قوات الدعم السريع تهدد باجتياح الشمال لتعويض خسارة الخرطوم

الخرطوم – سعى نائب قائد قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو إلى إحداث تغيير في صورة قواته التي تواجه تراجعا على عدة جبهات عسكرية في السودان مؤخرا، وهدد باجتياح الولاية الشمالية ونهر النيل في الأيام المقبلة، ما أثار جدلا حول قدرة قواته على الانطلاق من التموضع الراهن في دارفور غربا إلى الشمال قرب الحدود مع مصر.
وظهر عبدالرحيم دقلو في مقطع مصور وهو يخاطب مناصريه قائلا “إن قرابة ألفي عربة قتالية خرجت من الصحراء في طريقها إلى السيطرة على الولاية الشمالية،” ولمّح إلى أن المعركة ستكون في شمال البلاد، وليس في غربها.
وقال شقيق قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن قواته “لم تنته بعد و(إن) لديهم مخزونا إستراتيجيا من المقاتلين يصل عدده إلى مليون جندي.”
قوات الدعم السريع لا تستطيع نقل الحرب إلى منطقة الشمال؛ فليس لها وجود هناك ولا معرفة جيدة بالتركيبة السكانية
وأفادت تقارير محلية بأن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني نفذ غارات استهدفت تجمعات للدعم السريع في منطقة الراهب، غرب محلية الدبة بالولاية الشمالية، بينما أشارت تقارير أخرى إلى إسقاط الدعم السريع طائرة تابعة للجيش.
وتنطوي تهديدات دقلو على صعوبة في التحرك من الغرب إلى الشمال عسكريا وسط أزمات تواجهها قوات الدعم السريع وفقدان السيطرة على وسط السودان وقطْع غالبية خطوط الإمداد عنها. ويسعى من وراء ذلك إلى التغطية على هزائم ميدانية تعرضت لها قواته بتأكيد قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة وتوجيه دفة القتال إلى الجهة التي يحددها.
وعزف دقلو على وتر القبيلة لإعادة حشد قواته؛ إذ تقع الإدارات الأهلية في الولاية الشمالية على الجهة المقابلة لقبائل دارفور وينحدر منها عدد كبير من قوات الدعم السريع، ويعمل على تغذية الخطاب العنصري الذي تصاعد مؤخرا، ويمكن لعناصره تجنيد فئات عدوّة لبعض المكونات الشمالية عداوة متوارثة.
وتعد هذه النوعية من التصريحات تهديدا غير مباشر لمصر التي لها موقف داعم للجيش السوداني، فوصول عناصر من الدعم السريع إلى الولاية الشمالية يعني الاقتراب من الحدود الجنوبية لمصر، بما يشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد، يحاول من خلاله دقلو أن يبعث إشارة تحث على ضرورة تحييد موقف القاهرة الراهن، أو إثارة مشكلات تتعلق بانسياب الحركة التجارية بين البلدين.
وقال المحلل السياسي السوداني قصي مجدي “لا أعتقد أن قوات الدعم السريع بعد أن خسرت معركتها في ولايتي الجزيرة والخرطوم تملك قدرة عسكرية على نقل الحرب شمالاً، وهي منطقة جديدة وخطرة وليس لقوات الدعم فيها وجود سابق أو معرفة جيدة بالتركيبة السكانية، وليست لديها حاضنة شعبية قوية، في وقت تواجه فيه مشكلات في مناطق سيطرتها بدارفور.”
وأضاف لـ”العرب” أن سلاح الجو السوداني يسيطر على الأجواء في الولاية الشمالية ولن يكون بوسع قوات الدعم السريع إلّا استخدام مسيّرات، وإذا قررت تهديد هذه المنطقة القريبة من حدود مصر فستكون القاهرة حاضرة لمنع امتداد الحرب إلى جنوبها.
واعترف حميدتي لأول مرة قبل أيام بأن قواته انسحبت من الخرطوم التي أعلن الجيش سيطرته عليها، وأن الهدف من انسحابها من أم درمان هو إعادة التموضع، مؤكدا أن الحرب ما زالت في بدايتها ولم تنته. وجاء التهديد باجتياح الولاية الشمالية بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع أخيرا من السيطرة على بلدة المالحة بولاية شمال دارفور، المحاذية لشمال السودان.
