قوة الدولار تتغذى من ضبابية السياسة النقدية العالمية

الدولار يتقدم مع تزايد اقتناع المشاركين في السوق بأن المركزي الأميركي سيحتاج إلى ترك الفائدة عند المستويات الحالية لفترة أطول لتجنب احتمال عودة التضخم.
الأربعاء 2024/04/17
ارتفاع متصاعد

واشنطن - يتسارع ارتفاع الدولار الأميركي حيث يثير التضخم العنيد الشكوك حول مدى قوة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في خفض أسعار الفائدة هذا العام مقارنة بالبنوك المركزية الأخرى.

وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس العملة الأميركية مقابل سلة من 6 عملات رئيسية، بنسبة 4.6 في المئة هذا العام ويقف بالقرب من أعلى مستوياته منذ نوفمبر الماضي. وارتفع المؤشر 1.7 في المئة الأسبوع الماضي، وهو أكبر مكسب أسبوعي له منذ سبتمبر 2022.

ويتقدم الدولار مع تزايد اقتناع المشاركين في السوق بأن المركزي الأميركي سيحتاج إلى ترك الفائدة عند المستويات الحالية لفترة أطول لتجنب احتمال عودة التضخم.

وعززت بيانات التضخم التي جاءت أقوى من المتوقع الأسبوع الماضي هذا الرأي، كما أظهرت أسواق العقود الآجلة أن المستثمرين رجحوا الجمعة الماضي خفضا للفائدة بنحو 50 نقطة أساس فقط في 2024، مقارنة بنحو 150 نقطة أساس تم تسعيرها في بداية العام.

وعلى النقيض من ذلك، يعتقد المستثمرون أن بعض البنوك المركزية العالمية، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا والبنك المركزي السويدي، يمكن أن تتمتع بحرية أكبر لتخفيف السياسة النقدية.

4.6

في المئة نسبة ارتفاع مؤشر العملة الأميركية منذ بداية 2024 وهو يقف بالقرب من أعلى مستوياته منذ نوفمبر الماضي

وهذا تحول عما كان عليه الحال قبل بضعة أشهر، عندما كان الكثيرون يعتقدون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون من بين أول من يخفض أسعار الفائدة.

وقال إريك ليفي كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بيلارد لإدارة الثروات والاستثمارات “كان لدينا مسار واضح إلى حد ما بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون على الأرجح هو الممثل الأول. والبيانات التي تلقيناها تقوض ذلك بالفعل”.

وأضاف لوكالة رويترز “أستطيع أن أرى أسبابا واضحة لماذا يمكن أن يرتفع الدولار أكثر”.

واتسعت فروق العائد بين الولايات المتحدة والاقتصادات الأخرى في الأسابيع الأخيرة، ما ساهم في ارتفاع العملة الأميركية، حيث عزز ارتفاع العائدات جاذبية الأصول المقومة بالدولار.

وأظهرت بيانات شركة أل.أس.إي.جي أن انتشار السندات الأميركية لأجل عامين بلغ أوسع مستوياته منذ عام 2022 في وقت متأخر من الجمعة الماضي، بعد يوم من إشارة البنك المركزي الأوروبي إلى أنه قد يخفض الفائدة في أقرب وقت من يونيو المقبل.

وزاد المستثمرون المتفائلون من رهاناتهم على العملة الأميركية، في حين تردد البعض الآخر. وأظهرت بيانات من لجنة تداول العقود الآجلة للسلع أن صافي الرهانات على الدولار بلغ 17.74 مليار دولار في الأسبوع الأخير، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2022.

إيريك ليفي: البيانات التي تلقيناها تقوض إمكانية بدء خفض الفائدة
إيريك ليفي: البيانات التي تلقيناها تقوض إمكانية بدء خفض الفائدة

وتباينت سياسة البنوك المركزية خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يعكس النضالات المتفاوتة التي تواجهها الاقتصادات لاحتواء التضخم.

وقام المركزي السويسري بتخفيض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مارس الماضي، وهو أول خفض له منذ تسع سنوات.

