قلق في مصر من الخطر الأمني والاجتماعي لتصعيد الحرب

القاهرة- يستبعد المصريون أن يمتد التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران إلى بلادهم بشكل من الأشكال في ظل انفتاحهم على إيران، لكن ذلك لا يمنع وجود مخاوف في القاهرة من المخاطر الأمنية التي قد تتزامن مع التصعيد وخروج الحرب عن نطاقها الحالي، أي القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل.
ويرى مراقبون أن برود العلاقة بين مصر وإسرائيل وكذلك مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الفترة الأخيرة يجعلها تبدو طرفا محايدا ما يعيق انتقال التوترات إليها. لكن استشعار الخطر لا يرتبط بالحرب في حد ذاتها، ولكن من تداعياتها داخل مصر خاصة مع حديث عن تدفق إسرائيليين إليها هربا من الحرب، ما قد يدفع مجموعات متطرفة إلى استغلال الوضع الأمني الملتبس لتنفيذ عمليات انتقامية من إسرائيليين.
ويمكن أن تعمد خلايا نائمة لمجموعات مصرية متطرفة إلى تنفيذ عملية أو عمليتين تحت يافطة الانتقام من إسرائيل، لكن الهدف هو إحراج نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والتشكيك في قدرته على ضبط الوضع الأمني وضمان حياد مصر في هذا الوضع الحساس. كما يمكن أن تتسلل عناصر خارجية لتنفيذ عملية انتقامية ضد إسرائيليين سواء أكانت إسلامية متشددة على ارتباط بداعش أو القاعدة أو عناصر شيعية تتحرك ضمن سلسلة الانتقام الإيراني المنتظر في حال اتسعت دائرة الحرب.
برود العلاقة بين مصر وإسرائيل وكذلك مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الفترة الأخيرة يجعلها تبدو طرفا محايدا ما يعيق انتقال التوترات إليها
وأثار وزير خارجية مصر وأمين عام جامعة الدول العربية سابقا عمرو موسى في تغريدة نشرها على موقع إكس لغطا سياسيا وشعبيا، بسبب تحذير مفاجئ منه حول خطورة التداعيات التي يمكن أن تنجم عن احتدام الحرب بين إسرائيل وإيران، مقترحا دعوة مجلس الأمن القومي المصري إلى الانعقاد العاجل.
وهذه من المرات النادرة التي يتطرق فيها عمرو موسى إلى دعوة المجلس للانعقاد، والتعامل مع التطورات الإقليمية بهذه الدرجة من الوضوح، ما حمل تقديرات متفاوتة داخل مصر، بعضها أن البلاد لن تكون بعيدة عمّا يجري في المنطقة، وبعضها الآخر قال إن الرجل حصل على معلومات تفيد بتأزم الأوضاع في مصر وحولها.
وتأتي الخطورة من إمكانية تضافر الأزمة الاقتصادية المزمنة مع تطورات خارجية عاصفة تربك الوضع في مصر.
وتعامل متابعون بجدية مع تغريدة عمرو موسى على إكس بعد أن وجدت اهتماما في وسائل إعلام قريبة مصرية، وأضفيت عليها جدية مضاعفة بسبب قناعة كثيرين بأن ما يجري في المنطقة لن تكون مصر بمنأى عنه، في خضم رغبة لإعادة تشكيل خارطة منطقة الشرق الأوسط، وتدجين قواها التقليدية أو النيل منها إذا لم تنخرط في منظومة تريد الولايات المتحدة تشكيلها عبر حروب شنتها وتشنها إسرائيل، خاصة أن القاهرة زادت من انفتاحها على طهران مؤخرا، وشهدت العلاقات بينهما نموا ملحوظا في اللقاءات والاجتماعات والاتصالات والزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين.
وفسّر المتابعون الدعوة العاجلة إلى انعقاد مجلس الأمن القومي، من عمرو موسى وهو ليست له صفة رسمية في مصر حاليا، على أنها إشارة بعدم وضع كل الخيوط في سلة جهة واحدة في الدولة، وضرورة وجود مناقشة وطنية وصريحة وواضحة لطبيعة التحديات، قبل أن تحدث تطورات يصعب التعامل معها.
