قمة الرياض الخليجية ترسم الطريق نحو أفق جديد

انتهت في العاصمة السعودية الرياض أعمال القمة الخليجية في دورتها العادية الـ42، لكن تداعيات مُخرجاتها لم تنته بعد، وهي مُرشحة للمزيد من التفاعل السياسي لعدة اعتبارات عكسها تواصل صدى القرارات الصادرة عنها ليقرع بقوة أبواب صانعي القرار في المحيط الإقليمي وعلى الصعيد الدولي بتوازناته المُتعددة.
وتُؤشر ردود الفعل التي مازالت تتواتر في سياق سياسي وكذلك أيضا في مستوى اقتصادي وأمني، إلى أن هذه القمة التي تُعد الرابعة على التوالي التي تستضيفها السعودية، سترسم بنتائجها وقراراتها الطريق نحو أفق جديد بمُعادلات سيكون ناتجها الآني والمستقبلي تعزيز مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي نحو المزيد من التكامل لمواجهة التحديات بمختلف عناوينها.
وشكّل توقيت هذه القمة التي جاءت بعد جولة هامة قام بها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية في دول مجلس التعاون، نقطة مفصلية كان لها كبير الأثر في نجاح أعمالها لجهة تحقيق أهدافها في دعم وحدة الصف الخليجي وتعزيزه في هذه المرحلة التي تتسم بتعقيدات شائكة.
◄ قادة دول مجلس التعاون الخليجي لم يكتفوا في البيان الختامي لقمتهم بتناول المسائل التي تهم الشأن الخليجي فقط وإنما تطرّقوا أيضا إلى مسائل أخرى تتعلق بالمنطقة العربية
بل إن توقيت عقد هذه القمة الذي تزامن أيضا مع جملة من المتغيرات الحادة والسريعة التي تشهدها المنطقة، وخاصة منها استئناف مفاوضات الملف النووي مع إيران، وتراجع ثقة العرب إجمالا في مدى جدية الجانب الأميركي في التزامه بأمن المنطقة، أعطاها بعدا إضافيا اختلطت فيه الحسابات والمعادلات، وتعددت فيه الاعتبارات التي جعلتها تُوصف بالمفصلية.
ونحسب أن هذا الوصف بأبعاده العميقة، ينطبق على هذه القمة التي برهنت من خلال العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية التي ناقشتها، على توفر إرادة قوية لبناء علاقات جديدة بين دول الخليج للتعاون في ما بينها على قاعدة رؤية مشتركة بتوجه جماعي تحكمه استراتيجية واضحة تكون قادرة على رسم مستقبل المنطقة خلال السنوات القادمة.
ويتضح ذلك جليا من خلال البيان الختامي الصادر عنها الذي تلاه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف الذي أكد على أهمية تنسيق المواقف بين دول المجلس بما يحافظ على مصالحها، وعلى وحدة الصف الخليجي وتماسكه، وعلى تحقيق التكامل من خلال استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية، فضلا عن التأكيد على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
وتطرّق البيان الختامي أيضا إلى العديد من الملفات منها التأكيد على أهمية “التنفيذ الدقيق والكامل والمستمر لرؤية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومة الدفاعية والأمنية المُشتركة”، و”الاتفاق بالمبادئ والسياسات لتطوير التعاون الاستراتيجي والتكامل الاقتصادي والتنموي بين دول المجلس وتحقيق تطلعات مواطنيها”.
وليس هذا فحسب، وإنما تناول أيضا جملة من القضايا الأخرى على غرار التأكيد على أهمية “تضافر الجهود لتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الأعضاء لبلورة سياسة خارجية موحّدة وفاعلة تخدم تطلعات شعوب دول الخليج وتحفظ مصالحها ومكتسباتها”، وضرورة “تجنب الدول الأعضاء الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها الداخلية”.
وكان لافتا أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي لم يكتفوا في البيان الختامي لقمتهم الـ42 بتناول المسائل التي تهم الشأن الخليجي فقط، وخاصة منها طبيعة العلاقات مع إيران، وتهديدات الحوثي في اليمن، وإنما تطرّقوا أيضا إلى مسائل أخرى تتعلق بالمنطقة العربية، مثل التأكيد على أهمية “الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وتنفيذ خطة العمل المشتركة”، و”الحرص على الحفاظ على مصالح الشعب الليبي”.
وترافق هذا الاهتمام بالشأن العربي، مع اهتمام آخر بقضايا تُشغل حاليا الرأي العام العالمي، مثل التأكيد على” ضرورة تعزيز التعاون المُشترك، وتنسيق الخطط التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة والتعامل مع التغير المناخي وآثاره”، وعلى “أهمية تعزيز التعاون المشترك لمواجهة استمرار خطر جائحة كورونا”، وعلى “أهمية بلورة السياسات والاستراتيجيات الفعالة للتعامل مع مثل هذه الظروف مستقبلا”.
◄ البيان الختامي للقمة أكد على أهمية تنسيق المواقف بين دول المجلس بما يحافظ على مصالحها، وعلى وحدة الصف الخليجي وتماسكه
غير أن ما شد انتباه الجميع في هذا البيان الختامي، هو ما ورد في نطقته السابعة التي تضمنت تأكيد قادة دول مجلس التعاون الخليجي على أهمية “استمرار دعم وتعزيز دور المرأة الخليجية في برامج التنمية الاقتصادية ومشاركتها في العمل الخليجي المُشترك”، و”تشجيع دور الشباب في قطاعات المال والأعمال”، إلى جانب “تنمية العمل الإغاثي والإنساني والتطوعي”.
ورغم أن هذه المواقف كانت مُتوقعة باعتبارها لم تكن معزولة عن سياق عقد هذه القمة الذي رسمته عودة المياه إلى مجاريها في المصالحة الخليجية بقمة العلا في يناير الماضي، التي كان من أبرز نتائجها إنهاء المقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر منذ عام 2017، فإنها تعكس مع ذلك، نجاحا في معالجة ملفات شائكة ومُعقدة كانت حتى وقت قريب تحول دون تسجيل مثل هذا الانسجام والتنسيق.
وعلى هذا الأساس، يُمكن القول إن قمة الرياض الخليجية استطاعت بنتائجها مُراكمة جملة من الاعتبارات التي تشابكت عناوينها بما ساعد على تهيئة الأرضية الملائمة لرسم الطريق نحو أفق جديد برهانات مُوحدة، وليست مُشتتة نتيجة الحسابات الضيقة والخاطئة التي سادت خلال السنوات القليلة الماضية.