قوة الدينار المفاجئة تنشر الأوهام حول حقيقة الاقتصاد التونسي

ارتفاع قيمة الدينار التونسي لا يعكس النمو في المؤشرات الأساسية.
الخميس 2020/05/28
تماسك مؤقت للدينار

اعتبر خبراء أن الارتفاع المثير للجدل في قيمة الدينار التونسي أمام اليورو والدولار في فترة الإغلاق بسبب المخاوف من تفشي فايروس كورونا المستجد يدحض التفاؤل بتعاف سريع للاقتصاد الهش، ومن شأنه أن يعطي صورة “وردية” غير واقعية في ظل الارتباك في إدارة الأزمات المزمنة.

 تونس - يشكّك اقتصاديون في قدرة الدينار التونسي على البقاء في مستواه المرتفع، الذي حققه وباء كورونا خلال أشهر أمام العملات الأجنبية الرئيسية، في ظل ما تفرضه الظروف القاهرة على اقتصاد يبحث عن محفزات تبعده عن مربع الأزمة.

ويبدي كثيرون مخاوف من عدم استدامة أسعار صرف العملة المحلية في مستوياتها الراهنة خلال الفترة المقبلة، نظرا إلى ارتباطها بعدة عوامل متداخلة توهم بأن الاقتصاد ينمو.

ومنذ إعلان الحكومة في نهاية مارس الماضي عن تدابير احترازية بسبب الوباء، دفعت إلى تراجع في قيمة الصادرات وتوقف صناعة السياحة الوافدة، ظهر صمود نادر لسعر صرف الدينار أمام اليورو والدولار.

وشهد الدينار خلال الفترة الماضية ارتفاعا بقيمته في السوقين الرسمية والسوداء بنحو 2.2 في المئة أمام اليورو، ونحو 3.4 في المئة أمام الدولار، وقد تباينت أراء معظم المحللين حول أسبابه.

ووفق بيانات البنك المركزي التونسي، بلغ سعر صرف اليورو الأربعاء حوالي 3.13 دينار، بينما بلغ سعر صرف الدولار نحو 2.85 دينار.

وحملت بعثة صندوق النقد الدولي لتونس في يوليو الماضي في طياتها تحذيرات متشائمة من مخاطر محتملة قد تعيق تعافي الاقتصاد، بسبب ارتفاع أسعار صرف الدينار.

وتعتبر عائدات الصادرات والسياحة من أبرز قنوات النقد الأجنبي للبلاد، حيث عانت خلال العامين الماضيين تذبذب وفرته ما أثر سلبا على أسعار الصرف.

ويرى الخبير الاقتصادي محسن حسن أن هناك سببين مهمين جعلا الدينار يحصل على شبه استقرار في قيمته خلال الأشهر القليلة الماضية.

ونسبت وكالة الأناضول لوزير التجارة الأسبق قوله إن “السبب الأول يتمثل في توفر رصيد من العملة الصعبة والمتأتي أساسا من القطاع السياحي، ودخول بعض الموارد من قروض وهبات”.

وأشار إلى أن السبب الثاني، فيتعلق بالاضطراب الذي تشهده سوق الصرف العالمية، وتراجع قمية العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأميركي.

اجراءات الغلق الشامل عمقت أزمة الاقتصاد التونسي
اجراءات الغلق الشامل عمقت أزمة الاقتصاد التونسي

وهناك تخوف من تراجع سعر صرف الدينار بعد انتهاء أزمة كورونا، لأن مشاكل الاقتصاد التونسي هيكلية، وهي ليست مرتبطة فقط بالوباء، خاصة إذا لم يتم التسريع في وتيرة الإصلاحات.

وأكد حسن أن القطاعات التصديرية لم ترجع عجلتها إلى الدوران بالشكل المطلوب بما في ذلك السياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي لا يتوقع أن تعود في ما تبقى من العام الجاري.

وربما هناك عامل آخر وراء استقرار سعر الصرف، وهو تراجع العجز التجاري نتيجة تراجع قيمة الواردات بشكل أكبر من تراجع الصادرات خلال نفس الفترة.

ويعتبر الاستشاري في الاستثمار محمد الصادق جبنون أن المركزي تمكن من تثبيت سعر الصرف، ومع احتياطي العملة لن يكون هناك انحدار كبير لمستوى سعر قيمة الدينار، مؤكدا أن “الوضع سيبقى مستقرا في هذه المستويات”.

وحسب أرقام المركزي، بلغ احتياطي النقد الأجنبي 21.7 مليار دينار (7.5 مليارات دولار) حتى نهاية الأسبوع الماضي بعد أن كان عند مستوى 4.7 مليار دولار قبل عام.

ويرى جبنون أن مستوى تراجع الصادرات، ورغم تجاوزه 10 في المئة، إلا أنه “يبقى نسبيا ولم يكن كارثيا مثلما كان متوقعا”.

وأوضح أن هناك إمكانية لإعادة الانتشار بالنسبة إلى الصادرات وأيضا بالنسبة إلى نوعيتها، لذلك “علينا فتح الباب أمام الصادرات الزراعية لدول الجوار مثل الجزائر والمغرب، وللقارة الأفريقية”.

وقال “المطلوب اليوم تمويل المؤسسات المصدرة، وبالتالي خفض نسبة الفائدة لدى البنك المركزي، ودعم هياكل التصدير إلى الخارج، وخاصة مراكز النهوض بالصادرات”.

وأضاف “لا بد من تيسير شروط التصدير ورفع كل الضرائب عن الصادرات المباشرة أو غير المباشرة إلى غاية منتصف 2021 ليعود الإنتاج بأقصى قوة”.

وتظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء أن الصادرات شهدت تراجعا حادا في أبريل الماضي بنسبة 48.9 في المئة بمقارنة سنوية، وهو نفس الأمر بالنسبة للواردات التي تقهقرت بحوالي 46.8 في المئة قياسا بما كانت عليه قبل عام.

وفي محصلة الثلث الأول من العام الجاري، انحسرت الصادرات بواقع 20.6 في المئة، بمقارنة سنوية، في حين تراجعت الواردات بنحو 21.5 في المئة على أساس سنوي.

ويلفت المختصون إلى أن السياحة مرتبطة بتطورات أوضاع الفايروس، وأنها ستتغير جذريا عما كانت عليه من قبل، فيما شددوا على أن السياحة بالكثافة المعتادة قد انتهت، وستكون مستقبلا سياحة نخبوية مرتبطة بتوفير وسائل الوقاية من الوباء.

ويقول جبنون إن على السياحة التونسية مواكبة المعايير الدولية الجديدة، ولهذا يجب أن توفر الدولة نحو 2 مليار دينار (700 مليون دولار) لإعادة هيكلة القطاع، وتقليل الوحدات الفندقية مقابل رفع مستوى الخدمات المقدمة.

في المقابل، يعتقد حسن، أنه لا يمكن التعويل على عودة القطاع، إلا بالنسبة إلى السياحة الداخلية أو المغاربية إذا تحسن الوضع الصحي، في حين أن الأسواق التقليدية لن تعود قبل العام المقبل.

تونس تجاوزت مرحلة الخطر
هل تجاوزت تونس مرحلة الخطر

10