إيران على مائدة الكبار: جائزة بلا فائزين

البطء الصيني والروسي في تحريك دولاب الدبلوماسية يتناسب بشكل عكسي مع سرعته عند واشنطن تجاه خفض حظوظ طهران.
السبت 2025/06/21
ارتفاع منسوب الرهانات

كان تفضيل سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي استخدام وصف “القدس الغربية” بدل أورشليم، في بيان إدانة بلاده للحرب الإسرائيلية ضد إيران، كشف حساب مُبكِّر للأرباح والخسائر المنظورة أمام الراغبين في الاستثمار الجيوستراتيجي لحدث الـ13 من يونيو. جاء ذلك في شكل سخرية باردة كي يُساهم في قراءة هذا الحدث الساخن بدرجة معتدلة في نشرة طقس ردود أفعال المجتمع الدولي.

الدبلوماسية الروسية المشهورة في عهد الرئيس فلاديمير بوتين بأسلوب “الفوضى جيَّدة لكن الحرب سيئة”، وفَّرت للرئيس الأميركي دونالد ترامب فُسحة كي يُفرقع النجاح الإسرائيلي المُدهش أمام الميكروفونات ومنصات السوشيال، إذ إن حدث الـ13 من يونيو كان بالنسبة للروس “نُسخة شرق أوسطية من عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية التي جرت في الأول من يونيو ضِدَّهم”.

ترامب الذي ظهر بعد يوم من انطلاق أعمال قمة السبع في كندا للمشاركة فيها، حاول مغازلة موسكو قائلا ما مفاده “لو كنت رئيسا حينها لكانت روسيا موجودة بيننا اليوم.” البيان الختامي للقمة دعا تل أبيب وطهران إلى ضبط النفس كذلك اعترف بحقِّ الأولى في الدِفاع عن نفسها، رفض الرئيس الأميركي التوقيع عليه رغم خلوه من أي مضمونٍ عملي. أعلن أيضا انفتاحه على أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدور “الوسيط” بين تل أبيب وطهران، وإقناع الأخيرة بالعودة إلى طاولة المفاوضات النووية. الأوربيون رفضوا ذلك بشدَّة.

ارتفاع نسبة الرهانات يشي ولو بمنطق مُتخيَّل لا حرج فيه عند تصوَّر السيناريوهات، بأن واشنطن حصلت على موافقة بكين وموسكو لتقاسم النفوذ في إيران

الرئيس الفرنسي ماكرون استعان بالحرب الروسية على أوكرانيا في مرافعته أمام ترامب، أمّا المستشار الألماني فريدريش ميرتس فقد انتظر الـ18 من يونيو ليختصر المسألة بجملة أُرجِّح بأنها ستكون مرجعا في السجلات التاريخية “هذا عمل قذر تقوم به إسرائيل بالنيابة عنا جميعا.” ترامب وقبل أن يغادر قمة السبع بيومٍ واحد أغرق فكرة الوساطة الروسية ورجوع موسكو إلى أحضان مجموعة السبع، لتعود إلى وضعها قبل أحد عشر عاما كمجموعة الثماني “أنا لا أقول إنه – يقصد بوتين – يجب أن يكون موجودا الآن فقد عبرت السد كمية كبيرة من المياه”. موسكو وفي نفس اليوم الذي أطلق فيه المستشار الألماني جملته التاريخية، حذَّرت الرئيس ترامب من المشاركة في الحرب الإسرائيلية على إيران “لا تُفكِّر في هذا الأمر”.

بكين وإلى حدِّ كتابة هذا المقال، تحافظ على إعراب بياناتها الدبلوماسية ذات العلاقة بالحرب الإسرائيلية على إيران، وفق قواعد القانون الدولي. يبدو موقفها غير متسق جيوإستراتيجي بالمرَّة مع أهمية طهران في حساباتها كشريكٍ إستراتيجي شامل، من ملف الطاقة إلى مبادرة الحزام والطريق، إضافة إلى دورها كحزامٍ أمني للمصالح الصينية، خاصة في آسيا الوسطى ومنطقة البحر الأحمر. أيضا، تلعب طهران بالشراكة مع القاهرة – حاولت بكين تحفيزها في الآونة الأخيرة – ثقلا وازنا في تصورات الصين عن نظام شرق أوسطي مستقر، وأحد أحجار الزاوية في الحفاظ على استقرار سلاسل التوريد اللوجستية وإمدادات الطاقة العالمية “مضيق هرمز وقناة السويس”.