وقال موسى إن “الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران، وإرهاصات التدخل المباشر للدول العظمى أو بعضها، تطرح تهديداتٍ خطيرة للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، تتأثر به دوله ومجتمعاته” لافتا إلى أن “مصر والشعب المصري ليسا بعيدين عن ذلك.”
وأشار إلى أن على رأس مسؤوليات مجلس الأمن القومي مواجهة الأزمات بشتى أنواعها التي تهدد أمن البلاد، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار التي تهدد أمن مصر في الداخل والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدي لها.
ومجلس الأمن القومي لا ينعقد كثيرا في العلن، وهو مجلس نص على تشكيله الدستور المصري في المادة 205. وصدر بإنشائه قرار جمهوري بالقانون رقم 19 لسنة 2014 في عهد الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور في فبراير 2014.
ويرأس المجلس رئيس الدولة، وعضوية كل من: رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء: الدفاع، والداخلية، والخارجية، والمالية، والعدل، والصحة، والاتصالات، والتعليم، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب.
قرب الانخراط الأميركي بكثافة في الحرب إلى جانب إسرائيل يترك تأثيرات أمنية عديدة على دول المنطقة، بما يحوّل الساحة إلى صراعات إقليمية متباينة
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن القاهرة تراقب عن كثب تداعيات ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط بأكمله، وليس فقط على صعيد الحرب بين إسرائيل وإيران، وأن التحركات الأميركية في المنطقة تشير إلى أن الأهداف الخفية أكبر من هذه الحرب وتصب في صالح إعادة هندسة المنطقة، وهو ما تتحسب منه مصر، وتضع في الحسبان مردوداته الأمنية والشعبية عليها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تشكيل لجنة إدارة أزمة من جانب رئيس الحكومة المصرية مؤخرا خطوة مهمة يمكن أن تعقبها خطوات لمواجهة التهديدات المحتملة، وأن المخاوف لا تقتصر على إمدادات السلع والوضع الاقتصادي، لكن أيضا نتائج الحرب على الأمن القومي المصري مباشرة، وكذلك أمن دول الخليج العربي.
وأشار إلي أن قرب الانخراط الأميركي بكثافة في الحرب إلى جانب إسرائيل يترك تأثيرات أمنية عديدة على دول المنطقة، بما يحوّل الساحة إلى صراعات إقليمية متباينة، وهو ما يدفع نحو توالي التحذيرات من خبراء ومسؤولين كبار سابقين، وسط غموض يكتنف التنسيق الحالي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الغربية.
وعقدت لجنة الأزمات المصرية، الأربعاء، اجتماعها الأول لمتابعة تداعيات العمليات العسكرية في المنطقة، وبحثت الاحتياطيات الإستراتيجية من السلع، وناقشت سيناريوهات التعامل مع المستجدات.
وترأس رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي الاجتماع، وطمأن المواطنين على توافر السلع المختلفة في الأسواق، ووجود احتياطي إستراتيجي يكفي لعدة أشهر، وأن حكومته تحركت لمناقشة تداعيات الأزمة الحالية في المنطقة، لاسيما في ما يتعلق بإمدادات الوقود وزيادة مخزون البلاد من جميع السلع الأساسية.
كما تحدث عن تفاقم الأوضاع والتوترات التي شهدتها المنطقة الأيام الماضية، وموقف مصر الرافض لتوسيع دائرة الصراع في الإقليم، وضرورة وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على مختلف الجبهات الإقليمية، وأن استمرار التصعيد ستكون له أضراره الجسيمة على شعوب المنطقة كافة دون استثناء، بل العالم بأسره.
وتشكلت “لجنة أزمات” مؤخرا لمتابعة تداعيات العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران، في إطار الاستعداد لمواجهة أيّ مُستجدات في قطاعات مختلفة.