قمة أردوغان - السيسي: مرحلة جديدة من العلاقات بشعار "التعاون التنافسي"

تجنب عناصر الخلاف القديم والتركيز على التعاون الاقتصادي والتجاري.
الخميس 2024/09/05
هل تم تجاوز الأزمة

أنقرة / القاهرة- استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أنقرة الأربعاء، في أول زيارة له إلى تركيا منذ توليه السلطة قبل عشر سنوات، ما شكل تطورا لافتا في العلاقات بين البلدين التي قد تنتقل من الخصومة إلى الشراكة الاقتصادية.

وحرص أردوغان والسيسي على عدم الإشارة إلى عناصر الخلاف القديمة، والتركيز على التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو عنوان الزيارة الرئيسي، مع إعلان مواقف عامة وبشكل بروتوكولي بشأن موضوع غزة أو ليبيا.

وبدا الرئيس التركي أكثر وضوحا حين قال إنه يرغب في توطيد العلاقات مع مصر في قطاعي الغاز الطبيعي والطاقة النووية، و”سنواصل علاقاتنا متعددة الأبعاد مع مصر وفق أساس الربح المتبادل”، ما يعني أن عناصر الخلاف القديم لم تعد تعني أنقرة، خاصة موضوع الإخوان الذي بات من الماضي.

◄ الزيارة ركزت على المسار التعاوني، عقب خصومة تواصلت منذ الإطاحة بتنظيم الإخوان قبل اثني عشر عاما

وقال الرئيس المصري “زيارتي لتركيا تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية والتجارية وشهدنا ازدهارا مستمرا في التواصل بين الشعبين خلال السنوات الماضية”، في إشارة ضمنية إلى تسوية ملفات الخلاف أو انتفاء مبرراتها السياسية.

ومر موضوع الخلاف بشأن ليبيا عرضيا، حيث أشار إليه الرئيس المصري بالقول إنه “بحث الأزمة في ليبيا مع أردوغان”.

وأكدت الاستعدادات الدقيقة للزيارة أن تركيا كانت تنتظر وصول السيسي، للتدليل على وجود تغير حقيقي في توجهاتها الخارجية التي شهدت تحولات مهمة مؤخرا، من أبرزها الانفتاح على كل من السعودية والإمارات، والشروع في تطبيع العلاقات مع سوريا، في إطار مساع من أردوغان لتنشيط الدور التركي في المنطقة وتجاوز مرحلة توتر العلاقات بين بلاده وبقية بلدان الإقليم.

وكتب الرئيس السيسي على حساباته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنا مع وصوله إلى  أنقرة، “أعرب عن سعادتي البالغة بزيارتي الأولى للجمهورية التركية، ولقائي مع الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث تجمع بين دولتينا العريقتين علاقات تاريخية وشعبية متأصلة الجذور، كما تربطهما علاقات سياسية قوية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد الزعيم المؤسس مصطفى كمال أتاتورك”.

وأسفرت الزيارة عن التوقيع على 20 اتفاقية لتعزيز العلاقات المشتركة، وإحياء المجلس الإستراتيجي رفيع المستوى، بصيغة تهدف إلى رفع مستوى التجارة من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار.

وركزت الزيارة على المسار التعاوني، عقب مرحلة قاسية من الخصومة سادت بين البلدين منذ الإطاحة بتنظيم الإخوان من السلطة في القاهرة قبل اثني عشر عاما، وهو التعاون الذي يخدم توجهات البلدين من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية.

ويمكن أن يسلك التعاون العسكري طريقا متطورا عبر إبرام صفقات السلاح، خاصة في مجال الطائرات المسيرة التي توضع في مرتبة متقدمة من التعاون بين الدولتين.

