قوى التغيير تستعد لتكوين كتلة برلمانية في مواجهة حزب الله وحلفائه

في انتظار انتهاء المشاورات التي تجرى بين النواب المنتخبين من قبل القوى التغييرية، من أجل وضع أسس للعمل المشترك في المرحلة المقبلة، يترقب اللبنانيون ما إذا كان هؤلاء النواب الجدد سيعكسون التحمّس للتغيير وترجمة هذا الأمر في تشكيل كتلة نيابية موحدة.
بيروت – يستعد النواب الثوريون (قوى التغيير) لتشكيل كتلة برلمانية في مواجهة حزب الله وحلفائه داخل المجلس النيابي الجديد الذي تنتظره تجاذبات سياسية حادة قد تعرقل الاستحقاقات الدستورية المرتقبة وأهمها انتخاب رئيس للبرلمان وانتخابات رئاسة الجمهورية.
واستطاعت حركة المعارضة المنبثقة من الاحتجاجات الشعبية أن تحصد 13 مقعدا (من أصل 128)، في أول برلمان منذ انطلاق “ثورة 17 تشرين 2019”.
وأسفرت الانتخابات عن إنهاء أغلبية حزب الله (حليف إيران) في البرلمان التي كان يشكلها مع حلفائه في السابق، فرغم احتفاظه هو وحركة أمل بكامل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية خسر حلفاؤهما مقاعد في عدة دوائر.
ووفق نتائج الانتخابات، التي أجريت الأحد في الداخل وقبلها في 58 بلدا، باتت موازين الكتل البرلمانية وتحالفاتها موزعة بين عدة قوى سياسية، بعدما كان حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما يستحوذون بالانتخابات الماضية (2018) على الأغلبية النيابية.
إبراهيم منيمنة: لن نسمي أحدا بأي موقع يعتبر من أركان السلطة
ويسعى النواب المنتخبون إلى ترجمة ثقة الناس بتشكيل كتلة نيابية تتفق على الدخول إلى المجلس كفريق عمل متجانس -رغم وجود تباينات سياسية بين المنتخبين بشأن بعض الملفات في لبنان- أي تشكيل كتلة قوى التغيير البرلمانية.
لكن الخوف يبقى متأتيا من كيفية تشكيل كتلة متوازنة، خصوصاً أن النواب الذين فازوا على لوائح التغيير هم أفراد أو مستقلون ولا ينتمون إلى جهات سياسية، بل إلى مجموعات نشأت بعد انتفاضة 17 تشرين.
ويسود الاعتقاد أنّ هؤلاء التغييريّين، أيًا كان موقفهم، سيشكّلون “دينامو” المجلس الجديد، وقد بدأت الأنظار تتوّجه إليهم منذ اليوم الأول، مع سعي العديد من القوى إلى اجتذابهم نحوها. ولذلك يبدو أنّ الامتحان لن يكون يسيرًا عليهم، خصوصًا في ضوء الرهان الشعبي على موقفهم.
ويؤكد بعض المحللين أن المرحلة تحتاج إلى نضج سياسي، وعدم الدخول في المشاكل المعروفة التي حصلت قبل تشكيل اللوائح لخوض الانتخابات النيابية. ويجب ترجمة ما ينتظره اللبنانيون الذين صوّتوا للتغيير، من خلال تشكيل كتلة تحمل هذا الشعار. وهذا يفترض عدم عكس الخلافات السابقة التي حصلت بين المجموعات في المرحلة المقبلة.
أما البعض الآخر فيعتبر أن المطلوب هو وضوح الرؤية السياسية، وليس تشكيل كتلة نيابية شكلية وبالقوة. بل يجب الاتفاق على الاستحقاقات المقبلة، بدءا من كيفية مقاربة انتخاب رئيس مجلس النواب، والاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة (والمشاركة فيها من عدمها)، ومرورا برئاسة الجمهورية والدخول في اللجان النيابية وهيئة المكتب، وغيرها من الأمور، ووصولاً إلى رؤية للخروج من الأزمة التي يعيشها لبنان.
ويعتقد شق آخر أن من الأجدى العمل على تكتل نيابي معارض له مهام سياسية محددة؛ تكتل معارض بمثابة قطب سياسي يضم جميع النواب والأحزاب المعارضة، في مواجهة القطبين السياسيين الآخرين، اللذين يمكن ردهما إلى اصطفاف 8 و14 آذار.
