قلق في تونس بسبب تراجع معدلات الخصوبة

انخفاض نسبة الخصوبة في تونس يعود بالأساس إلى مؤشرات تتعلق بعدم رغبة الشباب في إنجاب عدد كبير من الأطفال.
الجمعة 2025/04/11
التنظيم العائلي ساهم في تراجع الخصوبة

تونس ـ أرجع مختصون تراجع معدّل الخصوبة في تونس إلى جملة من المؤشرات الاجتماعية والديموغرافية والثقافية تتعلق أساسا بعوامل الهجرة وارتفاع نسب الطلاق وتأخر سن الزواج. وخلال أشغال مائدة مستديرة بعنوان “قراءة في التحوّلات الديموغرافية في تونس من منظور المساوة بين الجنسين”، التأمت بمركز الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، أوضح الرئيس المدير العام للديوان محمد الدوعاجي أن من أسباب انخفاض معدل الخصوبة، ارتفاع نسق هجرة التونسيين إلى الخارج وتزايد نسب الطلاق من جهة وتراجع نسب الزواج من جهة أخرى.

وقدّر المتحدّث أن معدّل الخصوبة من المستحسن أن يترواح بين 2 و2.4، للحفاظ على تركيبة ديموغرافية شابة.

ورأى الخبير الدولي في شؤون السكان والتنمية حافظ شقير أن انخفاض نسبة الخصوبة في تونس يعود بالأساس إلى مؤشرات تتعلق بعدم رغبة الشباب في إنجاب عدد كبير من الأطفال وميلهم إلى الحصول على استقلالية أكثر.

ولفت إلى أن معدل الخصوبة في تونس حاليا يتراوح بين 1.7 و1.6 خلال سنة 2023، ويعد معدلا منخفضا غير أنه يبقى جيدا مقارنة بمعدّلات البلدان الأوروبية، وقدّر أن هذه النسبة قابلة للارتفاع في السنوات القادمة لكنها لن تتجاوز 2 في المئة، وذلك بالاعتماد على مؤشر القيم التي يتبناها الشباب على غرار الرغبة في تحقيق مشاريعهم الذاتية ومواصة التعليم والدراسة بدل الدخول في مؤسسة الزواج.

وأشار إلى أن معدل الخصوبة بدأ في الانخفاض في أوائل القرن العشرين، كنتاج لعدة عوامل منها وضع برنامج التنظيم العائلي فضلا عن الدور المحوري للإعلام في التثقيف والتوعوية وانتشار التعليم وتغير التركيبة الأسرية، مؤكّدا على أهمية الإبقاء على برنامج التنظيم العائلي من أجل تثقيف الشباب عن الحياة الجنسية والإنجابية واستعمال وسائل الحماية لضمان تباعد الولادات وضمان صحة جيدة للأم بدلا من تلقي معلومات خاطئة عن الجنسانية من الإنترنت والأقران في الوقت الذي يجب أن تكون العائلة والمعلم والممرض مصادر للحصول على هذه المعلومات.

من المستحسن أن يترواح معدّل الخصوبة بين 2 و2.4، للحفاظ على تركيبة ديموغرافية شابة

واعتبرت الباحثة في العلوم الاجتماعية درة محفوظ في مداخلتها حول “المعايير الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية من منظور النوع الاجتماعي”، أن تونس كانت رائدة في تدعيم حقوق النساء بعد الاستقلال من حيث الوصول إلى مراكز القرار والتشغيل، إلا أن هذه المؤشرات لا تصل إلى مستوى طموحات النساء في الوقت الراهن لأنه “لم نصل بعد إلى تحقيق المساواة بين الجنسين.” وأضافت أن نسب الفقر والبطالة في صفوف النساء أكثر من الرجال (مرتين أكثر من الرجال)، مشيرة إلى ارتفاع نسب جرائم القتل والعنف المسلط ضد النساء.

وأكدت أن الرجال يمتلكون امتيازات تجعلهم لا يقبلون فكرة تفوق النساء وحصولهن على نفس الحقوق، إضافة إلى مزاحمتهن لهم في سوق الشغل والنجاح في الجامعة (66 في المئة من الطلبة هم إناث).