وقال الخبير في الشؤون الدولية بشير عبدالفتاح إن “زيارة السيسي إلى تركيا عبرت عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات، بعد الانتقال إلى دبلوماسية القمة وتوابعها، ما يشكل نقلة نوعية تتضاعف أهميتها مع إحياء المجلس الإستراتيجي الأعلى رفيع المستوى، والذي يرمي إلى تعميق التعاون، على أن يبدأ ذلك في التنفيذ بشكل سريع دون عقبات، ما يمهد لانتقال العلاقات الاقتصادية إلى التنسيق الإستراتيجي بين البلدين”.

بشير عبدالفتاح: زيارة السيسي إلى تركيا عبرت عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات
بشير عبدالفتاح: زيارة السيسي إلى تركيا عبرت عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “قدرة البلدين على تجاوز الرؤى المتباينة في ملفات مثل ليبيا وشرق البحر المتوسط تتوقف على الانطلاق من المواقف المتقاربة بين البلدين في القضية الفلسطينية والأزمة في كل من الصومال والسودان، للبناء عليها في قضايا أخرى، ودعم التنسيق بما يقود إلى عدم مساس أحدهما بمصالح الآخر، ما يحول علاقة التنافس السابقة القائمة على التصعيد إلى التعاون التنافسي”.

وأشار إلى أن البلدين يدركان إمكانية التحرك في دوائر معينة من دون أن يقود ذلك إلى صدام، وأن التعايش بينهما سيكون ممكنًا في أزمات مثل ليبيا عبر البحث عن نقاط الالتقاء، التي تتمثل في تجنيبها الحلول العسكرية وتعزيز التسوية السياسية.

ولا يزال ملف شرق المتوسط بحاجة إلى توافر إرادة سياسية تركية لإعادة تعيين حدودها البحرية وفقًا لاتفاقيات البحار المنصوص عليها دوليا، وقد تضمن مصر لها الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط والحصول على امتيازات دون الاعتداء على حقوق الآخرين.

وأكد الباحث في مركز تحليل السياسات بإسطنبول محمود علوش أن زيارة السيسي وضعت العلاقات بين البلدين على طريق التعاون القائم على التنسيق بين المؤسسات الرسمية عبر المجلس الإستراتيجي رفيع المستوى، ومهمته وضع خارطة طريق لبناء علاقات وطيدة ومتعددة الأوجه بين البلدين.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن ملف التعاون في الصناعات الدفاعية نقطة ارتكاز رئيسية بينهما، خاصة أن الزيارة ستمنح دفعة لدعم الثقة والتقارب بين الدولتين، لأن تصوراتهما ليست متطابقة في بعض القضايا الإقليمية، لكن هناك إمكانية لتحقيق درجة عالية من التناغم، بالشكل الذي يحوّل المنافسة إلى “تعاون تنافسي”.

وشدد على أن قيام تركيا بدور الوساطة بين إثيوبيا والصومال يمنح فرصة للقيام بدور مماثل بين أديس أبابا والقاهرة بشأن أزمة سد النهضة، إذا نجحت في مهمتها الأولى، مشيرا إلى نتائج التطورات في الشرق الأوسط بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة، وتصاعد المخاطر الإقليمية، واحتمال حدوث تحولات عالمية كبيرة بين قوى مختلفة، فضلا عن تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية، وما تفرزه الانتخابات الأميركية، وكلها محددات سوف ترخي بظلالها على طبيعة التقارب المصري – التركي.

ولدى دوائر سياسية في كل من القاهرة وأنقرة قناعة بأن ملف الإخوان طوي ولم يعد يحظى بأهمية على أجندة العلاقات المشتركة، بعد وضعه على الرف السياسي في أنقرة، حيث اتخذت تركيا نهجا مختلفا في تعاملها مع الجماعة منذ الحديث عن تطبيع العلاقات بين البلدين، وسعت أنقرة للحد من أنشطة الجماعة على أرضها، وحدث تراجع في تأثير التنظيم على ديناميكية العلاقات بين البلدين.

كما أن تركيا تحاول الاستفادة من أخطائها السابقة عبر الحفاظ على علاقات وطيدة مع الدول الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط بعيدا عن شكل علاقتها بجماعة الإخوان.

1