بكين سخَّنت دبلوماسيتها قليلا بالموقف الباكستاني، وعلى لِسان خواجة محمد آصف وزير الدفاع المرتفعة حظوظه شعبيا، بعد أن نجح سلاح الجو الباكستاني في إسقاط عدَّة طائرات هندية في النزاع الأخير والمزمن بين البلدين بخصوص قضية كشمير، قبل شهر تقريبا. باختصار كان الطيار باكستانيا وطائرته صينية. أتمنى على القارئ وضع خطَّين تحت مفردة طائرة. بكين على الأرجح وربّما حتى قبل نشر هذا الموضوع سترفع درجة الحرارة الدبلوماسية لحدث الـ13 من يونيو في مطبخ الأمم المتحدة.

تقسيم إيران المفترض حدوثه كتداعيات، فيه فُرص إستراتيجية لواشنطن وتل أبيب باستيلاد دولة "كردستان الكبرى"، حصول أنقرة على أذربيجان الإيرانية، حتى ولو بالشراكة مع جمهورية أذربيجان

البطء الصيني والروسي في تحريك دولاب الدبلوماسية لرفع حظوظ طهران، يتناسب بشكلٍ عكسي مع سرعته عند واشنطن تجاه خفض حظوظ طهران، والتي حذَّرت على لِسان الرئيس ترامب بأنها تُطالب الأخيرة بـ”استسلام غير مشروط”. كما إنّ إسرائيل رفعت سقف الرهان من إسقاط نظام الملالي إلى أمنية تفكيك الدولة الإيرانية، حتى ولو باستخدام السلاح النووي – تحديدا وكما اعتقد قنابل نووية تكتيكية – لإنتاج نُسخة إيرانية من ناغازاكي وهيروشيما اليابانيتين عام 1945. هكذا فإن الحديث عن تدمير منشأة فوردو باعتبارها قلب المشروع النووي بمساعدة القاذفات والقنابل الأميركية الخارقة للتحصينات مجرَّد قُنبلة دُخان للحصول على تفويض أميركي باستخدام النووي. سقوط نظام آيات الله لن يُنتِج سوى نُسخة إسرائيلية شبيهة بالسابع من أكتوبر الفلسطينية، والتي من الممكن أن تُسرِّع من تداعيات الأخيرة بدل استئصالها وهذا الآن خارج سياق المقال. الإسرائيليون كانوا قد سرَّبوا عبر طبيب عيون ليس له تاريخ معروف ككاتب، إمكانية لجوئهم إلى خيار “شمشون النووي” في الـ15 من يونيو.

تقسيم إيران المفترض حدوثه كتداعيات، فيه فُرص إستراتيجية لواشنطن وتل أبيب باستيلاد دولة “كردستان الكبرى”، حصول أنقرة على أذربيجان الإيرانية – حتى ولو بالشراكة مع جمهورية أذربيجان – التي يقطنها عشرات الملايين من ذوي الأصول التركية، وبالتالي قُدرة أكبر للناتو على أن يمارس ثقلا على الحدود الآسيوية لروسيا وتقليص حجمها الدولي إلى مجرَّد “لاعب إقليمي كبير”. أمّا بالنسبة للصين فهو يعني ضربة قاتلة لأهم مبادراتها العالمية؛ أي مبادرة الحزام والطريق. وأسلمة معادية للجغرافيا باتجاه غرب الصين. واشنطن وتل أبيب لن تتأخرا طويلا في ترجمة الورقة الكردية على الجغرافيا الإيرانية، إفراغ النفوذ التركي في سوريا من أي معنى، وتسوية ملف غزة فالأرباح وفيرة والتكاليف وكلاء محليون.

ارتفاع نسبة الرهانات يشي ولو بمنطق مُتخيَّل لا حرج فيه عند تصوَّر السيناريوهات، بأن واشنطن حصلت على موافقة بكين وموسكو لتقاسم النفوذ في إيران، وضمان خروج نظام الملالي كدُخان من موقد السياسات الإيرانية. ختاما، الجميع لديه فُرصة إلَّا غزة والدول العربية.

7