قوانين جدلية أمام البرلمان العراقي تضع المشهداني في أول اختبار

بغداد - يناقش البرلمان العراقي الأحد تعديلات مقترحة على قوانين مثيرة للجدل بينها تعديل لقانون الأحوال الشخصية أعيدت صياغته بعد تخوّف منظمات حقوقية من أن يفتح المجال أمام تزويج القاصرات، إلى جانب تعديل قانون العفو العام وإعادة العقارات الى أصحابها.
ويأتي انعقاد الجلسة وسط تأكيدات صعوبة التغلب على العقبات أمام تمرير هذه القوانين التي تعتبر أول اختبار لرئيس البرلمان الجديد محمود المشهداني الذي انتُخب للمنصب بدعم من قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية قبل شهر واحد.
ويمنح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقيين عند إبرام عقود زواج الحقّ في الاختيار في تنظيم شؤون أسرهم بين أحكام المذهب الشيعي أو السني أو تلك التي ينصّ عليها قانون الأحوال الشخصية النافذ والمعمول به منذ 1959 ويُعدّ متقدما في مجتمع عراقي محافظ.
وأثار التعديل المُقترح مخاوف ناشطين حقوقيين يرون أنه يحرم المرأة من مكتسبات وحقوق وقد يؤدي أيضا لفتح الباب أمام تزويج القاصرات اعتبارا من بلوغهنّ تسع سنوات.
وأكّد النائب رائد المالكي الذي تقدّم بمقترح التعديل، لوكالة الصحافة الفرنسية أن سن الزواج المحددة في النص الذي سيدرسه مجلس النواب الأحد "لا يقلّ عن الحد الأدنى الموجود في القانون النافذ حاليا" أي "لا يقل عن 15 سنة" وفقا "للشروط نفسها" أي بموافقة الوليّ الشرعي والمحكمة.
وبعد التصويت، سيكون أمام النواب وخبراء في الفقه الإسلامي والقانون بالتعاون مع مجلس الدولة العراقي، أربعة أشهر "لتقديم مدونة الأحكام الشرعية" للمذهب السني والشيعي على أن يجري التصويت عليها في ما بعد.
وحظي التعديل بقراءتين في البرلمان منذ أغسطس وأُرجئ التصويت عليه.
وانتقدت منظمات حقوقية محلية ودولية بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، مسودة أولى.
وحذرت منظمة العفو الدولية في أكتوبر من أن "تفتح التعديلات الباب أمام تقنين الزيجات غير المسجلة والتي غالبا ما تُستخدم للتحايل على قوانين زواج الأطفال"، بالإضافة إلى "تجريد النساء والفتيات من الحماية في ما يتعلق بالطلاق والميراث".
ويتضمن جدول أعمال جلسة الأحد كذلك التصويت على تعديل لقانون العفو العام.
وسُيستثنى من هذا العفو، وفق المالكي، مرتكبي نحو "20 نوعا من الجرائم" بينها "الجرائم الإرهابية" في بلد لا زال يعاني من تداعيات سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة منه.
وسيُطبق العفو العام على أحكام صادرة بين عامي 2016 و2024 وسيكون مثلا متعاطو المخدرات مؤهلين للاستفادة منه لكن ليس تجار المخدرات، بحسب النائب.
ويستثني العفو كذلك مرتكبي جرائم "الاغتصاب وزنا المحارم والاتجار بالبشر والخطف والتطبيع مع الكيان الصهيوني".
وأضاف المالكي أنه "تمت الموافقة مثلا على أن يُعاد التحقيق والمحاكمة بشكل وجوبي فقط في الإدانات المبنية على معلومات مخبرين سريين".
وشمل عفو عام أقرّه البرلمان العراقي في العام 2016 ما يقارب "150 ألف شخص"، بحسب قوله.
كما يتضمن جدول أعمال الجلسة البرلمانية قانون إعادة العقارات الذي يطالب به الأكراد، بينما ترفضه الكتل السنية جملة وتفصيلا في حين تعترض القوى الشيعية على فقرة "التمييز" فيه لمحافظة كركوك دون باقي مناطق ومدن العراق.
وقال عضو اللجنة القانونية النيابية عارف الحمامي إن هناك خلافا سياسيا على قانون إعادة العقارات إلى أصحابها في كركوك، على اعتبار أن المكون السني يرفض التصويت على هذا القانون في جلسة الأحد.
وأوضح في تصريح لوكالة "شفق نيوز" أن الشيعة ليس لديهم اعتراض على القانون، وإنما على تمييز القانون ولماذا على عقارات كركوك فقط؟، مردفا بالقول إن الشيعة يريدونه أن يشمل جميع محافظات العراق.
