلك دكتوراه في فكر عدي صدام حسين في صياغة الإعلام العراقي، وهو ما يؤكد تغلغل البعث في هذه الوزارة منذ عام 2003 وإلى هذه اللحظة”.
كما نقلت الوكالة عن القيادي في تحالف الأنبار المتّحد محمد الدليمي قوله إنّ “وزارة الخارجية سهلت عملية منح جوازات سفر دبلوماسية لأقارب المسؤولين في الوزارة وبعض الشخصيات السياسية والعادية وأصبح هذا الجواز لا قيمة له من قبل دول العالم بسبب منحه لفئات غير مشمولة لحمل هذه الوثيقة التي تمنح للسلك الدبلوماسي والشخصيات المهمة”.
ويثير الدليمي بحديثه عن فساد داخل الخارجية العراقية قضية حقيقية، لكنّها لا تقتصر على الوزارة وحدها وتشمل مختلف باقي الوزارات وجميع هياكل الدولة العراقية، كما أنّ المسؤولية عنها لا تقتصر على شخصية أو قوة سياسية دون أخرى، إذ أنّ جميع القوى المشتركة في نظام المحاصصة تخوض صراعات لا تنتهي على الوزارات والإدارات بسبب ما توفّره من مكاسب مادية.
لكن التصويب على الخارجية في هذه المرحلة تحديدا لا يتعلّق بالفساد الذي تعانيه بالفعل بقدر ما يتعلّق بالخط الذي سلكته السياسة الخارجية العراقية والمتعارض في بعض تفاصيله مع مصلحة إيران وحلفائها العراقيين.
وتابع الدليمي أنّ “وزارة الخارجية مسؤولة عن ملف فساد منح الجوازات الدبلوماسية لغير الفئات المشمولة به في مسعى لتوريث السلطة وبناء إقطاعيات لأبناء المسؤولين في الخارجية على حساب سمعة البلد”، مبينا أن “الخارجية منحت جوازات دبلوماسية لشخصيات سياسية مقابل غض النظر عن خروقاتها في آلية إدارة الوزارة”. وطالب “الجهات المعنية بفتح ملف خروقات هذه الوزارة وإحالة المتورطين الى القضاء”.
ووصف حيدر اللاّمي القيادي في ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أحد أبرز قيادات الإطار التنسيقي، ما سمّاه “وجود أطراف مرتبطة بحزب البعث” في وزارة الخارجية بـ”الأمر الخطير جدا والذي يجب أن لا يمر مرور الكرام”، مستدركا بأن “الاندساس البعثي موجود في أغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية”.
وكان المالكي طرفا رئيسيا في تشكيل حكومة السوداني من خلال الإطار التنسيقي الذي يعتبر أيضا أحد مؤسسيه، لكنّه تحول لاحق إلى المطالبة بإقالتها قبل نهاية فترتها القانونية وإجراء انتخابات مبكرة، وذلك لرغبته في قطع مسار صعود رئيس الوزراء ومنعه من الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة. ويفسّر ذلك اتهام العضو في دولة القانون للحكومة ككل بالاختراق من قبل حزب البعث.
وأضاف اللاّمي قوله “البعثيون قاموا بتوريث مناصبهم في وزارة الخارجية لأبنائهم لاستمرار وجودهم بالوزارة” مشيرا إلى أنّ “على الوزارة تطبيق إجراءات قانون المساءلة والعدالة بحق الأسماء المشمولة بالقانون”.