وأشار المركزي السويدي إلى أنه قد يخفض الفائدة في مايو المقبل إذا استمر التضخم في الانخفاض، في حين أشار بنك كندا المركزي مؤخرًا إلى أنه مستعد لتيسير السياسة النقدية.

من ناحية أخرى، تبدو البنوك المركزية في أستراليا وبريطانيا والنرويج أقل رغبة في تخفيف السياسة النقدية.

وفي الوقت نفسه، انخفض الين الياباني إلى أدنى مستوى له منذ 34 عاما مقابل الدولار رغم أن البلاد أنهت مؤخراً ثماني سنوات من أسعار الفائدة السلبية. واستبعد بنك اليابان المركزي استخدام رفع أسعار الفائدة لدعم العملة.

ويعتقد إريك ميرليس العضو المنتدب والرئيس المشارك للأسواق العالمية في سيتيزنز أن الدولار يمكن أن يستمر في الارتفاع على نطاق واسع على خلفية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشددا بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي.

وتظهر المؤشرات أن قيمة اليورو انخفضت بنسبة 3.6 في المئة مقابل العملة الأميركية منذ بداية العام الحالي وحتى الآن.

وقال ميرليس إن “الدولار لديه مجال للارتفاع. لدينا أقوى اقتصاد في الوقت الحالي، بشكل عام، مسار العوائد آخذ في الارتفاع”. في حين أن أوروبا تكافح من حيث النمو”.

ومن الممكن أن يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى تعقيد معركة التضخم في الاقتصادات الأخرى لأنه يدفع عملاتها إلى الانخفاض، في حين يساعد الولايات المتحدة على خفض أسعار المستهلكين من خلال تشديد الظروف المالية.

الين الياباني انخفض إلى أدنى مستوى له منذ 34 عاما مقابل الدولار رغم أن البلاد أنهت مؤخراً ثماني سنوات من أسعار الفائدة السلبية

ويمكن أن تكون قوة الدولار أيضا بمثابة رياح معاكسة للشركات الأميركية متعددة الجنسيات، لأنها تجعل تحويل أرباحها الأجنبية إلى دولارات أكثر كلفة، وتجعل منتجات المصدرين أقل قدرة على المنافسة في الخارج.

وقد تكون ثمة عوامل أخرى تدفع الدولار أيضا إلى الصعود، إذ تعد العملة الأميركية وجهة شهيرة للمستثمرين خلال أوقات عدم اليقين الجيوسياسي، والتي زادت حدتها في الأيام الأخيرة بسبب المخاوف من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط.

ويعتقد بريان ليبوفيتش كبير المتعاملين في سوق العملات الأجنبية العالمية في نورثرن ترست أن الدولار قد يتلقى دفعة من بنك الاحتياطي الفيدرالي مما يسمح للأصول بالخروج من ميزانيته العمومية، وهي عملية تعرف باسم “التشديد الكمي”.

ويسمح الاحتياطي الفيدرالي حاليا بما يصل إلى 60 مليار دولار شهريا في سندات الخزانة وما يصل إلى 35 مليار دولار شهريا في سندات الرهن العقاري حتى تنضج ولا يتم استبدالها.

وبينما توقعت نورثرن ترست أن يرتفع الدولار بما يصل إلى 5 في المئة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن “نشاط السوق منذ الارتفاع الأولي للدولار هذا الأسبوع يشير إلى أن هذه الخطوة قد تحدث في وقت أقرب من المتوقع”، حسبما قال ليبوفيتش.

والبعض الآخر أقل يقينا من أن قيمة العملة الأميركية لديها مجال أكبر للارتفاع. وكتب شون أوزبورن المحلل في بنك سكوتيا، أن قوة الدولار الأخيرة تعني أن المستثمرين قد وضعوا في الاعتبار قدرا كبيرا من الأخبار الصعودية.

وأضاف أن الفائدة وفروق الأسعار في صالح الدولار، مما يعني أن “الاتجاه في الوقت الحالي يشير إلى أن العملة الأميركية ستظل مدعومة بشكل أفضل”.

11