قوة دفع إضافية للفساد بالعراق مع إقبال الميليشيات على جمع الأموال

ميليشيات تنخرط في أنشطة اقتصادية بالموصل وأحزاب مسلحة تدير معابر البصرة.
الثلاثاء 2019/04/02
استباحة المناطق بعد استعادتها

تمدّد الميليشيات الشيعية في المناطق العراقية وما أتاحتها لها مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش من سيطرة على الأرض ما تزال قائمة رغم نهاية تلك الحرب، أمران حيويان لتلك الفصائل وما خلفها من شخصيات وأحزاب لتثبيت سلطتها وتأمين دورها السياسي والعسكري، لكن جمع الأموال وتكديس الثروات أمر لا يقل حيوية لتغطية المصاريف الباهظة والمتطلبات الكثيرة لتلك الهياكل العسكرية والحزبية الكبيرة.

بغداد - تصرِفُ ميليشيات الحشد الشعبي التي حوّلتها مشاركتها الفاعلة في الحرب على تنظيم داعش في العراق إلى جيش مواز وأتاحت لها السيطرة على العديد من مناطق البلاد، اهتمامها بشكل متزايد نحو أنشطة “اقتصادية ومالية” هدفها جمع الأموال لتغطية مصاريفها المرتفعة وتلبية الاحتياجات المتزايدة للشخصيات التي تقودها والأحزاب التي تمتلكها.

وسلّطت حادثة غرق عبّارة في مياه نهر دجلة بمدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق مخلّفة العشرات من الضحايا، الضوء على انتشار ظاهرة “اللجان” و“المكاتب” الاقتصادية التابعة لميليشيات الحشد المشاركة في ضبط الأمن بالمدينة منذ استعادتها من تنظيم داعش صيف سنة 2017.

وتشرف تلك المكاتب على مروحة واسعة جدا من الأنشطة ذات الصلة بالتجارة وعقد الصفقات وإجراء المزادات وشراء العقارات.

وتفتح الموصل إمكانيات وفرصا اقتصادية استثنائية خلال مرحلة إعادة إعمارها وترميم مختلف بناها من الدمار الهائل الذي أصابها جرّاء الحرب الشرسة التي شهدتها ضدّ تنظيم داعش.

لكنّ المشكلة الأكبر بحسب مصادر متعدّدة من داخل مدينة الموصل أنّ تلك الأنشطة تجري دون ضوابط وتمارس فيها السلطة، وصولا إلى الضغط والابتزاز باستخدام قوّة السلاح.

وبحسب المصادر ذاتها ينخرط أشخاص على صلة بالحشد الشعبي في نقل ملكيات عقارات غادر أصحابها فرارا من الحرب أو قُتل مالكوها، وفي الاستيلاء على متاجر وورشات صغرى أقفلت بسبب الحرب وإعادة تشغيلها باستغلال السمعة التي كانت لأصحابها الأصليين، إضافة إلى الإشراف على تجارة الخردة الرائجة جدّا في الموصل بسبب الدمار الكبير الذي طال المدينة ونتجت عنه الآلاف من أطنان المعادن والأسلاك والآليات المعطّبة من أجهزة منزلية وسيارات وغيرها.

رامي السكيني: المنافذ الحدودية تسيطر عليها أحزاب متنفذة تمتلك ميليشيات
رامي السكيني: المنافذ الحدودية تسيطر عليها أحزاب متنفذة تمتلك ميليشيات

ويقول تجار وأصحاب رؤوس أموال في الموصل إنّهم تعرّضوا لضغوط كبيرة لدفع أتاوات لقادة بالحشد الشعبي، بل إنّ البعض عُرضت عليه الشراكة في مشروعه مع بعض هؤلاء القادة، ليس بالمساهمة في رأسمال المشروع بل بمجرّد توفير الحماية له أمنيا وأيضا منع مسؤولين وقادة آخرين من ابتزازه.

ووفق سكان من الموصل فإنّ “أقذر الصفقات” تعقد مع عناصر معروفين بانتمائهم أو بصلاتهم مع تنظيم داعش، ويتمّ من خلالها إطلاق سراح مساجين من التنظيم مقابل مبالغ مالية كبيرة يتمّ دفعها.

