قمة الناتو 2025: مزيدًا من إسرائيل وأوكرانيا، وقليلًا من الصين

ترامب المولع بالانتقال بين مسارح السياسة العالمية حامِلاً لكؤوس وجوائز في بداية أي أزمةٍ عالمية لا في نهايتها أصرَّ على حمل كأس إنهاء الحرب الإسرائيلية - الإيرانية مع بداية أعمال القمة.
الاثنين 2025/06/30
الولايات المتحدة حاضرة لقصِّ الشريط

وضعت قمة شمال حلف الأطلسي الأخيرة في لاهاي خطوطاً عامَّة لطبيعة اشتباكها الدبلوماسي والعسكري في العالم خلال السنوات الخمس القادمة يمكنني إجمالهُا بالعبارة التالية “مزيدا من الشرق الأوسط وقليلا من الصين وسياسة المسارين مع روسيا بواسطة أوكرانيا.” هذه الخطوط العامَّة اندرجت ضمن تقرير “الناتو 2030” الذي كُتِبَ في زمن أمين عام الحلف السابق ينس ستولتنبرغ.

مارك روته الأمين العام الحالي لحلف الناتو حرِص في أعمال هذه القمة 24 – 25 يونيو على التزحلق على أكتاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب. استطاع تقريبا أن يمنع ظهور أيَّة تجاعيد إعلامية في وجه العلاقة عبر الأطلنطي. روته احتفل بلعِب ترامب دور “الأب” في الحرب بين إسرائيل وإيران من 12 – 24 يونيو، ليُمرِّر في ممالأته إشارة ضمنية إلى أن “طهران وتل أبيب مجرَّد طفلين مشاكسين” تعوَّدا على الشجار في باحة الشرق الأوسط. الهدف كان الحِفاظ على عدم تعكير مزاج ترامب بالجدل الإعلامي الذي رافق تقييم مقدار الضرر الحقيقي لمواقع إيران النووية، بعد الضربة الجوية الأميركية ضدها في الـ22 من يونيو.

الرئيس الأميركي المولع بالانتقال بين مسارح السياسة العالمية حامِلاً لكؤوس وجوائز في بداية أي أزمةٍ عالمية لا في نهايتها، أصرَّ على حمل كأس إنهاء الحرب الإسرائيلية – الإيرانية مع بداية أعمال القمة، كما وبَّخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلاميا، على متن طائرته الرئاسية قبل إقلاعها نحو لاهاي، كـجائزة ترضية للأوروبيين.

◄ الولايات المتحدة تريد انخراط الدول الأوروبية من خلال حلف الناتو في الشرق الأوسط، لتحميلها نفقات الدفاع والأمن في المنطقة و"تمويل إسرائيل"

الأداء الأميركي في حرب تل أبيب وطهران في قمة الناتو 2025، لا يعدو حقيقة كونه إعادة تشغيل شرق أوسطي لمبدأ رامبوليه الذي حضر في نزاع كوسوفو تسعينات القرن الماضي “استخدام الدبلوماسية مع تهديد حقيقي باستخدام القوة.” الغاية الأساسية لترامب كانت تذكير الجميع بطلب “توسيع نشاط الحلف إلى الشرق الأوسط.” هذا الطلب كان قد قدَّمهُ إلى أمين عام حلف الناتو السابق ستولتنبرغ في ولايته الرئاسية الأولى.

الخطط الأوروبية للتواجد في بيئات الصراع الحالية والمستقبلية، وضبط مديات انتشارها، من خلال توفير إمكانات الحرب السيبرانية التي باتت مُجهَّزة اليوم بآلية الذكاء الاصطناعي، بنى تحتية متقدمة مثل المطارات والموانئ الصالحة لانتشار قوات “التدخل السريع للناتو”، وقوَّة جوية متفوِّقة تضمن الانخراط الفعلي في زمن الحرب إضافة إلى الطائرات المُسيَّرة، تُقدم مساهمة فعليَّة للناتو في منع تأسيس واقع على الأرض من قبل خصومه. ملامح ما تقدَّم وافِرة في حرب إسرائيل ضد إيران.

وصول دول الحلف إلى تخصيص خمسة في المئة من ناتجها القومي الإجمالي هدفه تحصين الدفاع في 2035، خصَّصت منها نسبة 1.5 في المئة لهذه البنى التحتية والتي سيراعى فيها أن تكون قابلة للاستخدام مدنياً وعسكرياً. أمّا التعبير عن الشرق الأوسط بشكلٍ ساخر -بواسطة إسرائيل وإيران- من قبل أمين عام حلف الناتو الحالي والرئيس ترامب في 2025 فقد جاء لتخفيف حِدَّة وضوح الحسابات الجيوستراتيجية لأوروبا في المنطقة كما وردت في وثيقة الناتو 2030 التي صوَّرته بشكلٍ رئيسي كـ”مسرح للُعبة القوّة بين الغرب، روسيا والصين، مما يُذكِّرُنا بحقبة الحرب الباردة.” تحالف الناتو مع إسرائيل يوفِّر أيضاً استخدام الأخيرة كورقة ضغط على سياسات أنقرة في المنطقة العربية وشرق المتوسط، وبما يتماشى مع توزيع حصص نفوذ متساوية نسبياً بين الدول الأوروبية في الحلف. الفرق هذه المرَّة أن إمكانات الناتو للعمل في “المناطق المكشوفة” لم تعُد نظرية كما ورد في تقرير هارمل عام 1967.

