قوى إقليمية تسعى لإجهاض المفاوضات بين إسرائيل وسوريا

دمشق - أطاح مقذوفان أطلقا من سوريا باتجاه إسرائيل، بالهدنة غير المعلنة بين الطرفين، وسط اعتقاد جازم بوجود أطراف تسعى لفرملة المفاوضات الجارية بين دمشق وتل أبيب من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. وأكّدت السلطات السورية أنها لن تشكّل تهديدا لأي طرف في المنطقة، وذلك بعيد قصف إسرائيلي الثلاثاء على جنوب البلاد ردّا على إطلاق المقذوفين.
وأعلنت إسرائيل أنها قصفت جنوب سوريا الثلاثاء بعد إطلاق مقذوفين باتجاهها سقطا في مناطق غير مأهولة من دون أن يسفرا عن أضرار، في أول هجوم من هذا النوع من الجانب السوري منذ تولي الرئيس الانتقالي أحمد الشرع السلطة قبل ستة أشهر. وأكدت وزارة الخارجية السورية، وفق مكتبها الإعلامي، في تصريحات نقلها الإعلام الرسمي، أن “سوريا لم ولن تشكل تهديدا لأي طرف في المنطقة،" معتبرة أن هناك “أطرافا عديدة تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة.”
واعتبرت أن “التصعيد يمثّل انتهاكا صارخا للسيادة السورية، ويزيد من حالة التوتر في المنطقة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة والحلول السلمية.” وتشكّل العمليات الإسرائيلية المتواصلة على سوريا، منذ الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، إحدى أبرز التحديات التي يواجهها الشرع في إطار مساعيه لبسط سلطته وضبط الأمن على كامل الأراضي السورية.
وتبنّت مجموعتان، وفق بيانات تمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، القصف باتجاه إسرائيل. وبثّت إحداهما وتدعى “كتائب الشهيد محمّد الضيف” (القائد العسكري لحماس الذي قتلته إسرائيل في غزة)، مقطعا مصورا قالت إنه يظهر “لحظة سقوط الصواريخ على مواقع الاحتلال في الجولان المحتل.”
وقال الجيش الإسرائيلي إن المقذوفين تسبّبا بتفعيل صفارات الإنذار في حاسبين ورمات ماغشيميم الواقعتين في جنوب هضبة الجولان التي احتلت إسرائيل أجزاء منها في 1967 وأعلنت ضمها في 1981. وردّ الجيش بقصف مدفعي، قبل أن تقصف طائراته “أسلحة تابعة للنظام السوري في منطقة جنوب سوريا.” وطالت الغارات، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، “كلا من الفوج 175 في محيط مدينة إزرع، ومحيط تل المال شمالي درعا، وتل الشعار في محيط القنيطرة.”
◙ سوريا دعت المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في وقف الاعتداءات ودعم الجهود الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا والمنطقة
وأسفرت، بحسب الخارجية السورية، عن “خسائر بشرية ومادية جسيمة،” من دون أن تورد حصيلة أو تفاصيل. ودعت سوريا “المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في وقف هذه الاعتداءات، وإلى دعم الجهود الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا والمنطقة.”
في المقابل، حمّلت إسرائيل الشرع المسؤولية المباشرة عن التصعيد. واعتبر الجيش الإسرائيلي في بيانه أن “النظام السوري مسؤول عن الوضع الراهن في سوريا وسيستمر في تحمّل العواقب طالما استمرت الأنشطة العدائية في الانطلاق من أراضيه.” وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس، في بيان، “نعتبر رئيس سوريا مسؤولا بشكل مباشر عن أيّ تهديد أو قصف يستهدف دولة إسرائيل.”
ومنذ وصوله إلى السلطة، أكد الشرع مرارا أن سوريا لا ترغب بتصعيد مع جيرانها. ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف عملياتها، بعدما شنّت مئات الضربات الجوية على أهداف عسكرية في سوريا، وتوغّلت في أراض سورية داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله الدولة العبرية من الهضبة السورية.
وتتقدّم القوات الإسرائيلية بين الحين والآخر إلى مناطق في عمق الجنوب السوري. وقالت إسرائيل إن الغرض من هذه العمليات العسكرية هو الحؤول دون حصول السلطات السورية الجديدة على أسلحة متطورة.
ويرى المحلل السوري بسام السليمان أن “المستفيدين من التصعيد في جنوب سوريا هما إيران”، التي شكّلت مع مجموعات موالية لها أبرز داعمي الأسد، وإسرائيل التي لا تريد وجود سلطة قوية في دمشق لأنها ترغب أن “يكون المركز ضعيفا على حساب الأطراف، ولهذا تريد تحميل الشرع المسؤولية” عن التصعيد. ويقول سليمان من دمشق إن “القصف بشكل متكرر للبنية التحتية للجيش السوري، يعرقل نشوء قوة قادرة على ضبط كل سوريا،” متهما إسرائيل بـ”تحريك بعض المكونات ضد الدولة السورية.”
وخلال عهد الأسد، شكّل جنوب سوريا، حيث توجد فصائل معارضة احتفظ بعضها بسلاحه خلال سنوات النزاع، مسرحا لمجموعات صغيرة موالية لإيران وحزب الله اللبناني، تبنت مرارا إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل. وتوجد في جنوب البلاد حاليا فصائل معارضة في محافظة درعا أعلنت انضمامها مؤخرا إلى وزارة الدفاع، بينما تحتفظ فصائل درزية بسلاحها في محافظة السويداء المجاورة. وفي إطار مساعيها لاحتواء التصعيد مع إسرائيل، أقرّت دمشق بحصول “مفاوضات غير مباشرة” مع إسرائيل.