قلق في السليمانية من تنامي الوفاق الثلاثي بين بغداد وأنقرة وأربيل

زيارة مسعود بارزاني إلى بغداد غطت بالكامل على زيارة قام بها بافل طالباني في نفس التوقيت.
السبت 2024/07/13
عدو بارزاني صديقي

توليفة العلاقات الفريدة التي يعمل الحزب الديمقراطي الكردستاني على إنشائها داخليا وخارجيا عبر التقارب مع أبرز الأحزاب والقوى الحاكمة في العراق والتوافق مع تركيا وتمتين الصلات بإيران، تثير قلق غريمه حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي يخشى أن تكون تلك العلاقات على حسابه وأن تؤدي إلى تراجع مكانته.

السليمانية (العراق) - تسير عملية المصالحة الجارية بين قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وأبرز القوى الشيعية القائدة للدولة العراقية في غير مصلحة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس الأبرز للحزب الديمقراطي.

ويخشى حزب الاتّحاد الذي يقوده ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، والذي شهد خلال السنوات الأخيرة صراعات داخلية وانقسامات في صفوفه، أن يجري التقارب المتسارع بين زعامات الحزب الديمقراطي من أفراد أسرة بارزاني وقيادات الأحزاب والفصائل الحاكمة في بغداد على حساب مكانته في قيادة الإقليم وحصصه في مؤسسات الدولة الاتّحادية.

وما يكرّس تلك الخشية هو توسيع أفراد أسرة بارزاني لدائرة علاقاتهم لتشمل إيران الأقرب تقليديا لحزب الاتحاد الوطني، وتركيا التي جعلت، بالرغم من عدائها القومي للأكراد ومناهضتها الشديدة لإنشاء أي كيان سياسي خاص بهم في المنطقة، من الحزب الديمقراطي الكردستاني شريكا اقتصاديا لها، وحوّلته مؤخرا إلى حليف متعاون معها في حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني التي تدور أبرز فصولها داخل أراضي كردستان العراق.

هيوا محمد: اتفاق ثلاثي بين أربيل وبغداد وأنقرة بشأن مواجهة حزب العمال
هيوا محمد: اتفاق ثلاثي بين أربيل وبغداد وأنقرة بشأن مواجهة حزب العمال

وبدأت الحرب التركية ضد حزب العمّال تجلي ملامح وفاق ثلاثي بين بغداد وأنقرة وأربيل (معقل الحزب الديمقراطي) في تكريس واضح لعزلة حزب الاتّحاد الوطني المتهم أصلا من قبل تركيا باحتضان مقاتلي الحزب المعارض لنظامها وإيوائهم في مناطق نفوذه بالسليمانية وتسهيل إمدادهم بالسلاح.

واستجابت الحكومة العراقية قبل عدّة أشهر للطلب التركي بتصنيف حزب العمال تنظيما إرهابيا، وبدأ موقفها الجديد من الحزب يجد ترجمة له على أرض الواقع حيث بدت بغداد بصدد التغاضي عن العملية العسكرية التركية الجارية حاليا على مساحات شاسعة من الشمال العراقي، في وقت تتواتر فيه الأنباء عن تعاون فعّال بين الجيش التركي والأجهزة الأمنية والاستخبارية التابعة للحزب الديمقراطي في العملية المذكورة.

وتحدّث هيوا محمد القيادي في حزب الاتحاد الوطني عن وجود “اتفاق ثلاثي بين أربيل وبغداد وأنقرة” بشأن تقدم الجيش التركي داخل أراضي كردستان العراق.

وقال، الجمعة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية إنّ “القوات التركية توغلت في دهوك وزاخو والعمادية”، مضيفا قوله “ناشدنا منذ أسابيع وحذرنا من دخول الجيش التركي إلى الإقليم، ولم نسمع أي ردود أفعال من قبل حكومتي أربيل وبغداد، ووصلنا إلى نتيجة هي أن القوات التركية دخلت الأراضي العراقية”.

ونبّه إلى أن “القوات التركية تتقدم يوما بعد آخر نحو مراكز مدن إقليم كردستان”، مشيرا إلى أنّ “هذه التحركات العسكرية بدأت في سوريا حتى وصلت إلى العراق”.

وتابع القول “الآن نحن في بداية الاحتلال التركي ويجب ألا يتكرر السيناريو التركي في سوريا على أراضي كردستان”، معتبرا أن “نوايا سياسية أخرى للحزب الديمقراطي الكردستاني”، تقف وراء تعاون حزب بارزاني مع القوات التركية.

ومثّلت الزيارة التي قام بها زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني مؤخّرا إلى بغداد منعطفا جديدا نحو تحسين العلاقة بين الحزب وغالبية القوى الشيعية المشكّلة لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والمنضوية ضمن الإطار التنسيقي الذي يعتبر بدوره جزءا من تحالف إدارة الدولة الذي يضمّ قوى أخرى من ضمنها الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وحين كان بارزاني في بغداد بصدد إجراء اتصالات كثيفة وموسّعة مع عدد كبير من أبرز مسؤولي الدولة الاتحادية وقادة الأحزاب السياسية، في أجواء من الحفاوة الاستثنائية التي ميّزت الزيارة، كان زعيم حزب الاتّحاد الوطني بافل طالباني موجودا بدوره في بغداد في زيارة لم تسلّط عليها الأضواء واقتصرت لقاءات طالباني خلالها على عدد محدود من قادة القوى الشيعية أبرزهم قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق.

