قوة الاقتصاد الأميركي تبدد رهانات الأسواق على الدولار

المستثمرون في ترقب قد يطول لتخفيف القيود النقدية المشددة.
الأربعاء 2024/03/06
لا شيء يحطم العملة الخضراء

أعطى الاقتصاد الأميركي، الذي جاء أقوى من المتوقع، دعما كبيرا للدولار، الأمر الذي نشر حالة من الإحباط بين المستثمرين، الذين راهنوا كثيرا على أن العملة ستذبل تحت وابل من تخفيضات الفائدة والتي لم تتحقق بعد وبددت رهانات الأسواق على الانتعاش.

نيويورك- ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية، بنسبة 2.4 في المئة منذ بداية العام الجاري، مما أثار حفيظة المستثمرين والأسواق بأن الوضع سيزداد صعوبة في الفترة المقبلة.

وأظهرت بيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع أن صافي الرهانات على الدولار في أسواق العقود الآجلة تأرجحت بشكل إيجابي الشهر الماضي للمرة الأولى منذ أواخر نوفمبر 2023.

وتبدو القوة الدافعة وراء القوة العنيدة للدولار هي انتعاش الاقتصاد الأميركي، الذي جعل بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) مترددا في تخفيف السياسة النقدية بسرعة كبيرة والمخاطرة بحدوث انتعاش تضخمي.

ونما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، والتي تملك أكبر اقتصاد في العالم، بمعدل سنوي 3.2 في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي. وعلى النقيض من ذلك، اقتصاد منطقة اليورو ظل راكدا.

ومنذ إنهاء قيود الإغلاق بسبب كورونا، تواجه الصين أزمة عقارية متفاقمة انعكست على النشاط الاقتصادي الكلي ويحاول المسؤولون بشق الأنفس جعله ينمو، في حين انزلقت اليابان بشكل غير متوقع إلى الركود في نهاية عام 2023.

بول ميلكزارسكي: الانتعاش الأخير لقيمة الدولار هو مجرد ارتفاع تكتيكي
بول ميلكزارسكي: الانتعاش الأخير لقيمة الدولار هو مجرد ارتفاع تكتيكي

وقال تييري ويزمان، إستراتيجي العملات الأجنبية وأسعار الفائدة العالمية في ماكواري، لرويترز إنه في حين ظل الاقتصاد الأميركي مرنا، “لا يوجد دليل مهم على أن أوروبا والصين تتحسنان”.

وأضاف ويزمان، الذي أصبح أكثر حيادية بشأن الدولار بعد توقعاته الهبوطية العام الماضي، “هذا هو السبب وراء تغير رأي الناس” بشأن الدولار.

وسيتم اختبار قوة الدولار خلال هذا الأسبوع، حيث يراقب المستثمرون ما سيدلي به رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على مدار يومين بداية من الأربعاء وانتظار بيانات التوظيف الأميركية في نهاية الأسبوع.

ويسود انطباع بين المحللين والمستثمرين بأن الدلائل التي تشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ملتزم برسالته الارتفاع لفترة أطول بشأن تخفيضات أسعار الفائدة أو أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قويا، قد تدعم ارتفاع الدولار.

وأظهرت العقود الآجلة المرتبطة بمعدل سياسة المركزي الأميركي أن المستثمرين يقومون بتسعير حوالي 85 نقطة أساس لتخفيضات أسعار الفائدة لعام 2024، مقارنة بأكثر من 150 نقطة أساس كانوا قد أخذوها في الاعتبار في أوائل يناير الماضي.

ومن بين المضاربين على ارتفاع الدولار أوغو لانسيوني، رئيس قسم العملة في مجموعة نيوبيرغر بيرمان الذي يراهن على استمرار الدولار في الارتفاع بفضل الأداء المتفوق للولايات المتحدة على الرغم من أنه يعتقد أنه أصبح مكلفا مقارنة بالعملات الأخرى.

وقال لانسويني في حديثه مع رويترز إن “دعوتنا الآن هي مجرد نوع من الدعوة للنمو النسبي”. ولا يختلف العارفون بخفايا تحرك الأسواق بأن تحديد المسار الصحيح للدولار يشكل أمرا مهما بالنسبة إلى المستثمرين، وذلك نظرا للدور المركزي الذي تلعبه العملة في التمويل العالمي.