وقال النائب إبراهيم منيمنة إن النواب الممثلين للاحتجاجات سيقدمون في البداية “على تشكيل كتلة تغييرية برلمانية، ونتفق على برنامج تشريعي وسنبدأ بعدها بطرح مشاريع القوانين على المجلس”.
وضاح الصادق: مشروعنا التغييري لا يسمح بانتخاب بري لولاية جديدة
وأضاف أنهم سيتابعون “عن قرب عمل الحكومة وكل ما يحدث داخل مجلس النواب لمراقبة شبهات الفساد والتجاوزات من أجل (مبدأ) الشفافية (في التعامل) مع الناس”.
واعتبر منيمنة أن “مرحلة التغيير بدأت والمسؤولية كبيرة علينا وخاصة أن البلاد وصلت إلى مرحلة سيئة جدا ونحن منفتحون على العمل داخل المجلس لمصلحة الناس”.
وقال منيمنة إن النواب الممثلين للاحتجاجات لن يسموا رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري لولاية جديدة “كونه أحد أركان السلطة، ولن نسمي أحدا بأي موقع يعتبر من أركان السلطة”.
وأردف “أهم أهدافنا إلغاء الطائفية السياسية، ولكن مقاربة هذا الموضوع لا تكون بالقطيعة أو بمركز دون آخر، يجب أن تكون هناك استراتيجية عامة”.
ويقوم النظام السياسي اللبناني على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.
وكرّس اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، معادلة اقتسام السلطة والمناصب الرئيسية على أساس المحاصصات بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة.
وبدوره قال النائب وضاح الصادق “لن ننتخب الرئيس الحالي نبيه بري لأنه بالنسبة إلينا هو جزء من المنظومة التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة من الانهيار”.
واعتبر أن “الرئيس بري أدار مجلس النواب بطريقة شخصانية لمصلحة هذه السلطة ولم ينفذ الدستور ولا القوانين، وخاصة أن المجلس كان بدائيا في عمله”.
وشدد على عدم دعمهم بري، لأن مشروعهم “تغييري لا يسمح لهم بانتخابه لولاية جديدة”.
واستبعد النائب منيمنة المشاركة في الحكومة المقبلة قائلا إنهم “منذ البداية ضد فكرة حكومة وفاق وطني أو حكومة محاصصة”، لكن الصادق لا يستبعد دعم نواف سلام رئيسا للحكومة في صورة اقتراحه.
وفي السابق طرح اسم نواف سلام -الذي كان يشغل منصب مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة بين أعوام 2007 و2017- لتولي رئاسة الحكومة في 2019، ولكن حزب الله وحلفاءه عارضوا الأمر.
وعن تموضعهم داخل البرلمان قال منيمنة إنه من المفترض أن يتم التعاون بينهم “في الملفات التي تتقاطع مع رؤيتنا”.
ورأى أن “القوى الأخرى لها شرعيتها ومنتخبة من الناس، سنرى كيف يمكن أن نتلاقى معها بشأن بعض الملفات التي تخدم مصلحة الناس”.
النواب المنتخبون يسعون إلى ترجمة ثقة الناس بتشكيل كتلة نيابية تتفق على الدخول إلى المجلس كفريق عمل متجانس
وتابع “نعرف دورنا في هذه المرحلة، نحن أقلية معارضة ولن ندخل في متاهة المحاصصة التي تنتهجها السلطة”.
وذكر الصادق “نحن أصلا سنكون تكتل القوى التغييرية، عددنا حوالي 15 نائبا، سنشكل قلب مجلس النواب الجديد”.
ولفت إلى أنهم شكلوا في 2019 “قلب عملية التغيير في لبنان من خلال ثورة 17 تشرين، لأننا نملك البرنامج والمشروع”.
وأردف “هناك غير قوى التغيير، يوجد مستقلون (…) يمكن أن نشكل تحالفا أوسع معهم، ويمكننا الاتفاق مع حزب القوات اللبنانية على عدة مشاريع مثل سيادة لبنان ومحاربة الفساد”.
ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده بواقع 28 للسنة و28 للشيعة و8 للدروز و34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و5 للأرمن ومقعدين للعلويين ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
وإلى جانب الاستحقاقات الدستورية ينتظر البرلمان الجديد استحقاقات سياسية واقتصادية، أبرزها تشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد.