قمة الأردن الإقليمية.. قضايا الهامش تطغى على "مؤتمر بغداد 2"

السعودية وإيران تبديان انفتاحهما على استئناف المفاوضات برعاية بغداد، بعد حديث ودي بين وزيري خارجية البلدين على هامش القمة الإقليمية في الأردن.
الأربعاء 2022/12/21
قمة الأردن الإقليمية تناقش أزمات المنطقة بلا حلول تذكر

عمان/طهران - اختتمت القمة الإقليمية التي يستضيفها الأردن برعاية فرنسية أعمالها الثلاثاء دون نتائج تذكر باستثناء تصريحات طغى عليها الجانب البروتوكولي وإجماع المشاركين على دعم أمن العراق وسيادته في استنساخ لنتائج "مؤتمر بغداد 1"، لكن اللافت هو أن قضايا الهامش استحوذت على "مؤتمر بغداد 2" بداية باللقاءات المباشرة بين الوفد الإيراني ووفد أوروبي رفيع، وصولا إلى حديث ودي بين وزيري خارجية إيران والسعودية في غمرة توترات لم تهدأ، رغم مفاوضات غير مباشرة رعتها بغداد وتوقفت في ذروة اضطرابات جيوسياسية، إلى جانب تعثر مفاوضات فيينا النووية الرامية إلى إنعاش الاتفاق النووي الذي ترفض كل القوى نعيه.

وجدد المشاركون في القمة بالإجماع، بما في ذلك الوفد الإيراني، دعمهم لأمن وسيادة العراق في تصريحات تبدو بروتوكولية أكثر منها فعلا دبلوماسيا وسياسيا لدعم أمن وسيادة العراق، الذي يتعرض لهجمات تشنها إيران وتركيا على معاقل للمتمردين الأكراد (الجماعات الإيرانية الكردية المسلحة ومتمردي حزب العمال الكردستاني) في شماله.

وبدا أن الاهتمام بقضايا ملحة تشكل أضلاع الأزمات الإقليمية في المنطقة، بداية بملف إيران النووي وصولا إلى المحادثات المتعثرة بين إيران والسعودية، أكبر من قضية أمن العراق وسيادته، رغم أن القمة تعقد في نسختها الثانية تحت اسم "مؤتمر بغداد 2" وانتهت بتصريحات مماثلة لتلك التي صدرت عن "مؤتمر بغداد 1".

وأبدت إيران استعدادها للحوار مع دول المنطقة على هامش "مؤتمر بغداد 2" في الأردن حضرته السعودية، خصمها الإقليمي، بينما لم تظهر فيه مؤشرات تذكر على أي تقدم ولم يتمخض عن اجتماع ثنائي بينهما.

ونظم العراق وفرنسا بشكل مشترك المؤتمر الذي يهدف إلى دعم الاستقرار في العراق والمنطقة على النطاق الأوسع. وتدعم طهران، وهي أكبر قوة شيعية، والرياض، أكبر قوة سنية في الشرق الأوسط، أطرافا متصارعة في حروب بالوكالة من اليمن إلى سوريا وأماكن أخرى.

ونص البيان الختامي على أن المشاركين استعرضوا تداعيات الأزمات الدولية على العراق والمنطقة، وقالوا إن التغلب عليها يتطلب تعاونا إقليميا دون تحديد إجراءات بعينها.

وقطعت السعودية وإيران العلاقات في عام 2016، ووفر الاجتماع على الشاطئ الأردني للبحر الميت فرصة لإجراء محادثات مباشرة، لكن لم ترد أنباء عن أي اجتماع بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.

وقال أمير عبداللهيان "نحن مستعدون للتعاون مع جميع دول المنطقة بما في ذلك دول جنوب الخليج". كما تعهد الوزير السعودي في خطابه بدعم بغداد، دون الإشارة إلى العلاقات مع إيران.

واستضاف العراق خمسة اجتماعات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين منذ العام الماضي، كان آخرها في أبريل الماضي، لكنها لم تسفر عن أي انفراجة في تهدئة التوترات في العراق أو أي بلد آخر.

وعلى الرغم من تشديد أمير عبداللهيان على الحوار، فإنه سلط الضوء أيضا على دور إيران في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، مشيرا إلى قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة مسيّرة في بغداد في يناير من العام 2020.

وفي الوقت الذي تحدث فيه الوزير الإيراني في مؤتمر الأردن، أشار إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس متحدثا في طهران، إلى السعودية قائلا إنها "لا تستحق أن تكون عدوا".

وتصاعدت التوترات بين إيران والسعودية منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران، حيث طالب الحرس الثوري الرياض بالسيطرة على إعلامها. وحذر وزير المخابرات الإيراني المملكة من عدم وجود ما يضمن استمرار طهران في "صبرها الإستراتيجي".

وكان اجتماع الثلاثاء متابعة لتجمع في بغداد العام الماضي يهدف إلى إظهار الدعم للعراق الذي تعصف به الأزمات، من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية وتغير المناخ والفساد وعدم الاستقرار، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن العراق يرفض التدخل في شؤونه الداخلية أو النيل من سيادته أو الاعتداء على أراضيه، مضيفا أنه يرفض في الوقت نفسه أي تهديد ينطلق من أراضيه على أي من دول الجوار أو المنطقة.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن على الدول التركيز على الأمن والاقتصاد والمياه والبنية التحتية لدعم المشروعات الملموسة لدى الجميع. ولم يذكر أمثلة على مجالات للتعاون، مضيفا "معا، علينا أن نتجاوز الانقسامات الحالية"، مؤكدا أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تفاقم الوضع في المنطقة.

واختتم اجتماع الأردن الذي نظمته فرنسا بهدف دعم الاستقرار في العراق والمنطقة بصفة عامة، أعماله الثلاثاء دون أي أنباء عن اجتماع ثنائي بين السعودية وإيران.

لكن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أعلن الأربعاء أنه أجرى "حديثا وديا" مع نظيره السعودي على هامش القمة الإقليمية في الأردن، في خطوة تأتي بعد تلميح طهران إلى دور للرياض في الاحتجاجات التي تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ أشهر.

وأبدت إيران والسعودية في أول لقاء مباشر بين وزيري خارجيتهما على هامش قمة الأردن، انفتاحهما على مواصلة المفاوضات غير المباشرة المتوقفة منذ أشهر، بسبب خلافات بين القوتين الإقليميتين من جهة، وجراء تردي الوضع الأمني والسياسي في العراق في الأشهر الماضية من جهة أخرى، حين تصاعد التوتر بين قوى الإطار التنسيقي (الذي يضم القوى الشيعية الموالية لإيران) والتيار الصدري، قبل أن ينسحب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من العملية السياسية لتؤول السيطرة والهيمنة إلى القوى المنافسة التي شكلت حكومة برئاسة محمد شياع السوداني.

واندلعت في إيران منذ السادس عشر من سبتمبر احتجاجات أعقبت وفاة الشابة الإيرانية - الكردية مهسا أميني بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق. وقضى العشرات، بينهم عناصر من قوات الأمن، في الاحتجاجات التي تخللها رفع شعارات مناهضة للسلطات.

واتهم مسؤولون إيرانيون "أعداء" الجمهورية الإسلامية، تتقدمهم الولايات المتحدة، بالضلوع في الاحتجاجات. كما تحدّثوا عن دور للسعودية، الخصم الإقليمي لإيران، خصوصا عبر وسائل إعلام ناطقة بالفارسية خارج طهران، تعتبرها "معادية" وتتهمها بتلقّي تمويل من الرياض.

