قول على قول

حين لا يملك العاشق الجواب على ما يعتريه من جنون بسبب الحب فإنه يعزو ذلك إلى قوة مطلقة.
السبت 2025/01/18
أم كلثوم اختزلت المعنى كله حين قالت "بقه يقلي وأنا أقلو/ وخلصنا الكلام كلو"

يقول أبوفراس الحمداني “أقول وقد ناحت بقربي حمامة/ أيا جارتا لو تعلمين بحالي،” وفي القصيدة نفسها يقول “أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا/ تعالي أقاسمك الهموم تعالي،” و”القول على القول” جملة تختصر أحاديث الناس في ما بينهم، ولطالما بدأ السؤال في المسابقات المعرفية بعبارة “مَن القائل”.

ولربما كانت أم كلثوم قد اختزلت المعنى كله حين قالت “بقه يقلي وأنا أقلو/ وخلصنا الكلام كلو،” غير أن العالم اللغوي العراقي مصطفى جواد الذي كان يتحدث في الأسواق مع العامة مثلما يفعل الرئيس التونسي قيس سعيد بالعربية الفصحى له موقف آخر عبّر عنه من خلال عنوان برنامجه التلفزيوني الشهير “قل ولا تقل”.

وفي الروايات غالبا ما يكون القائل مجهولا.

كان محمد عبدالوهاب حائرا بين عدة مصادر للقول “قلبي بيقولي كلام وأنت بتقولي كلام/ وعينيا شايفة كلام والناس بيقولو كلام/ احترت أصدق مين/ واحترت أكذب مين،” ذلك ما يعني أن الحقيقة تضيع بين الأقوال المتقابلة والمتجاورة. وهو ما دفع عبدالحليم حافظ إلى مطالبة الآخرين بقول الحقيقة “قولولو الحقيقة/ بحبو من أول دقيقة/ قولولو بحبو/ ومتوهني حبو/ في بحوره الغريقة/ أبو عيون جريئة”.

وكانت زرقاء اليمامة ترى ما لا يراه الآخرون، لذلك قيل فيها “إذا قالت حذام فصدقوها/ فإن القول ما قالت حذامُ”.

وحين لا يملك العاشق الجواب على ما يعتريه من جنون بسبب الحب فإنه يعزو ذلك إلى قوة مطلقة، وفي ذلك يقول ناظم الغزالي “قلي يا حلو منين الله جابك/خزن جرح قلبي من عذابك”.

عام 1966 غنت شادية من كلمات مجدي نجيب وألحان بليغ حمدي “قولو لعين الشمس ما تحماشي/ لحسن حبيب القلب صابح ماشي” في تلك الأغنية تتجلى العاطفة الوطنية المصرية في واحدة من أعظم صورها. ذلك لأن تلك الأغنية تستند إلى واقعة حدثت عام 1910. يومها قام الشاب إبراهيم الورداني باغتيال بطرس غالي رئيس الوزراء الذي صادق على إعدام ستة فلاحين اتهموا بقتل عدد من الجنود البريطانيين قاموا بقتل فلاحة مصرية أثناء صيدهم الحمام في قرية دنشواي، والأغنية تصف مشهد الورداني ذاهبا إلى منصة الإعدام.

وعلى الدرجة نفسها لكن في مكان آخر تقول أم كلثوم “أقولك إيه وإيه يوصف هوايا/ وأنا في قلبي كلام ما لوش نهاية/ دي أجمل كلمة في الدنيا حبيبي/ بقولهالك وبرضة مش كفاية”.

ولو قرأ مصطفى جواد مقالي هذا لانتفض ذعرا وكتب إلى رئيس التحرير رسالة يطالبه بحذف المقال وتحويل كاتبه إلى التحقيق لجنايته على اللغة العربية.

18