قوى شيعية تدفع بفكرة التحول إلى النظام الرئاسي لطي صفحة فشلها في حكم العراق

صيغة جديدة للمحاصصة تمنح رئاسة الدولة للشيعة ورئاسة الوزراء للسنة.
الخميس 2021/08/05
قوس رئاسة الأكراد للعراق سوف يغلق

الجدل الدائر في العراق بشأن تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي تحرّكه في الغالب نوازع طائفية ومطامع شخصية حيث يكاد يقتصر التحمّس للفكرة على قادة أحزاب وميليشيات شيعية ساعين إلى تجميع السلطات بيد شخص واحد يكون شيعيا بالضرورة، ما سيعني التحوّل من نظام المحاصصة بكل مساوئه إلى دكتاتورية مستندة إلى أسس طائفية.

بغداد - برزت ضمن زخم النقاشات الدائرة في العراق بشأن الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة لشهر أكتوبر القادم فكرة تغيير النظام السياسي القائم في البلاد منذ سنة 2003 من برلماني إلى رئاسي، بعد ما آلت إليه تجربة الحكم من فشل ذريع وتحوّل النظام نفسه إلى عبء على القوى السياسية الرئيسية القائدة له وعامل تهديد لمصالحها.

وقالت مصادر سياسية مطّلعة على اتصالات عدد من القوى السياسية الشيعية إنّ النقاشات بشأن فكرة تغيير طبيعة النظام تتقدّم نحو بلورة اتّفاق بين تلك القوى التي تستعدّ لخوض الانتخابات وتتوقّع الحصول من خلالها على عدد كاف من مقاعد البرلمان يمكّنها مجتمعة من الدفع بمشروع تعديل الدستور والتحوّل إلى النظام الرئاسي.

واستبعدت المصادر أن يكون المشروع خروجا عن نظام المحاصصة المعمول به، معتبرة أن الهدف هو تطويره نحو صيغة ترسّخ مصالح القوى المستفيدة منه وبنفس الضوابط المعتمدة لتقسيم الحصص والمواقع في السلطة.

نوري المالكي: أتمنى تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي
نوري المالكي: أتمنى تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي

وعبّر عن ذلك عبدالأمير تعيبان النائب عن كتلة صادقون الذراع السياسية لميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي عندما قال في حوار على إحدى الفضائيات العراقية “نحن من سيء إلى أسوأ منذ العام 2003 حتى الآن، وسنظل ما لم يتم تعديل الدستور ليكون النظام رئاسيا أو شبه رئاسي. وحينها سيكون الرئيس شيعيا بالتأكيد. لكن رئيس الوزراء سيكون سنيا”.

وبهذه الصيغة تضمن الأحزاب والقوى الشيعية التي قادت العراق طيلة السنوات الثماني عشرة الماضية الحفاظ على دورها الرئيسي في تجربة الحكم وما يستتبع ذلك من قبض على مقدّرات البلد والتحكّم في سياساته الداخلية والخارجية، ليكون النظام الرئاسي المنشود بمثابة تجديد لتجربة حكم تلك الأحزاب بعد أنّ وصلت التجربة إلى طريق مسدود وجعلها فشلها وما تسببت به من كوارث متنوّعة للبلد في مرمى الغضب الشعبي الذي بلغ مع انتفاضة خريف سنة 2019 مديات غير مسبوقة ووصلت فيه مطالب المنتفضين سقف المطالبة بإسقاط النظام.

ويشارك في طرح فكرة التحوّل إلى النظام الرئاسي قادة كبار في الأحزاب الشيعية الرئيسية، في مقدّمتهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الأكثر تمرّسا بتجربة الحكم وأحد المسؤولين بشكل مباشر عن فشلها نظرا لطول الفترة التي قضاها على رأس الحكومة واستمرّت لثماني سنوات بين 2006 و2014 وتراجعت الدولة العراقية خلالها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، حيث اندلعت خلال تلك الفترة حرب طائفية سنية – شيعية وأهدرت فيها أموال ضخمة متأتية من بيع النفط، واستشرى فيها الفساد وعم مختلف مؤسسات الدولة بما في ذلك مؤسساتها الأمنية حتى أنها انتهت بسيطرة تنظيم داعش على قرابة ثلث مساحة العراق بسبب حالة شبه الانهيار التي آلت إليها القوات العراقية.

وقال المالكي في حوار لتلفزيون تابع لميليشيا العصائب إنّه يتمنّى تغيير النظام القائم في العراق من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي، مجدّدا بذلك طرح فكرة سبق له أن دافع عنها بإسهاب.

عبدالأمير تعيبان: في النظام الرئاسي سيكون رئيس العراق شيعيا بالتأكيد
عبدالأمير تعيبان: في النظام الرئاسي سيكون رئيس العراق شيعيا بالتأكيد

ويتيح طرحُ هذه الفكرة في مرحلة السير نحو الانتخابات المبكّرة للمالكي التملّص من مسؤولية الفشل في قيادة البلد وما نجم عن ذلك من أضرار جسيمة لأعداد كبيرة من العراقيين تستوجب المحاسبة والملاحقة أمام القضاء، حيث يحاول رئيس الوزراء الأسبق القول إنّ الفشل راجع إلى طبيعة النظام وليس إلى الشخصيات التي قادته، وهو من ضمن هذه الشخصيات.

وسبق للمالكي الذي يتزّعم حزب الدعوة الإسلامية ويقود كتلة برلمانية تحت مسمّى دولة القانون أن دعا في صائفة العام الماضي إلى إجراء حوار حول إصلاح النظام السياسي في العراق مقترحا التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي أو شبه الرئاسي.

وقال في سياق دفاعه عن المقترح إنّ “النظام السياسي البرلماني الذي أفرزته العملية السياسية بعد العام 2003 وكرّسه دستور العام 2005 مليء بالثغرات القانونية والاختلالات وبمسارب الشلل والفساد والفشل. وما الديمقراطية التوازنية التوافقية والمحاصصة الطائفية والقومية والسياسية إلّا نتاج طبيعي لهذا النظام السياسي المشوّه”.

وبحسب المالكي فإنّ النموذجين البديلين اللذين يقترحهما هما “الأكثر انسجاما مع الأنظمة الجمهورية ومع الواقع العراقي والكفيلين بالقضاء على أغلب أنماط المحاصصة السياسية والحزبية واجتثاث أغلب جذور الفساد والفشل والخلل والشلل وإلغاء آلية الديمقراطية التوافقية وتطبيق آلية ديمقراطية الأغلبية السياسية”.

كما سبق لقائد ميليشيا العصائب قيس الخزعلي أن أدلى بدلوه في النقاش بشأن التحوّل من النظام البرلماني إلى الرئاسي معتبرا “أن العراق لا ينفعه نظام برلماني كما هو حاصل الآن وإنما نظام رئاسي مركزي قوي”، ومهدّدا بفرض الأمر بالقوة عن طريق الحشد الشعبي المؤلف من ميليشيات شيعية.

ويرى عراقيون أن المراد من النظام الرئاسي المطلوب من قبل أحزاب وميليشيات شيعية هو عبارة عن تجميع للسلطات في يد رئيس شيعي، ما يعني الانتقال من عملية سياسية قائمة على المحاصصة بكل مساوئها إلى دكتاتورية مقامة على أسس طائفية.

3