قمة الصوت العالي لتركيا وإيران وقطر في الرياض

الرياض- وفرت القمة العربية – الإسلامية التي احتضنتها السعودية السبت فرصة لا تعوض للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وللرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لإطلاق الشعارات والمزايدة على الزعماء والقادة الحاضرين، ومثلت فرصة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للحديث عن تحركات قطر ووساطتها مع مختلف الأطراف في قضية الرهائن لدى حماس.
وفي الوقت الذي كان فيه المراقبون ينتظرون خطوات عملية لصالح قطاع غزة وللضغط على إسرائيل، لم تخرج القمة من دائرة الصوت العالي والكلمات والجمل الفضفاضة والأفكار الغارقة في الماضي.
وقال الرئيس التركي إنه يتعين عقد مؤتمر دولي للسلام من أجل التوصل إلى حل دائم للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
◙ سيطرة الشعارات والمزايدات داخل القمة لم يتم تحويلها إلى خطوات عملية، وانتهت إلى تركيز على الجانب الإنساني
وأضاف “إسرائيل تنتقم… من الأطفال والرضع والنساء في غزة”، وأن “ما نحتاجه في غزة ليس توقف القتال لبضع ساعات بل نحتاج إلى وقف دائم لإطلاق النار”.
ودعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى اتخاذ قرار تاريخي وحاسم بشأن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية ، مؤكدا أن “الحل الدائم والمستدام هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”.
وقال رئيسي “إننا اجتمعنا اليوم للبحث عن أهم قضية إسلامية وهي قضية فلسطين لاتخاذ قرار مصيري” ، مشيرا إلى أن “الحرب في غزة هي حرب بين الخير والشر، ويجب على الجميع أن يحددوا الجانب الذي يقفون فيه”.
وركزت كلمة أمير قطر على الوساطة لضمان الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في غزة، استجابة للضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة على الدوحة كونها قناة التواصل مع حماس.
وقال الشيخ تميم “نأمل في التوصل إلى هدنة إنسانية في القريب العاجل تجنب القطاع تفاقم الكارثة الإنسانية التي حلت به”.
وأضاف “فشل المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته” القانونية والأخلاقية، متسائلا “إلى متى سيعامل المجتمع الدولي إسرائيل وكأنها فوق القانون الدولي”.
لكن سيطرة الشعارات والمزايدات داخل القمة لم يتم تحويلها إلى خطوات عملية ضد إسرائيل ولا الولايات المتحدة، وانتهت إلى مقترحات عامة وتركيز على الجانب الإنساني.
وطالب البيان الختامي للقمة بـ”كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)”.
وحث البيان على “دعم كل ما تتخذه جهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف”.
وأدى تعارض المواقف السياسية بين دول عديدة إلى تغيير شكل ثلاث قمم قررت السعودية استضافتها أيام الجمعة والسبت والأحد، لبحث الأوضاع في قطاع غزة بعد قيام إسرائيل بشن حرب دموية عليه، وما صاحبها من تطورات مأساوية.
ودعا قادة الدول العربية والإسلامية في قمتهم المشتركة بالرياض السبت إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وحملوها تل أبيب مسؤولية احتمال توسع نطاق الحرب، وهي صيغة فضفاضة جاءت قريبة ممّا أسفرت عنه القمة السعودية – الأفريقية.
وبدا اللجوء إلى قمم بلا توافق حول مضمون محدد بعيدا عن مساهمته في تحريك المجتمع الدولي للمطالبة بهدنات إنسانية ووقف للحرب، وفرّغها من مضمونها الرئيسي وأضعف حجج الضغط على إسرائيل حاليا، فعدم توسيع أطر التفاهم أو وضع تصورات واضحة على الطاولة أضفى عليها طابعا دبلوماسيا ضيقا، وأوحى أن الدول التي تتبنى موقفا متعاطفا مع الفلسطينيين غير قادرة على تبني موقف موحد يدعمهم.