وحركت قوات الدعم السريع عشرات المركبات العسكرية صوب مدينة مروي بالولاية الشمالية قبيل اندلاع الحرب في أبريل 2023، وبعد يومين هاجمت الخرطوم، وسيطرت على مطار مروي والقاعدة الجوية فيه، ثم استردهما الجيش السوداني.
وأكد الخبير العسكري السوداني اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن قوات الدعم السريع لا تمتلك مقومات القتال الكبيرة، من معدات وأسلحة وعناصر بشرية، وما خسرته في الخرطوم يجعلها خارج المعركة بالقياسات الميدانية، والحديث عن شن هجمات على الولاية الشمالية أو نهر النيل بقياس الوقت والمسافة يحتاج إلى سبعة أيام ولا تمتلك القوات الوقود والمركبات اللازمة، ما يشير إلى وجود أهداف سياسية وراء التهديد، ترتبط بصرف الأنظار عن استعداداتها الحالية لاختراق الفاشر في شمال دارفور.
هل تأخذ تصريحات دقلو على محمل الجد، لأن قوات الدعم السريع قامت بحشد جهوي مكثف، وتسعى لجمع أكبر عدد من الجنود للقيام بعمليات هجومية
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التهديد باجتياح الشمال محاولة لاستدعاء الجنود الفارين من معارك القتال، خاصة أن بعض قبائل دارفور استدعت أبناءها بعد أن أصبحت مقتنعة بصعوبة إحراز تقدم عسكري، ويرمي التهديد أيضا إلى مشاغبة مصر لاعتقاد الدعم السريع أن تعطيل الحركة التجارية يضغط على القاهرة.
وتعزف قوات الدعم السريع على وتر الارتدادات الأمنية في الخرطوم، في محاولة لتأكيد قدرتها على التحرك عسكريا، وأن العاصمة تواجه مشكلات بعد أن استعادها الجيش نتيجة وجود بعض المتعاونين مع الدعم السريع، وهؤلاء لا يعرفون إلى أين سيذهبون، وقد يقومون بشن أعمال عدائية ضد الجيش، بجانب وجود عصابات تمتهن السلب والنهب، ورغبة لدى أبناء الخرطوم في الانتقام ممن آذوهم في منازلهم دون اللجوء إلى القضاء، خاصة مع زيادة انتشار السلاح في يد الكثير من المواطنين.
وذكر اللواء أمين إسماعيل مجذوب لـ”العرب” أن الجيش السوداني أعد خمس فرق مشاة تتجه لمطاردة عناصر الدعم السريع في دارفور، وتقديم الدعم اللازم لجبهة الفاشر، لافتا إلى أن تصريحات دقلو تفهم في إطار تشتيت هذه القوات، وأن حديثه من منطقة قرب الحدود التشادية مع دارفور يشير إلى أن خطابه قد لا يكون له تأثير.
لكنّ متابعين للشأن السوداني يرون أنه يجب أخذ تصريحات دقلو على محمل الجد، لأن قوات الدعم السريع قامت بحشد جهوي مكثف، وتسعى لجمع أكبر عدد من الجنود للقيام بعمليات هجومية قد تنجح نتيجة ثغرات في تحالفات الجيش مع أطراف مختلفة، يريد كل منها جني مكاسب سياسية دون انتظار حسم الحرب، وهو ما تستفيد منه قوات الدعم السريع.
ويضيف هؤلاء أن الفشل في تحقيق اختراق للفاشر منذ نحو عام يوجد رغبة في الاتجاه نحو مناطق أخرى يمكن أن تشتت تركيز القوات المشتركة التي تتواجد في دارفور وتقاتل بجانب الجيش، وتنتظر دعما منه للتقدم، والبدء بعمليات عسكرية لتحرير ولايات دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
اقرأ أيضا:
• إعدامات ميدانية لمدنيين عزل في الخرطوم تُفزع الأمم المتحدة