قمة فرنسية مصرية لدعم تسوية عملية للأزمة الليبية

قال الإعلام المصري، السبت، إن قمة مرتقبة تجمع الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في القاهرة ستعقد مع نهاية يناير الجاري، ومن المقرر أن يبحث فيها الجانبان عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك أهمها الأزمة الليبية، خصوصا في ظل استعصاء الحلول لإنهاء صراع الفرقاء الليبيين وتجدد الاشتباكات العسكرية مؤخرا في طرابلس. ويتوافق السيسي وماكرون حول ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وإنهاء نفوذ الميليشيات والحزم في ملف الإرهاب، فيما يشير مراقبون إلى أن التقارب المصري الفرنسي قد يزعج إيطاليا، ما يصعّب على القاهرة مهمة التوفيق بين الرؤية الفرنسية والإيطالية لدعم تسوية للأزمة الليبية.
القاهرة - يعقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، قمة مشتركة في القاهرة قبل نهاية يناير الحالي، تناقش عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، في مقدمتها الأزمة الليبية.
وذكرت صحيفة “أخبار اليوم” المصرية الحكومية، السبت، أن القمة ستتناول ملف استقرار منطقة الشرق الأوسط، وسبل مواجهة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، إلى جانب الملفات الثنائية الخاصة بالعلاقات المشتركة بين البلدين.
وتتمتع القاهرة مع باريس بعلاقات جيدة، واتسع نطاق التعاون ليشمل مستويات حيوية مختلفة، بما ساهم في زيادة التفاهم في عدد من القضايا الإقليمية.
ويحاول الرئيس الفرنسي الشاب أن يُظهر قدرته على التفوق في الملفات الخارجية، من خلال بعض المقاربات التي لها علاقة بالقضايا المهمّة بالنسبة لبلاده وطموحاته الإقليمية في الوقت التي تهدد الاحتجاجات نظامه.
وعلمت “العرب” أن القمة المرتقبة بين السيسي وماكرون جرى تحديدها منذ ستة أشهر، وليست لها علاقة بأزمات داخلية تواجه ماكرون أو تحديات خارجية عاجلة، لأن هذا النوع من الزيارات يستغرق التجهيز له وقتا ولا يتم بصورة مفاجئة.
وقالت مصادر سياسية إن “هناك مجموعة من القضايا سيتم طرحها خلال هذه القمة، تؤكد قدرة القاهرة على نسج علاقات متعددة مع الدول الغربية، واحتفاظها بدرجة عالية من التوازن مع جهات دولية مختلفة، وعدم الانحياز لقوة بعينها.”
وأشار توفيق أكليمندوس، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية في القاهرة، لـ”العرب” إلى أن “هناك قواسم مشتركة بين البلدين، منها ما يتعلق بتطور التعاون العسكري والأمني والتجاري، وتعزيز آليات الحل السياسي للأزمات والصراعات المسلحة في المنطقة”.
وألمحت المصادر لـ”العرب” إلى أن “الأزمة الليبية ستحظى بأولوية في المباحثات المشتركة بين الرئيسين، بعد أن دخلت مرحلة خطيرة من التدهور، وأخفقت المبادرات التي أطلقت من فرنسا وإيطاليا والمبعوث الأممي إلى ليبيا ودوائر أخرى، في وضع حد للصراع بين القوى المتناحرة”.
وتولي باريس أهمية كبيرة للأزمة المتفاقمة في ليبيا وتشعر بالقلق من تداعياتها على مصالحها وأمن دول جنوب المتوسط. وأطلقت مبادرة في 29 مايو الماضي، وجمعت بين الأطراف الرئيسية الليبية في باريس، لكنها لم تتمكن من تحقيق اختراق يدعم نجاح مبادرتها سياسيا، ويمكنها من تغيير مساراتها تماما، فيما تلعب القاهرة دورا متنوعا في الأزمة، وتتبنى خطابا ينطوي على رغبة في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، يحظى بدعم باريس، كعنصر مهم في البحث عن تسوية سياسية عملية، والقضاء على الكتائب والعصابات المسلحة والميليشيات الإسلامية، التي ضاعف وجودها من عمر الأزمة.