وأعاد الموزاييك السياسي لممثلي نحو ستين دولة في القمة العربية – الإسلامية التذكير بقمة القاهرة للسلام التي عقدت منذ شهر في مصر، وضمت وفودا من دول الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وظهر التباين جليا بينها، للدرجة التي لم تتمكن فيها القمة سوى إصدار بيان مشترك يعكس الحد الأدنى من التفاهم بين كل من شاركوا فيها.
وقال مراقبون إن وقف الحرب على غزة ودخول المساعدات الإنسانية للقطاع وفقا لديناميكية منتجة لن يأتي من خلال قمم يعلم الكثير من المشاركين فيها أن المسافات بينهم متباعدة ولن تمكنهم من إنقاذ بشر أو حجر في غزة، وربما يسهم الخلاف الذي خرجت مقتطفات منه إلى العلن في عرقلة بعض التحركات الجادة من أجل التوصل إلى صفقة بشأن الأسرى قد تسمح بتخفيف قبضة إسرائيل العسكرية.
وبدت القمة العربية – الإسلامية نوعا من “الكارنفالات السياسية” أو إبراء للذمة وتهدئة لشعوب طالبت بمواقف حاسمة في ظل تقاعس قوى كبرى عن وقف الحرب والتوصل إلى هدنة تتمكن بموجبها قوافل المساعدات من الدخول بسهولة إلى غزة.
وشدد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الكلمة الافتتاحية على أن بلاده “تؤكد تحميل سلطات الاحتلال مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني”.
وكان من المفترض أن تعقد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي قمتين منفصلتين يومي السبت والأحد، غير أن وزارة الخارجية السعودية أعلنت فجأة الجمعة عقد قمة عربية – إسلامية مشتركة غير عادية بشكل استثنائي السبت.
وأشارت مصادر دبلوماسية عربية إلى أن قرار الدمج جاء بعد عجز مندوبي دول الجامعة العربية التوصل إلى اتفاق حول بيان ختامي في اجتماعهم الجمعة بالرياض.
واقترحت بعض الدول العربية مشروع قرار يتضمن تصعيدا وتهديدا بقطع إمدادات النفط عن إسرائيل وحلفائها الغربيين وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية التي تقيمها بعض الدول العربية مع إسرائيل إلا أن دولا أخرى رفضت هذا المقترح.
◙ وقف الحرب على غزة ودخول المساعدات الإنسانية للقطاع وفقا لديناميكية منتجة لن يأتي من خلال قمم يعلم الكثير من المشاركين فيها أن المسافات بينهم متباعدة
وأكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أحمد فؤاد أنور أن الأزمة معقدة، وتهمّ دولا كبرى، وتتداخل فيها أطراف متعددة، وحسابات الحرب الإسرائيلية على غزة يلفها غموض، وقدرة المقاومة على الصمود غامضة، وكلها عوامل تجعل من قمة واحدة أو أكثر تضم أطيافا متباينة من الدول عاجزة عن تقديم تصور محدد.
وأوضح لـ”العرب” أن السعودية بذلت جهدا كبيرا بما يتواءم مع المعطيات الإقليمية والدولية ومكانتها في المنطقة، لكن الأجواء العامة تسير في اتجاهات متلاطمة لا تساعد على تبنّي رؤية محددة يمكن تنفيذ محتواها السياسي، لأن التقديرات على المستوى الفردي متباعدة، ولذلك تنعكس على ما يتمخض من نتائج جماعية.
وذكر فؤاد أنور أن جلوس هذا العدد الكبير من الدول العربية والإسلامية والأفريقية يحمل إشارة معنوية برفض الحرب والتحذير من تداعياتها، إذ يمكن أن تطال مصالح دول عديدة في المنطقة، بل وتؤثر على إدارة الصراعات في حروب لاحقة، فإذا كانت إسرائيل تمعن في تصرفاتها وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية، فتدخل المجتمع الدولي ومنظماته في أيّ صراع آخر سوف يكون محفوفا بالضبابية.
وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي عشية القمة أنها “لا تتوقع شيئا” منها، منتقدة القادة العرب على التأخر في عقد الاجتماع الطارئ، قائلة “نحن في فلسطين لا نعلق أيّ أمل على مثل هذه اللقاءات التي خبرنا نتائجها سنوات طويلة”.