أندرس فوغ راسموسن أمين عام حلف الناتو الأسبق، أشار إلى نجاح العلاقة بين بكين وبروكسل في الهروب من الاشتراطات الأميركية، بقوله “أعتقد أن الصين حصلت على أكثر من ضمانات اقتصادية من خلال اتفاقية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين.” لهذا لم ترِد الصين مُطلقاً في وثيقة “المفهوم الإستراتيجي للناتو” عام 2010. عاودت بكين الظهور في وثيقة “الناتو 2030” التي صدرت عام 2020 ووصفت فيها بـ”منافس نظامي” كاعترافٍ دبلوماسي مُهذَّب بعدم قُدرة دول الحلف الأوروبية على مجابهة الصين. معظم الدول الأوروبية في حلف الناتو تجِدُ أنها لا تمتلك الموارد الكافية لتعريف العلاقة بينها وبين بكين كخصم منهجي، إضافةً إلى أن صعوبة تعريفها كخصم منهجي تنبثق من كونها بلا ملامح أيديولوجية، فالأيديولوجيات العالمية تقف في الطابور عند سور الصين العظيم لحين ارتدائها ثياباً صينية. أوروبا توصَّلت إلى سكِّ مصطلح “نزع المخاطر في التعامل مع الصين”، وركَّزت بشكلٍ أساسي على منع حضور الـG5 في شبكة اتصالاتها. قمة 2025 أعادت التأكيد على مخاطر التكنولوجيا الصينية.

◄ الأداء الأميركي في حرب تل أبيب وطهران في قمة الناتو 2025، لا يعدو حقيقة كونه إعادة تشغيل شرق أوسطي لمبدأ رامبوليه الذي حضر في نزاع كوسوفو تسعينات القرن الماضي

موسكو حظها أقل لامتلاك بروكسل موارد تكفي لرؤيتها كخصم إستراتيجي. حلف الناتو، بسبب الماضي السوفييتي لروسيا الاتحادية، يمتلك رصيداً من التصوَّرات الجيوستراتيجية ذات الرسوخ التاريخي للتعاطي معها، وهي محددة بمسارين متوازيين “امتلاك وسائل دفاع كافية مع السعي لإيجاد انفراج سياسي.” أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية وجدت أنَّ “أوكرانيا باتت تُشكِّل خطوط الدفاع الأمامية لأوروبا.” كذلك وجدت أن قُدرة كييف على ردع موسكو تشبه كُتيَّبا تشغيليا لكيفية التعاطي مع التهديدات الروسية المستقبلية. كانت تشير بلباقة ضمنيَّة إلى الضربة الموجعة التي وجهتها كييف لموسكو باستخدام “الدرونز” في عملية شبكة العنكبوت في الأول من يونيو. لكنها ودولا أوروبية وازنة في حلف الناتو مثل بريطانيا أشارت في نفس الوقت إلى “ضرورة إقناع موسكو بالعودة إلى طاولة المفاوضات” بخصوص أوكرانيا.

ظهور إيران وكوريا الشمالية كتهديدات لا يعدو كونه إعادة تكرار لأهمية “المناطق المكشوفة” إستراتيجيا في قارة آسيا عموماً وشرق وغرب آسيا على وجه الخصوص. المرجح انخراط الناتو تكنولوجيًّا مع اليابان وكوريا الجنوبية، واستخدام هاتين الدولتين كمسرح سياسي لتضخيم حضور سياساته الناعمة في القارة. أمّا إيران فهي حالياً وعلى المدى المتوسط مجرَّد مساهم ثانوي في دعم قيمة التهديد الروسي.

نسبة الخمسة في المئة التي اتُفِق عليها في قمة 2025 دعاية إعلامية أكثر منها واقعيَّة. في عام 2024 كانت مساهمة عشرين دولة في حلف الناتو 84 مليار دولار تقريباً من موازنة الحلف التي ناهزت الـ1.5 تريليون دولار أميركي. كما أن الإعلان عن توفير دول الحلف لـ800 مليار يورو للإنفاق الدفاعي خلال السنين الأربع القادمة، يأتي معظمه واقعياً من القُدرات المالية لثلاث دول، هي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. الولايات المتحدة تريد انخراط الدول الأوروبية من خلال حلف الناتو في الشرق الأوسط، لتحميلها نفقات الدفاع والأمن في المنطقة و”تمويل إسرائيل”. عموما أوروبا تعوَّدت على الدفع ومجيء الولايات المتحدة لقصِّ الشريط والاستمتاع بطقطقة الكاميرات.

8