وأضاف الحمامي أن النظام السابق صادر الكثير من العقارات السكنية والتجارية والزراعية من أصحابها ومنحها إلى آخرين ليس في كركوك وحسب بل في مختلف مناطق البلاد.
وكانت الكتل الكردية الخمس في مجلس النواب، قد أعلنت في سبتمبر الماضي، توحيد موقفها لدعم مشروع قانون يهدف إلى إلغاء قرارات حزب البعث المتعلقة بالأراضي الزراعية في المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
ويقول نواب ومسؤولون كرد إن مشروع القانون يخص الاملاك التي تعاد إلى أصحابها الأصليين من الكرد والتركمان، وتمت مصادرتها بموجب 8 قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل خلال الأعوام من 1975 ولغاية 1979، وكان الهدف منها إجراء عمليات تغيير ديموغرافي في المناطق المتنازع عليها.
وتعد جلسة الأحد بمثابة اختبار لقدرة المشهداني على التغلب على العقبات وإعادة الدور التشريعي للبرلمان، فيما تتوقع الأوساط السياسية العراقية أن تشهد الجلسة نقاشات مكثفة، فيما تكثف قيادات الكتل السياسية من اجتماعاتها لتلافي تلك الخلافات والاتفاق على تمرير القوانين، بينما تشدد قوى الإطار التنسيقي على أنها لن تصوت على أي قانون خلافي إن لم يكن ضمن السلة الواحدة.
وتعهد المشهداني مؤخرا بتمرير القوانين الخلافية التي لم يستطع البرلمان في الفترة السابقة التصويت عليها، مشدداً على ضرورة العمل على "إعادة هيبة البرلمان"، ووعد بتفعيل الدور الرقابي للبرلمان في المرحلة المقبلة.
وأكد النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، شريف سليمان، استمرار المساعي داخل مجلس النواب للوصول إلى توافق بشأن القوانين الجدلية العالقة، وقال في تصريح لصحيفة الصباح الرسمية، الأحد، إن "البرلمان يشهد حراكا مكثفا من قبل رؤساء الكتل السياسية لعقد اجتماعات تهدف إلى تحقيق اتفاق بشأن هذه القوانين".
وأضاف أنه "رغم المحاولات المستمرة خلال الأسابيع الماضية للوصول إلى توافق على بعض القوانين المهمة، إلا أن النتائج لاتزال محدودة، ونأمل أن تسفر الجهود الحالية عن حلول توافقية قبل انتهاء الفصل التشريعي"، داعيا إلى "ضرورة استمرار العمل لإقرار التشريعات التي تخدم الشعب العراقي بعيدا عن أي مصالح فردية أو حزبية".
وأشار، إلى أن الفترة المتبقية قبل العطلة التشريعية ليست طويلة، لكنها كافية لإكمال المهام، التي وصفها بأنها "ليست معقدة"، داعيًا إلى "تقديم المصلحة الوطنية على أي خلافات سياسية".
ويكشف إدراج القوانين الثلاثة في جلسة واحدة العودة إلى ما يسمّى بـ"السلة الواحدة" في تمرير القوانين، أي إن القوى السياسية لا تمرر القانون الذي تريده القوى الأخرى إلا مقابل قانون لصالحها.
وانتقدت النائبة فاتن القرغولي إدراج القوانين الخلافية في جدول أعمال المجلس وفق آلية السلة الواحدة، وقالت في تصريح لموقع "المعلومة" إن "هناك رفضاً واسعاً من قبل العديد من النواب لتمرير القوانين الخلافية وفق نظام السلة الواحدة".
وأوضحت أن "الهدف من إدراج القوانين ضمن آلية السلة الواحدة هو إكمال النصاب القانوني لتمرير القوانين الخلافية، وهذا يعد مخالفاً لقرار المحكمة الاتحادية الذي ينص على تقديم المقترحات والقوانين بالتنسيق مع السلطة القضائية "، مشددة على "رفضها للمسار الذي تتبعه بعض القوى السياسية في تمرير مسودات القوانين الخلافية".
وتنتظر المشهداني جملة من القوانين المعطّلة جراء الخلافات السياسية وضعف الأداء النيابي الذي تأثر بغياب الرئيس السابق لمجلس النواب محمد الحلبوسي الذي أقيل على خلفية إدانته بـ"التزوير".
وعلى الرغم من الاندفاع الذي تتحدث عنه قوى سياسية تساند المشهداني تكليفه الجديد، تدل جميع المؤشرات على صعوبة تمرير القوانين الخلافية الضخمة، ثم ترحيلها إلى الدورة المقبلة، لاعتبارات سياسية وأخرى مرتبطة بالوضع الإقليمي وعدم التفاهم داخل المكونات السياسية إزاء مشاريع بعض القوانين.