قوة المنافسة تضعف أداء الأنشطة غير النفطية في الكويت

تراهن الحكومة الكويتية على الأنشطة غير النفطية مثلما هو الحال مع جيرانها في الخليج العربي كأحد محاور تنويع الاقتصاد، لكن يبدو أنه يتأثر بالعديد من التحديات التي قد تبعده عن تحقيق الأهداف المرجوة هذا العام وفي السنوات التالية من عمر رؤية 2035.
الكويت - شهد القطاع الخاص غير النفطي في الكويت أداء قويا بنهاية النصف الأول من 2024، لكنه انكمش خلال أغسطس للمرة الأولى منذ أكثر من عام ونصف العام وسط منافسة قوية تعود إلى محاولة الشركات التوازن في سوق مضغوط بتضخم التكاليف.
ووفق مؤشر مديري المشتريات الصادر الثلاثاء عن ستنادرد آند بورز غلوبال، فقد انخفض المؤشر إلى ما دون مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين الانكماش والنمو، من 51.5 نقطة في يوليو إلى 49.7 نقطة في الشهر الماضي.
ودفعت الضغوط التنافسية الشركات إلى زيادة أسعار إنتاجها بوتيرة أقل حدة، وذلك مع تراجع التضخم الإجمالي في تكاليف مستلزمات الإنتاج أيضاً منذ يوليو الماضي.
وارتفعت الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين في البلد بنسبة 3 في المئة خلال شهر يوليو الماضي على أساس سنوي. ولم تعلن الإدارة المركزية الكويتية للإحصاء حتى الآن أرقام شهر أغسطس.
كما دفع تباطؤ نمو الطلبات الجديدة بعض الشركات إلى تقليص أعداد القوى العاملة، الذي يشكل المواطنون فيهم نسبة قليلة، وفق تقرير المؤشر.
وانخفض التوظيف للمرة الأولى في أربعة أشهر، بعد أن ظل ثابتا في يوليو، ما أدى إلى استمرار زيادة الأعمال المتراكمة، رغم أن وتيرتها تباطأت وكانت هامشية فقط.
وتعول الكويت، العضو في منظمة أوبك، على القطاع الخاص لزيادة توظيف المواطنين، ضمن أجندة 2035 للإصلاح الاقتصادي، والتي تعثرت مرارا بسبب الخلافات السياسية.
ولكن انضمام الكويتيين للقطاع يصطدم بعراقيل من بينها أنه لا يبدو مغريا للمواطنين المعتادين على الرفاه والمزايا الحكومية السخية والراغبين دائما في الالتحاق بقطاع عام مدر للأموال مقابل مهمات سهلة لا تكاد تتطلب أي جهد يذكر.
ورفعت السلطات في سنوات سابقة سقف الطموح في عملية "التكويت" عاليا، وأعلنت مطلع 2022 عزمها إتمام توطين الوظائف الحكومية بنسبة مئة في المئة في أحد عشر تخصصا وظيفيا قبل نهاية تلك السنة.
لكن شيئا من ذلك لم يتحقق إلى حدّ الآن حيث ما يزال عدد الوافدين المشتغلين في القطاع العام في تزايد، وكذلك الشأن بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص.
وأظهرت إحصائية حديثة صادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية زيادة العمالة الوافدة في القطاع الحكومي ليبلغ منتصف العام الجاري أكثر من 112 ألف موظف ارتفاعا من 111.1 ألفا نهاية العام الماضي.
وفي القطاع الخاص كانت نتائج التكويت أكثر ضحالة حيث تراجعت، بحسب الإحصائية نفسها أعداد المواطنين في الفترة بين يناير ويونيو الماضيين ليبلغ 72.7 ألف مواطن.
وطوال العقد الماضي شجعت الحكومة، التي تنفق أكثر من نصف ميزانيتها السنوية على الرواتب، مواطنيها على إقامة مشاريعهم الخاصة في محاولة منها لبناء قطاع خاص قوي بالبلاد.