وتحدّث أحد السكان عن صفقة أبرمها قيادي بارز في الحشد وأطلق بموجبها سراح أحد كبار المسؤولين في ما يعرف بـ”ديوان الحسبة” التابع لداعش أثناء سيطرته على الموصل. وفي مقابل ذلك دلّ المسؤول بالتنظيم القيادي في الحشد على مخبأ يحوي كمّا هائلا من الأموال والحلي والتحف الثمينة كان عناصر التنظيم قد نهبوها من منازل عائلات ثرية في الموصل.

ولم تنفصل حادثة العبّارة عن ظاهرة انخراط الحشد الشعبي في الأنشطة الاقتصادية والمالية بالموصل، حيث اتهمت إخلاص الدليمي عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي بالتورط في الحادث كونها شريك بنسبة ثلاثين بالمئة مع مالك العبّارة “بموجب عقد رسمي”.

واعتبرت الدليمي متحدثة لشبكة رووداو الإعلامية أنّ “غرق العبّارة لم يكن سببه الفساد الإداري بل كان فسادا أمنيا”، مضيفة أنّ العصائب “متورطة أيضا في الكثير من الأمور الأخرى، حيث استولت على العديد من الأراضي والعقارات في نينوى”.

ولا تقتصر الأنشطة “الاقتصادية” للميليشيات في العراق على مناطق السنّة بشمال البلاد بل تمتدّ إلى الجنوب حيث معاقل الأحزاب الشيعية ذات الصلة بتلك الميليشيات.

وكشف نائب عن محافظة البصرة أنّ أغلب المنافذ الحدودية تسيطر عليها أحزاب لديها ميليشيات مسلّحة. ونقل موقع السومرية الإخباري، الاثنين، عن رامي السكيني النائب بالبرلمان العراقي عن تحالف سائرون المدعوم من رجل الدين مقتدى الصدر، قوله إنّ “المنافذ الحدودية لا تسيطر عليها أحزاب اعتيادية فقط بل هي أحزاب متنفذة وتمتلك ميليشيات وقوة سلاح خارج سلطة الدولة في البصرة وخارجها”، مضيفا أن “هيمنة الأحزاب لا تقتصر على منافذ البصرة فقط بل تمتد إلى منافذ بمحافظات أخرى”.

وبينما ترتفع الأصوات في العراق مطالبة بحلّ ميليشيات الحشد الشعبي وضبط سلاحها نظرا لدورها السلبي سياسيا وأمنيا واقتصاديا، تتشبّث الأحزاب بالميليشيات التي تملكها نظرا لكونها مصدر سلطة بل سبب حياة لها.

وخلال الأيام الماضية دخل زعيم ائتلاف الوطنية رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، في سجال مع قادة الحشد حين اعتبر أنّ الحاجة إليه انتفت مطالبا بدمج “المقاتلين الجيدين” من عناصره في القوات الأمنية.

وردّ معين الكاظمي القيادي في الحشد على علاّوي بحدّة واصفا ما قاله بأنه أسطوانة مستهلكة “وهي رصيد المفلسين”.

ويعكس كلام السياسي العراقي المخضرم إياد علاوي حالة من القلق العام لدى طيف واسع من الطبقة السياسية العراقية من دور الميليشيات في العراق المعرقل لجهود استعادة الدولة العراقية لسلطاتها وترميم هيبتها، وحتى لإحداث إصلاحات في هياكلها بهدف الحدّ من ظاهرة الفساد المتغوّلة داخلها.

وبالنسبة لدعاة الإصلاح في العراق فإنّ انخراط الحشد الشعبي في العمل السياسي عبر دخوله الانتخابات الماضية عن طريق تحالف الفتح، وضع عقبة جديدة في طريق أي إصلاح محتمل للعملية السياسية، أمّا انخراط ميليشياته المتزايد في النشاط المالي والاقتصادي فمعناه إكساب الفساد المتغوّل أصلا في العراق “أنيابا ومخالب إضافية”، بحسب تعبير أحد المنتقدين للأوضاع في البلد.

3