قنبلة تكدس الخريجين تتفجّر بشكل متسلسل في العراق

الجميع يريد التوظيف في قطاع عمومي مترهل وقليل الإنتاج.
الجمعة 2021/06/04
القطاع الحلم لكل الخريجين

تظاهُر الشباب المطالبين بالعمل في العراق بشكل متواصل وخصوصا خرّيجي الجامعات، انعكاس طبيعي لإشكالية مزمنة يواجهها البلد وتتمثّل في ضعف دورته التنموية واقترابها من التوقّف وعدم قدرة اقتصاده المعتمد على موارد النفط على خلق الثروة وتوفير الوظائف خارج القطاع العام الذي يطالب المتظاهرون بتوظيفهم فيه رغم ترهّله وتخمته بالموظفين الفائضين عن الحاجة إلى درجة الاختناق.

الناصرية (العراق) - تشهد العديد من المدن العراقية منذ سنوات مظاهرات احتجاجية ينظمها شبّان غالبيتهم من خريجي الجامعات للمطالبة بالوظائف في بلد تضيق فيه سوق العمل يوما بعد يوم ولم يعد قادرا على الاستجابة لطلبات التشغيل المتزايدة، خصوصا من خريجي المؤسسات التعليمية الذين باتت أعدادهم الكبيرة تطرح أسئلة حول المستوى الحقيقي للتكوين ومعايير إسناد الشهادات العلمية.

ويتضافر في العراق ضعف الدورة الاقتصادية وبطء التنمية وقلّة التعويل على الاستثمار في مقابل الاعتماد الكبير على موارد النفط، مع فوضى العملية التعليمية وتكديس الخريجين دون مراعاة حجم سوق العمل والحاجة الحقيقية للبلاد، لتخلق جميعها أزمة بطالة خانقة لخريجي الجامعات الآملين جميعهم في الحصول على وظائف في القطاع العمومي المترهّل والمتخم أصلا بمئات الآلاف من الموظفين الفائضين عن الحاجة.

ولا ينفصل ضعف الاقتصاد عن الفساد المستشري في مفاصل الدولة وهدر مواردها التي تقدّر سنويا بعشرات المليارات من الدولارات تتأتى من بيع النفط الخام، ولا يظهر لها بعد ذلك أثر يذكر على تنشيط الدورة الاقتصادية وتطوير البنى التحتية وتحسين ظروف عيش المواطنين.

وكثيرا ما كان القطاع النفطي موضع تركيز الشبان المطالبين بالوظائف في جنوب العراق حيث توجد أهم حقول النفط ومنشآته، فيما يقول الخبراء إنّ هذا القطاع الذي يواجه بدوره صعوبات تحول دون تطوّره لا يحتمل المزيد من الأيدي العاملة، بقدر ما يحتاج لعملية إعادة هيكلة قد تشمل تقليص عدد العاملين فيه مقابل الرهان على الكفاءة العالية والتكنولوجيات الحديثة.

العمل في القطاع النفطي حلم الكثير من الخريجين رغم حاجته لإعادة هيكلة تشمل تقليص عدد العاملين فيه

واختبر العراق خلال الأشهر الماضية بشكل عملي خطورة عدم تنويع مصادر الدخل والاعتماد بشكل شبه كلّي على موارد النفط، وذلك عندما تهاوت أسعار الخام إلى مستويات شديدة التدنّي ما وضع الحكومة العراقية أمام صعوبات هائلة تجاوزت العجز عن تمويل موازنة الدولة، إلى إمكانية العجز عن دفع رواتب الموظفين وهو الأمر الذي، فيما لو حدث فعلا، كان سيضع الملايين من العراقيين في حالة عوز شديد ويفجّر بالتالي أزمة اجتماعية غير مسبوقة تزيد من تأجيج غضب الشارع المتحفّز منذ سنوات للاحتجاج والتظاهر.

وقال وزير التخطيط العراقي خالد بتال النجم في وقت سابق إنّ مفهوم الوظيفة في بلاده يختلف عنه في كل العالم، مشيرا إلى أنّ عشرة في المئة من سكان العراق موظفون وأن أوضاع البلاد لا تحتمل المزيد من التوظيف، ومشدّدا على أن الحكومة لا يمكنها توفير الوظائف التي تستوعب الزيادة السكانية.

كما اعترف النجم بوجود ظاهرة “الفضائيين”، وهي تسمية محلّية لموظفين مقيّدين صوريا ضمن جداول موظفي الدولة ويتقاضون رواتب، فيما هم لا يقومون بأي عمل.

وعادة ما يتمّ استيعاب هؤلاء الفضائيين ضمن صفقات فساد يقوم بها موظّفون في الدولة ومتنفّذون في الأحزاب والميليشيات المسلّحة مقابل رشاوى أو مقابل تقاسم الراتب المتأتي دون أدنى جهد.

لكنّ الوزير قلّل من خطورة الظاهرة واصفا إياها بالهامشية، رغم تأكيد المصادر أنّ أعداد الفضائيين في العراق تقدّر بالآلاف بما في ذلك المرسّمون في وظائف أمنية وعسكرية.

Thumbnail

وعادت مجاميع من الشباب في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق للتظاهر مطالبة بتوفير وظائف في القطاع العام.

واحتشد الأربعاء عدد من هؤلاء أمام مبنى المحافظة وسط المدينة ومنعوا موكب وزير الداخلية عثمان الغانمي ونائب قائد العمليات المشتركة في الجيش عبدالأمير الشمري اللذين حضرا لعقد مؤتمر أمني من دخول المبنى مطالبين الحكومة بالاستجابة لمطالبهم في التشغيل.

كما أغلق المتظاهرون مديرية تربية ذي قار ومنعوا الموظفين من الالتحاق بأعمالهم، للضغط على السلطات لفتح باب التعيين في الوظائف الحكومية.

ويعد توفير فرص العمل أحد أبرز مطالب احتجاجات شعبية يشهدها العراق على نحو متقطع منذ أكتوبر 2019. وتبلغ نسبة الفقر في العراق الغني بالنفط 31.7 في المئة والبطالة 27 في المئة، وفق إحصاءات وزارة التخطيط العراقية.

ويطالب مختصون عراقيون في مجال التعليم منذ سنوات بمراجعة شاملة للعملية التعليمية في العراق بمختلف مراحلها لاسيما المرحلة الجامعية وربط عملية التوجيه والتكوين بالمعطيات الاقتصادية والحاجات الفعلية لسوق الشغل وقدرتها على استيعاب الخريجين بهدف الاستفادة من الجهد الوطني وعدم إهداره في تخريج الآلاف ثم لا تتم الاستفادة من زادهم المعرفي.

3