ملف المتطرفين وانتشار الإرهاب في ليبيا يجعل القاهرة أكثر قربا من باريس، وهناك تفهّم بينهما لهذه الزاوية باعتبارها أحد الأسباب المهمة لعدم حل الأزمة الليبية، بينما يبدو الموقف الإيطالي أقل تشددا في حسم هذه المسألة
وتتفق مصر وفرنسا على دعم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، ومساندته في الحرب على الإرهاب، ومنع تحول ليبيا إلى ساحة لتمركز المتشددين، وظهرت معالم الدعم في حربه على إرهابي درنة العام الماضي حتى تمكن من طردهم خارجها.
وتجد العملية العسكرية التي بدأها الجيش الوطني في جنوب ليبيا للتخلص من معسكرات المتطرفين هناك قبل أيام، ترحيبا من القاهرة وباريس، وقد تتحول إلى نواة لإنهاء تجمعات الإرهابيين من دول مختلفة، والتي تحظى بتأييد أو غض الطرف من دول منخرطة في الأزمة الليبية ومنحازة لقوى سياسية، بينها إيطاليا.
وتحاول الرؤية المصرية التمسك بعدم الانحياز لأي من الرؤيتين الفرنسية والإيطالية اللتين تتباعدان في ليبيا، وتتصادمان في أحيان كثيرة، ما خلق صراعا سياسيا بينهما، حول أي منهما بإمكانها القبض على زمام الحل والعقد في الدولة التي تعاني من توترات مزمنة.
ونوّه مراقبون إلى أن القاهرة تواجه صعوبة للتوفيق بين باريس وروما، وتحرص على عدم حسابها على معسكر بعينه، لأنها تتبنى خطة تقوم على الانفتاح على جميع القوى المحلية والخارجية التي لها علاقة بالأزمة، باستثناء التيار الإسلامي الذي ترى أنه يمثل خطرا ساحقا على مستقبل ليبيا.
وأكد هؤلاء أن ملف المتطرفين وانتشار الإرهاب في ليبيا يجعل القاهرة أكثر قربا من باريس، وهناك تفهّمات بينهما لهذه الزاوية، باعتبارها أحد أسباب المهمّة لعدم حل الأزمة الليبية، بينما يبدو الموقف الإيطالي أقل تشددا في حسم هذه المسألة، ويميل إلى التعامل بواقعية مع التطورات على الأرض، ويرى أن الميليشيات رقم يصعب تجاهله، ولا توجد ممانعة في الاعتماد عليها.
ويمكن أن يساهم هذا المدخل في تطوير العلاقات بين القاهرة وباريس لإيجاد سبيل لحل الأزمة الليبية، خاصة أن فرنسا لا تمانع في التعامل معها وفقا لخطة شاملة، تراعي مثلث: تغوّل المتشددين وانتشار العصابات المسلحة والهجرة غير الشرعية. وأشارت المصادر السياسية إلى أن “هذا الثالوث سيكون محورا رئيسيا على طاولة البحث بين السيسي وماكرون، وسوف يتم البناء عليه لتعميمه على دول غربية أخرى، بدأت تثمّن التوجهات المصرية التي طرحت سابقا، وتقتنع بالربط بين مكوناته لحل الكثير من الأزمات الإقليمية التي تؤرق الأوروبيين.”
وأوضح جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري سابقا، لـ”العرب”، أن “لدى مصر رغبة للاستعانة بالخبرة الفرنسية في وسائل استكشاف واستطلاع سلوك الإرهاب قبل وقوعه في ليبيا، لإجهاض تحركات المتطرفين، ومراقبة شواطئ البحر المتوسط لمنع تسلل الأسلحة التركية المهربة إلى أيدي الإرهابيين في ليبيا”.