قمة "العزم والتضامن".. نجحت حتى وإن فشلت

سنفترض مسبقا أن القمة العربية، التي اختار لها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي اسم قمة “العزم والتضامن”، واختتمت أعمالها في تونس الأحد، فشلت. وأن قراراتها حبر على ورق، وأن المجتمعين سينسون فور مغادرتهم الأجواء التونسية ما اتفق عليه.
ألم يكن من الأجدر أن تنفق الأموال التي خصصت للقمة على مشاريع تنموية أو صيانة البنية التحتية؟
هكذا سيفكر المعارضون للقمة الذين لا يرون فيها سوى فرصة أتاحت للقادة والمسؤولين العرب ترديد نفس الكلام، ونفس الوعود، التي لم تتحقق، ولن تتحقق.
لنستعرض أولا ما جاء في البيان الختامي. أكد البيان أن ما يجمع الدول العربية أكثر مما يفرقها، وحذر من الصراعات التي استنزفت موارد الأمة، خاصة المذهبية والطائفية، معتبرة المصالحة هي نقطة البداية. واتفق الجميع على أن قضية العرب المركزية هي القضية الفلسطينية.
واعتبروا وحدة ليبيا أمرا لا جدال فيه، وأوصى البيان بضرورة التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا تحفظ وحدتها، وتحميها من التدخلات الخارجية.
اليمن وتخفيف معاناة شعبه كان لهما نصيب أيضا، وكذلك العراق. فكلا البلدين يتعرض إلى تدخلات خارجية دولية وإقليمية.
واتفق المشاركون في القمة على تطوير التعاون لمحاربة الإرهاب، والقضاء على مصادر تمويله، وتجريم الفكر المتطرف، ونشر ثقافة التسامح. ودعوا إلى الحوار بين الأديان، مشيدين باللقاء الذي جمع شيخ الأزهر أحمد الطيب مع بابا الفاتيكان فرنسيس في دولة الإمارات.
ودعا البيان الختامي إيران إلى احترام علاقات حسن الجوار، وعدم التهديد بالقوة. وثمن مبادرة رئيس السودان لتحقيق الأمن الغذائي العربي داعيا للاستثمار في هذا المجال. ولم يهمل البيان الصومال وجزر القمر.
وكان لتعزيز دور المرأة ودعم البحث العلمي وتمكين الشباب، مكانه في البيان الذي دعا أيضا إلى تكتل اقتصادي عربي. ولكن، نجاح قمة تونس، قمة “العزم والتضامن” لا يتوقف على هذه القرارات وحدها.
النجاح في الأجواء التي عقدت فيها القمة، ويبدأ من الاسم الذي اختاره لها الرئيس التونسي، قمة “العزم”، وقمة “التضامن”. الاسم هو البيان الأول الذي سبق البيان الختامي.
الوضع العربي بلغ مرحلة من التفكك لا ينفع معها إلا “العزم” و”التضامن”.. وهذا من أهم ما جاء في القمة.
النجاح يبدأ من عقد القمة في البلد الذي أطلق شرارة الربيع العربي، البلد الذي قاد “ثورة هادئة” للتغيير، ويبدأ من الدروس التونسية التي قدمت على الهامش.
سمحت السلطات التونسية بخروج مظاهرات واحتجاجات في شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة، رفعت شعارات ضد القمة، معتبرة أن الهدف من القمة تمرير مشروع التطبيع مع إسرائيل.
ووصل الأمر برئيس الهيئة التونسية لدعم المقاومة العربية، أحمد كحلاوي، إلى وصف القمة بـ”قمة استسلام وتطبيع، وقمة عمالة للأجنبي”.
مظاهرات وشعارات كانت يوما من المحرمات في تونس وفي العالم العربي. تونس كسرت “التابو”.. اليوم أصبحت الحكومة المنتخبة حكومة، والمعارضة معارضة، ولكل دوره.
تونس، كما يقول الباجي قايد السبسي، تسير على خطى العالم، وتبحث عن حلول عقلانية لحل المشكلات. هناك اليوم حقوق للحكومة المنتخبة، وحقوق للإنسان. حقوق للحزب الحاكم، وحقوق للمعارضة. “المعارضة ليست من يمثل تونس، تونس تمثلها دولة وحكومة وبرلمان”.
الأصوات التي خرجت من كل جهة تنتقد بعض ضيوف القمة، لم تقلق الباجي، فالبلد الذي لا تسمع فيه أصوات المعارضة هو بلد مكمم الأفواه.. والأفواه في تونس ليست مكممة.. ما يعجب فلان من الناس، قد لا يعجب الآخر، وهذا حق مصان في تونس.
قايد السبسي قدم نفسه نموذجا، فهو يستفيق يوميا على كم كبير من الانتقادات، دون أن يكترث، الشاغل الأول هو مصلحة تونس.. المعارضة مكبلة بالشعارات، وقافلة الدولة تسير.
الزوبعة التي أثارها أمير قطر، بانسحابه من القمة بعد الجلسة الافتتاحية، احتجاجا على انتقاد تركيا، أكدت صواب الخيار التونسي. تونس تحترم الرأي الآخر، بينما أمير قطر، على عكس البرنامج الشهير في قناة الجزيرة، لا يحترم الرأي الآخر.
غدا عندما تصعد المعارضة التونسية إلى الحكم، ستدافع حتما، كما دافع قايد السبسي، عن الرأي الآخر.
قمة “العزم والتضامن” نجحت بفضل جميع مكونات المجتمع التونسي، والتونسيون جنوا ثمار ثورة لم ترق فيها الدماء.. هذا أعظم إنجاز وأعظم نجاح، حتى وإن سال حبر البيان الختامي على الورق دون فائدة.