وتساهم هذه العقلية الذكورية التي تريد السيطرة على النساء ومحافظة الرجال على امتيازاتهم، حسب المتحدثة، في تدني نسب ولوج النساء لمراكز القرار وممارسة العمل السياسي وعدم قدرتهن على مواصلة التعليم الجامعي أو القبول بأعمال مهنية لا تتوافق مع شهائدهن العلمية وكفاءتهن.

وكان تقرير المعهد الوطني للإحصاء لعام 2024 قد كشف عن تحولات ديموغرافية واجتماعية بارزة في تونس، أبرزها ارتفاع متوسط سن الزواج إلى 34.5 عاما للرجال و28.8 عاما للنساء.

كما كشف التقرير عن زيادة حالات الطلاق إلى أكثر من 14 ألف حالة سنويا، مع تراجع معدل الخصوبة إلى 1.7 طفل لكل امرأة وانخفاض الولادات من 225 ألفا في 2014 إلى 160 ألفا في 2023.

وأشار التقرير إلى تزايد شيخوخة المجتمع، حيث بلغت نسبة كبار السن 15.2 في المئة ومن المتوقع أن تتجاوز 17 في المئة بحلول 2029.

بدورها كانت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن أسماء الجابري قد كشفت أنّ “نسبة الزيجات شهدت تراجعا خلال ثماني سنوات.”

زيادة حالات الطلاق إلى أكثر من 14 ألف حالة سنويا، مع تراجع معدل الخصوبة إلى 1.7 طفل لكل امرأة

وأشارت الوزيرة خلال افتتاح ورشة عمل حول “الانطلاق في إعداد خطة وطنية حول التماسك الأسري”، إلى أنّ نسبة الزيجات تقلّصت من 2.02 في المئة سنة 2013 إلى 1.21 في المئة سنة 2021.

وحسب وزيرة المرأة، فقد ارتفع معدّل سن الزواج فيما تراجع معدّل الخصوبة إلى 1.82 في المئة، مقابل ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع التونسي.

ولفتت الجابري إلى أنّ “الوزارة تدعم تماسك الأسرة وتهدف إلى تعزيز صمودها أمام تفاقم الظواهر الاجتماعية التي تهدّدها.”

ووضعت وزارة المرأة، وفق الوزيرة، جملة من برامج الإدماج الاجتماعي والاقتصادي الموجّهة إلى أفراد الأسرة تراعي خصوصياتهم بهدف بناء أسرة مستقرة ومتوازنة.

وأوضحت الجابري أنّ “هذه البرامج تتمثّل في التربية على ثقافة تقاسم الأدوار ونبذ أشكال العنف الذي تفشّى خاصة في الوسط الأسري بشكل ملحوظ وترسيخ الخطاب الإيجابي لتحقيق الإدماج الاجتماعي للأسرة.”

كما تقوم البرامج، وفق الوزيرة، على “إعداد الشباب للحياة الزوجية من خلال التثقيف المالي والتنشئة على القيم والثوابت المجتمعية والحقوقية والابتعاد عن الظواهر الاجتماعية السلبية الخطيرة خاصة مناهضة الإدمان بجميع أشكاله بما في ذلك الإدمان الإلكتروني”.

ووفق إحصائيات أعلنتها وزارة العدل في ديسمبر 2023، فإنّ أحكام الطلاق الصادرة خلال السنة القضائية 2021 – 2022 وصلت إلى 14 ألفا و706 أحكام طلاق.

ويحذّر خبراء علمي النفس والاجتماع من تأثير شبكات التواصل على تزييف العلاقات الاجتماعية والأسرية.

ويعيد البعض الارتفاع اللافت في نسب الطلاق في المجتمع التونسي إلى هشاشة مؤسسات الزواج في سنواتها الأولى.

ويعود تراجع معدّلات الزواج ، حسب خبراء، إلى عدة عوامل بينها الاقتصادية خاصة مع ارتفاع تكلفة الزواج والمعيشة في تونس، إضافة إلى خيار استكمال كل مراحل الدراسة بالنسبة إلى البعض

16