وكتب عبداللهيان تغريدة على حسابه بتويتر "حضرت مؤتمر 'بغداد 2' في الأردن لنؤكد دعمنا للعراق، وعلى هامش الاجتماع أتيحت لي الفرصة أيضا للحديث الودي مع بعض نظرائي، ومنهم وزراء خارجية عمان وقطر والعراق والكويت والسعودية".

وأضاف في تغريدته المنشورة بالعربية "أكد لي الوزير السعودي (الأمير فيصل بن فرحان) استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إيران".

ومثّل كل من أمير عبداللهيان والأمير فيصل بن فرحان بلديهما في "مؤتمر بغداد 2" الذي استضافه الأردن بمشاركة العراق ودول الجوار، إضافة إلى فرنسا.

وبدأ الخصمان الإقليميان عقد حوار في بغداد اعتبارا من أبريل 2021، سعيا لتحسين العلاقات المقطوعة بينهما منذ مطلع 2016، إلا أن الحوار دخل في حال من المراوحة في الأشهر الماضية، وأجريت آخر جولة معلنة منه في أبريل 2022.

وعلى الرغم من إعلان بغداد في يوليو التحضير للقاء علني بين وزيري الخارجية الإيراني والعراقي، فإنه لم يتم إلى الآن تحديد موعد للقاء كهذا، أو الكشف علنا عن جولات حوار إضافية.

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قد دعا السعودية في نوفمبر إلى تغيير سلوكها "غير الودي" حيال بلاده، مؤكدا أن طهران ستواصل اتباع المسار الدبلوماسي مع الرياض. وكرر مسؤولون إيرانيون انتقاد المملكة منذ بدء الاحتجاجات.

وقال وزير الأمن (الاستخبارات) إسماعيل خطيب إن في الاحتجاجات "كانت يد النظام السعودي تشاهد بوضوح في إنفاق الأموال"، وذلك في حوار مع موقع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي نشر في التاسع من نوفمبر.

وأضاف بشأن السعودية "إنّ مصيرنا وسائر دول المنطقة مترابط"، محذرا من أن "أي انعدام للاستقرار في دول المنطقة يمكن أن يسري إلى الدول الأخرى، وإنّ أي زعزعة للاستقرار في إيران قد تسري إلى دول المنطقة".

كما وجّه قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي أواخر أكتوبر تحذيرا إلى "السعودية ووسائل الإعلام التي تحت سيطرتها"، مضيفا "أنتم الذين تحرّضون الناس وتزرعون بذار الفتنة (...) فكروا بما يمكن أن يحصل لكم".

وتساند كل من السعودية وإيران أطرافا متقابلة في صراعات بأنحاء المنطقة، من بينها في سوريا واليمن. واستضاف العراق خمسة اجتماعات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين منذ العام الماضي في محاولة لتهدئة التوترات، وكان آخر تلك الاجتماعات في أبريل.

وسعى الأوروبيون إلى استكشاف الموقف الإيراني من إحياء الاتفاق النووي بعد أن تعثرت المفاوضات النووية غير المباشرة في فيينا، في حين تراجع الاهتمام بدفع جهود إنعاش الاتفاق في مقابل تركيز أوروبي على القمع الدموي للاحتجاجات وملف المعتقلين الأجانب الذين تحتجزهم طهران، وبعضهم يواجه اتهامات بالضلوع في ما تسميه السلطات الإيرانية بـ"مؤامرة خارجية".  

وحمّل الوفد الإيراني القوى الغربية المسؤولية عن تعثر المفاوضات، مبديا في الوقت ذاته انفتاحا على إعادة إنعاش المحادثات، لكن واشنطن قالت إنها لا تركز في هذه الفترة على إعادة إحياء المفاوضات، بينما ترخي أعمال العنف والقمع بحق المحتجين الإيرانيين بظلال ثقيلة على استئناف محادثات فيينا، في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الشريكة في "خطة العمل المشتركة" الانخراط في سياسة العقوبات على الجمهورية الإسلامية، دون أثر يكبح أنشطة طهران النووية ولا حملة القمع المستمرة.