وقالت مصادر عراقية واكبت الزيارة إنّ بارزاني استثنى من أجندته اللقاء بزعيم حزب الاتحاد الوطني على الرغم من أن الأخير جزء من تحالف إدارة الدولة.

ومايزال زعيم العصائب يمثّل أبرز حليف لحزب طالباني ضمن القوى النافذة في الحكومة الاتّحادية والأكثر قربا من مواقفه.

ودعا الخزعلي، الجمعة، الحكومة التركية إلى سحب قواتها العسكرية من العراق. وقال في بيان صحفي إننا “ندين بشدة عملية التوغل التركي الأخيرة، في أراضي بلدنا”، وحذر من محاولات استغلال الحرب على حزب العمال “كذريعة لاحتلال أجزاء من كردستان العراق، وإيجاد خط حدود جديد باقتطاع مساحات شاسعة من الأراضي العراقية”.

كما دعا “حكومة إقليم كردستان إلى التنسيق مع الحكومة الاتحادية، لاتخاذ موقف موحد يضع حدا للأطماع التركية”.

وتمرّ العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني منذ سنوات بمرحلة توتّر شديد وخلافات حادّة بشأن العديد من المسائل السياسية والمالية والأمنية.

وجود تركي خارج القواعد

وجعلت تلك التوترات من الساحة الحزبية في الإقليم أشبه بمثيلتها في مناطق العرب السنّة في العراق، حيث أدى الصراع المتواصل بين الأحزاب والشخصيات الممثلة للمكوّن السني إلى إضعافها جميعا والحدّ من دورها في العملية السياسية لمصلحة القوى الشيعية الحاكمة التي كثيرا ما
تتحوّل إلى حَكَم بين تلك القوى والشخصيات المستعدة لإبرام اتّفاقات وعقد صفقات على حساب أبناء مكوّنها وفي مقابل الحصول على حصص ضئيلة من المناصب الوزارية والإدارية للدولة.

وتتجاوز تبعات الصراع بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق حدود الساحة العراقية لتكتسي بعدا إقليميا، إذ تساهم في إضعاف ممانعة التدخلات الخارجية وتفتح الباب لتدخّل كل من إيران وتركيا اللتين تتسابقان على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية في الإقليم.

وتمكنت تركيا من تطوير علاقات متينة مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني استثمرتها في تحصيل مكاسب اقتصادية تمثّلت بالخصوص في الاستفادة من النفط الخام المنتج في إقليم كردستان العراق والذي ظل على مدى سنوات يصدّر إلى الخارج عبر ميناء جيهان التركي، قبل أن يتم وقف تدفقه بعد كسب دعوى دولية رفعتها بها بغداد ضد أنقرة.

لكنّ المصلحة الأهم التي تسعى تركيا لتحقيقها من خلال تقاربها مع أفراد أسرة بارزاني القائدة للحزب الديمقراطي، تتمثّل في استثمار نفوذ حزبهم ومقدرات الإقليم التي يتحكّمون فيها من خلال سيطرتهم على أهم مواقع السلطة في الإقليم، في حربها ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض لنظامها والمصنّف إرهابيا من قبلها والذي يتخّذ من مناطق شمال العراق ملاذات له ومنطلقا لعملياته ضدّ القوات التركية التي لم تنجح في اجتثاثه طيلة أربعة عقود من الصراع المسلّح ضدّه.

تركيا تمكنت من تطوير علاقات متينة مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل تحصيل مكاسب اقتصادية

وتلقي الخلافات بين الحزبين الكرديين بظلالها على مؤسسات الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق المنقسمة بينهما كما هو الشأن بالنسبة إلى قوات البيشمركة التي يتبع فرع منها للحزب الديمقراطي ويتبع فرع ثان لحزب الاتّحاد الوطني.

كما عطّلت تلك الخلافات إعادة تشكيل برلمان الإقليم المعطّل منذ سنة 2022 بسبب التأجيل المتكرّر للانتخابات التشريعية والناتج عن خلافات الحزبين بشأن القوانين والإجراءات الانتخابية.

وتمتد صراعات الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني وتأثيراتها إلى خارج حدود الإقليم. ويتنافس الطرفان بشدّة في الوقت الحالي على المواقع في السلطة المحلية بكلّ من محافظتي نينوى وكركوك بشمال العراق.

ويعمل حزب الاتّحاد في الوقت الراهن على منع توافق الحزب الديمقراطي مع قوى عربية وتركمانية ضدّه في تشكيل الحكومة المحلية في كركوك.

ونقلت وسائل إعلام عراقية، الجمعة، عن مصدر سياسي قوله إنّ الاتّحاد الوطني بات يخشى “ذهاب الديمقراطي الكردستاني في تحالف مع الكتل العربية والتركمانية وتقاسم المناصب في كركوك”.

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد دعا مجلس محافظة كركوك لعقد جلسته الأولى في محاولة لتشكيل الحكومة المحلية المعطلة رغم مضي عدّة أشهر على إجراء الانتخابات المحلية في البلاد.

وقال المصدر إن مخاوف حزب الاتحاد من تمرير توافقات على حسابه دفعته بادئ الأمر إلى اتّخاذ قرار بمقاطعة الجلسة، قبل أن يعود عن قراره بعد أن تلقى تطمينات من جهات حزبية نافذة في بغداد.

3