وقد يؤثر ارتفاع قيمة العملة الأميركية على التوقعات المستقبلية للشركات الأميركية متعددة الجنسيات لأنه يزيد تكلفة تحويل أرباحها الأجنبية إلى دولارات، بينما يجعل منتجات المصدرين أقل قدرة على المنافسة في الخارج. وأظهرت بيانات صادرة عن شركة فاكتسيت أن حوالي ربع الشركات المدرجة على مؤشر أس آند بي 500 تحقق أكثر من 50 في المئة من الإيرادات خارج الولايات المتحدة.

ويعتقد البعض أن قوة الدولار قد تؤدي أيضا إلى تعقيد جهود البنوك المركزية الأخرى لمكافحة التضخم لأنها تجعل عملاتها أرخص. وكان البنك المركزي الأوروبي، الذي يختتم اجتماعاته المتعلقة بالسياسة النقدية غدا الخميس، قد استبعد خفض الفائدة بسبب التضخم الثابت.

تييري ويزمان: لا يوجد دليل على أن اقتصاد أوروبا والصين في تحسن
تييري ويزمان: لا يوجد دليل على أن اقتصاد أوروبا والصين في تحسن

وفي 2023، تعرضت الأسواق الناشئة إلى تأثيرات سلبية بشكل أقوى من الاقتصادات المتقدمة جراء ارتفاع قيمة الدولار الأميركي، وكانت الترجيحات تصب منذ الصيف الماضي في أن تستمر هذه الحالة ما دام عدم اليقين يسيطر على آفاق تعافي الاقتصاد العالمي. وطيلة الأشهر التي تلت اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية أنهكت تقلبات الأسواق المالية العالمية الكثير من المستثمرين بشكل أثر على رؤوس أموالهم في المشاريع ذات الأخطار العالية.

ومن الممكن أن تؤدي الإشارات التي تشير إلى أن صناع القرار في منطقة اليورو قد يؤخرون المزيد من التيسير النقدي إلى تعزيز اليورو على حساب الدولار. ومع ذلك، لا يزال الإستراتيجيون يتجهون نحو الانخفاض على نطاق واسع بشأن الدولار رغم أن قوة العملة الأميركية المستمرة تختبر توقعاتهم.

وفي حين أن متوسط التوقعات بين إستراتيجي العملة هو أن يضعف الدولار خلال بقية العام، فإن حوالي 80 في المئة يعتقدون أن هناك خطرا بأن يتجاوز الدولار هدفهم، حسبما أظهر مسح أجرته رويترز في فبراير الماضي.

وقال بول ميلكزارسكي رئيس الإستراتيجية الكلية في مؤسسة برانديواين غلوبال، إن انتعاش الدولار الأخير هو مجرد “ارتفاع تكتيكي بدلا من تغيير في الاتجاه الأساسي بشكل عام”. ويشعر ميلزارسكي بالتشجيع إزاء العلامات الناشئة التي تشير إلى تحسن النمو خارج الولايات المتحدة، بما في ذلك قوة دورة أشباه الموصلات العالمية، والتي تفيد عملات مثل الوون الكوري.

ومع ذلك، يرى آخرون المزيد من الأسباب لقوة الدولار، خاصة إذا كانت للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اليد العليا في سباق إعادة الانتخاب الرئاسي الذي وصل إلى طريق مسدود لعدة أشهر.

وكتب المحللون في كابيتال إيكونوميكس أن زيادات التعريفة الجمركية المقترحة من ترامب يمكن أن تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى إلى التحيز المتشدد بشأن السياسة النقدية وتؤدي إلى حرب تجارية أوسع تحفز الطلب على العملة الأميركية كملاذ آمن. وارتفع الدولار في البداية بعد فوز ترامب بانتخابات عام 2016 لكنه انخفض بنسبة 10.5 في المئة خلال فترة ولايته.

وقال ويزمان إنه “على الرغم من أن ذلك قد يكون بعيدا، لكن من المرجح أن يظل المستثمرون مترددين في تجديد رهاناتهم الهبوطية مقابل الدولار”. وأضاف “أعتقد أنها قصة.. أرني أن حجم الشكوك من جانب التجار مرتفع.”

10