وكان الهدف تخفيف العبء عن الميزانية، وتقليل الاعتماد على العمال الوافدين، وكذلك المساعدة على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط الذي يوفر 90 في المئة من الإيرادات، ولكنه يبقى غير مستقر في عالم متقلب.
وسبق أن أكد وزير المالية أنور المضف الذي يشغل أيضا منصب وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار أن ثمة توجيهات من أمير الكويت مشعل الأحمد الصباح في شأن ضرورة فتح آفاق جديدة للاستثمار في البلاد، مشددا على أهمية دعم القطاع الخاص.
وبالعودة إلى أداء القطاع في الشهر الماضي، فقد أدى تقديم خصومات من قبل بعض الشركات لتأمين أعمال جديدة إلى ارتفاع طفيف في أسعار الإنتاج خلال أغسطس، وبأضعف وتيرة هذا العام حتى الآن. ومع ذلك، ظلت الأسعار ترتفع وسط زيادة تكاليف الإنتاج.
وارتفعت أسعار المشتريات بشكل حاد، وسط تقارير تفيد بارتفاع تكاليف مجموع العناصر منها الدعاية، وتكييف الهواء، ومعدات الكمبيوتر والطباعة، والصيانة والنقل.
وقال أندرو هاركر، مدير الاقتصاد في ستنادرد آند بورز غلوبال ماركت أنتلجينس، “أثرت المنافسة الشديدة في القطاع الخاص غير المنتج للنفط في الكويت على النمو في أغسطس، حيث ارتفعت الطلبات الجديدة ونشاط الأعمال بشكل طفيف فقط خلال الشهر".
◙ 2 في المئة نمو القطاع في 2024 قياسا بنحو 3.6 في المئة بباقي دول الخليج، وفق صندوق النقد
وأوضح أنه رغم أن هذه البيانات قد تكون مجرد نقطة عابرة وليست بداية لتباطؤ أطول أمداً، فإنها تسلط الضوء على التحديات التي تواجه الشركات. وأضاف "انخفض معدل التضخم الإجمالي للتكاليف في أغسطس، مما أتاح بعض المجال للشركات لتقديم تخفيضات".
لكنه أشار إلى أن أسعار مستلزمات الإنتاج ظلت مرتفعة بشكل حاد، وبالتالي ستسعى الشركات إلى توفير المزيد من المال في الأشهر المقبلة إذا كانت تريد الفوز في سباق الفوز بأعمال جديدة.
وبلغ متوسط النمو الحقيقي بعد احتساب التضخم للأنشطة غير النفطية في الكويت بين عامي 2000 وحتى 2022 حوالي 4.3 في المئة سنويا، مقابل 5.3 في المئة بباقي دول الخليج العربي، وفق صندوق النقد الدولي.
وبالنسبة لعامي 2024 و2025، يتوقع الصندوق نمو القطاع غير النفطي الكويتي اثنين في المئة و2.5 في المئة على التوالي، مقابل 3.6 في المئة و4.5 في المئة لدول الخليج.
ومطلع 2024، رجحت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية أن يستمر النمو الصفر للاستثمار الحقيقي في الكويت للعام الثاني تواليا، وهو ما يعزى إلى الضبابية التي لا تزال تهيمن على آفاق الاصلاحات وكل ما يرتبط بها من تنمية اقتصادية.
وتوقعت الوكالة في فبراير الماضي، أن تنخفض الاستثمارات إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 26.1 في المئة 2023 إلى 25.8 في المئة هذا العام.
والمقصود بالاستثمار الحقيقي هو الأموال التي يتم استثمارها في الأصول الملموسة والمنتجة مثل الآلات والمصانع مما يزيد من الناتج المحلي الإجمالي، على عكس الاستثمار في الأوراق المالية أو الأدوات المالية الأخرى.