قوة ناعمة فرنسية في القرن الأفريقي للدفاع عن أمجاد تهددها الصين

المصالحة الإثيوبية الإريترية تؤسس لترتيبات جديدة أخرجت المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من أتون النزاعات والحروب إلى طريق التكامل التنموي والاقتصادي.
الخميس 2019/03/14
ذاك الأمس كان مجيدا

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي بدأ جولة أفريقية تمتد على 4 أيام اختتمها الأربعاء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى توظيف قوة بلاده الناعمة وقدراتها العسكرية لمقارعة النفوذ الصيني المتنامي في منطقة القرن الأفريقي الذي دخل مرحلة ترتيبات جديدة على وقع المصالحة الإثيوبية الإريترية التي ساهمت دولة الإمارات بمساعدة سعودية في إنجاحها.

أديس أبابا - وقعت إثيوبيا وفرنسا الثلاثاء أول اتفاق بينهما بشأن التعاون العسكري يشمل مساعدة الدولة الحبيسة في بناء سلاح للبحرية، بينما تسعى باريس لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع ثاني أكبر دول أفريقيا سكانا.

ويرنو الرئيس الفرنسي خلال زيارة تستغرق أربعة أيام لمنطقة القرن الأفريقي إلى الانفصال عن تاريخ فرنسا الاستعماري في القارة وإلى تعزيز العلاقات في منطقة تراجع الوجود الفرنسي فيها في السنوات القليلة الماضية.

ويريد ماكرون أن يستغل مزيجا من قوة باريس الناعمة في الثقافة والتعليم ومعرفتها في المجال العسكري للحصول على موطئ قدم في وقت تنفتح فيه إثيوبيا.

وقال ماكرون في مؤتمر صحافي إلى جانب رئيس الوزراء أبي أحمد “اتفاق التعاون الدفاعي الذي لم يسبق له مثيل يوفر الإطار ويفتح بشكل ملحوظ الطريق لفرنسا للمساعدة في تأسيس مكون بحري إثيوبي”. ويشمل الاتفاق أيضا التعاون الجوي والعمليات المشتركة وفرص التدريب وشراء العتاد. وحلت إثيوبيا سلاح البحرية فيها عام 1991 بعدما انفصلت إريتريا، التي كانت تابعة لها في ذلك الوقت والواقعة على البحر الأحمر، في أعقاب حرب استمرت ثلاثة عقود لنيل الاستقلال.

ويشرف آبي، الذي تولى رئاسة الوزراء في أبريل، على تغييرات سياسية واقتصادية كبيرة شملت العفو عن الجماعات المتمردة في المنفى والمصالحة مع العدو القديم إريتريا.

 وقال ماكرون “نحن هنا في دولة صديقة حيث نريد فتح صفحة جديدة في تاريخنا المشترك… نظرتنا لإثيوبيا تغيرت بشدة منذ أن أصبح أبي رئيسا للوزراء”.

باريس ترصد 100 مليون يورو لمساعدة إثيوبيا على التحول الاقتصادي كخطوة لفتح صفحة جديدة مع المستعمرة القديمة

ووقع ماكرون وأبي كذلك اتفاقات لتطوير إرث إثيوبيا الثقافي، بما في ذلك ترميم الكنائس وافتتاح مشروع للتنقيب في قرية أثرية تعود للقرن الثاني عشر، حيث ستقدم باريس 100 مليون يورو لمساعدة إثيوبيا على التحول الاقتصادي. ورافق ماكرون وفد من رجال الأعمال، بينهم الرئيس التنفيذي لمجموعة أورانج للاتصالات ستيفان ريشار الذي يسعى لإيجاد موقع لشركته قبيل خصخصة إثيوبيا لذلك القطاع.

ويعود تاريخ فرنسا في إثيوبيا إلى بداية القرن الماضي. ومنحها الإمبراطور منليك الثاني عام 1907 أكبر سفارة لها في العالم والتي تبلغ مساحتها نحو 106 فدادين.

وفي 1917 بنت فرنسا خط السكك الحديدية بين مستعمرتيها السابقتين جيبوتي وأديس أبابا، لكن نفوذها واتفاقاتها التجارية هذه الأيام لا تنافس نفوذ واتفاقات دول مثل الصين.

وتقيم فرنسا والصين واليابان والولايات المتحدة قواعد عسكرية لها في جيبوتي، البلد الصغير ذو الموقع الاستراتيجي والذي يمر قبالة سواحله خط النقل البحري الرئيسي المؤدي إلى قناة السويس. وتعليقا على الوجود الصيني في المنطقة قال ماكرون “لا أرغب في رؤية استثمارات دولية تضعف سيادة شركائنا، الشركات الفرنسية قادرة على اقتراح شراكة محترمة”.

وشكلت المصالحة الإريترية الإثيوبية، التي ساهمت دولة الإمارات في إنجاحها، ترتيبات جديدة في منطقة القرن الأفريقي، أخرجت المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من أتون النزاعات الحدودية والحروب الأهلية إلى طريق التكامل التنموي والاقتصادي، ما يؤشر على تجاوز دول المنطقة لمنطق الاصطفافات الإقليمية التي أضرت بها وبأمنها.

ويتجاوز لقاء السلام الذي احتضنته أسمرة عتبة إنهاء القطيعة بين البلدين الجارين ليدخل العمق الأفريقي وتتخذ تداعياته أبعادا إقليمية، بشقيها العربي والأفريقي، وأيضا عالمية في علاقة باستراتيجية منطقة القرن الأفريقي وتأثر التجارة الدولية كما السياسات بكل ما يطرأ فيها من تغيّرات.

وتخطو منطقة القرن الأفريقي نحو طي صفحات قاتمة لأزمتها سنوات طويلة وجعلتها عنوان التوترات السياسية والصراعات المسلحة، الأهلية والبينية، وتحولت أيضا إلى عنصر جذب للكثير من التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

5