قلق في سوريا من أسلمة الدولة واستفراد هيئة تحرير الشام بالحكم

تسارع هيئة تحرير الشام إلى اتخاذ إجراءات لترسيخ سلطتها في البلاد ونشر موظفيها في جميع المناطق بينما تزداد المخاوف داخليا وخارجيا من نهج سياسي إقصائي لباقي المكونات ما يفتح الباب لفوضى لا تُعرف نتائجها.
دمشق- تثير إجراءات إدارة العمليات العسكرية في سوريا بقيادة أحمد الشرع، مخاوف السوريين من عملية إقصاء باقي المكونات بسبب فرض الفصائل سلطتها على الدولة السورية بنفس السرعة الخاطفة التي سيطرت بها على البلاد، ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطة وسلمت السلطة لحكومة مؤقتة وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا كان حكام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد.
ومنذ أطاحت هيئة تحرير الشام تحت قيادة الشرع وبدعم تحالف من قوات معارضة ببشار الأسد من السلطة الأحد الماضي، انتقل موظفوها الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يديرون إدارة إسلامية في زاوية نائية من شمال غرب سوريا إلى مقر الحكومة في دمشق.
وكان تعيين محمد البشير، رئيس حكومة هيئة تحرير الشام في إدلب، رئيسا للحكومة السورية المؤقتة الاثنين بمثابة تأكيد على مكانة الهيئة باعتبارها الأقوى بين الفصائل المسلحة التي حاربت لأكثر من 13 عاما لإنهاء عهد الأسد الذي حكم بقبضة من حديد.
ورغم أن الهيئة كانت تابعة لتنظيم القاعدة قبل فك الارتباط معها عام 2016، فقد نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والسوريين عموما خلال زحفها إلى دمشق بأنها ستحمي الأقليات، وقد حظيت بدعم واسع النطاق. وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدم مقاتلي المعارضة. ويكرر الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.
ورغم ذلك، فقد ساور البعض القلق من الطريقة التي اتبعتها هيئة تحرير الشام في تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين إن لديهم مخاوف إزاء شمول العملية حتى الآن.
وأعرب وسام بشير (28 عاما)، متحدثا في مقهى بدمشق، عن قلقه “بسبب الأشياء التي أراها… مثل الحكومة الجديدة، وانتشار أعلام إسلامية.”
وعندما تولى منصبه هذا الأسبوع، ظهر وراء البشير علمان، العلم الأخضر والأسود والأبيض الذي رفعه معارضو الأسد طوال الحرب الأهلية، وعلم أبيض مكتوب عليه الشهادتين باللون الأسود، وهو عادة ما يرفعه المقاتلون الإسلاميون السُنة في سوريا. وظهر العلم الوطني السوري فقط خلفه في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة الأربعاء.
وقال زكريا ملاحفجي، أمين عام الحركة الوطنية السورية والذي عمل في الماضي مستشارا سياسيا للمعارضة في حلب، “أنت تأتي بلون واحد، من المفروض أن تتشارك مع الآخرين… هذه الطريقة ليست صحيحة، المفروض أن تأتي القوى السياسية العسكرية كلها إلى الطاولة وترتب وتوضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين، هذا يعطي دعما للحكومة.” وأضاف “المجتمع السوري مجتمع متعدد الثقافات، بصراحة ذلك مقلق.”
ورغم أن هيئة تحرير الشام هي الأبرز بين الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا.
وقال يزيد صايغ، وهو زميل أول بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، إن هيئة تحرير الشام “تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات”، مضيفا أن أي مجموعة في موقفها، تتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بنفس الطريقة.
وأضاف “هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد هيئة تحرير الشام للأولويات ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك. أحد هذه المخاطر هو إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي.”
لكنه ذكر أن تقديراته تشير إلى أن تنوع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ، مضيفا أن تركيا، الداعم المؤثر للمعارضة، حريصة أيضا على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي.
وأفاد مصدر من المعارضة مطلع على مشاورات هيئة تحرير الشام بأن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في حكومة تصريف أعمال. وأوضح المصدر أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسيا أم برلمانيا.
وقال محمد علاء غانم وهو ناشط سوري بارز مقيم في واشنطن وعلى اتصال بشخصيات بارزة من المعارضة، إن هيئة تحرير الشام مطالبة بأن “تتحلى بالذكاء وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح، لا أن يتملكها الغرور وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة.”
وحثت الإدارة الأميركية هيئة تحرير الشام على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، وإنما تبني عملية لا تقصي أحدا لتشكيل حكومة انتقالية. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى “حكم موثوق وشامل وغير طائفي” بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.
ويدعو هذا القرار، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، إلى عملية بقيادة سورية تتولى الأمم المتحدة تسهيلها، والتأسيس لحكم غير طائفي في غضون ستة أشهر وتحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد. كما يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة.
مخاطر متعددة تكمن في تحديد هيئة تحرير الشام للأولويات وإنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي في ثوب إسلامي
وقال دبلوماسي في دمشق إن هيئة تحرير الشام هي الفصيل الوحيد الذي يجتمع مع البعثات الأجنبية. وأضاف “نحن قلقون، أين كل قادة المعارضة السياسية؟ سيكون وجودهم هنا بمثابة إشارة رئيسية، لكنهم ليسوا هنا.”
وذكر دبلوماسي ثان أن هيئة تحرير الشام نقلت رسائل جيدة إلى الجمهور، لكن النطاق الذي كشفته الأيام الماضية لمدى تضمين الجميع في هذه المرحلة جاء مثيرا للانزعاج. ويجب أن يكون تعديل الدستور، على وجه الخصوص، عملية شاملة وسيكون اختبارا كبيرا حقا.
ولفت الدبلوماسي إلى أن وجود العديد من الفصائل الأخرى التي لم تتخل عن سلاحها أو تسرح عناصرها يمثل عاملا مزعزعا للاستقرار إذا لم تكن العملية شاملة.
وقال جوشوا لانديس، الخبير في الشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إن الشرع “يجب أن يرسخ سلطته بسرعة لمنع الانزلاق إلى فوضى… لكن عليه أيضا أن يسعى لتدعيم قدرته الإدارية من خلال إشراك تكنوقراط وممثلين من مختلف الأطياف.”