قلق فرنسي من تراجع أدوار واشنطن في الشرق الأوسط

المنامة - ما زال تغيير الولايات المتحدة لسياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط في عهد الرئيس دونالد ترامب، خاصة بعد سحب قواته من سوريا أو بعد الاعتداءات الإيرانية على منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية، يلقي بظلاله ويثير جدلا واسعا دوليا وإقليميا.
وفي هذا الصدد أعربت وزيرة الجيوش الفرنسيّة فلورانس بارلي السبت عن قلقها من تبعات ما اعتبرته تراجعا “تدريجيا ومتعمدا” للدور الأميركي في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنّ تجنّب الرد على اعتداءات في الخليج اتُّهمت إيران بالوقوف خلفها، ولّد أحداثا “خطيرة”.
ومنذ مايو، تشهد المنطقة توتّرا متصاعدا على خلفية هجمات غامضة ضد ناقلات نفط وضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية.
وقد اتهمت واشنطن ودول أخرى إيران بالوقوف وراء هذه الاعتداءات، لكن على الرغم من هذه الاتهامات والحوادث، وبينها إسقاط طائرة مسيّرة أميركية، تجنّبت الولايات المتحدة الرد بالمثل.
وقالت بارلي في خطاب خلال مؤتمر “حوار المنامة” السنوي “رأينا عدم انخراط أميركي تدريجيا متعمّدا”، مضيفة أن هذه السياسة “كانت مطروحة على الورق” لفترة من الوقت لكنّها أصبحت أكثر وضوحًا مؤخّرا.وتابعت قائلة “عندما مضى تلغيم سفن دون رد، أُسقطت الطائرة دون طيار. وعندما حدث ذلك دون رد، قُصفت منشآت نفطية رئيسية. متى تتوقّف هذه الأحداث؟ أين الأطراف التي تفرض الاستقرار؟”.
وذكرت بارلي أن “المنطقة معتادة على انحسار التدخل الأميركي ثم تزايده. لكن هذه المرة بدا الأمر أكثر خطورة”.
ورأت الوزيرة أنّ التراجع الأميركي يمضي ضمن “مسار بطيء”، مذكّرة بمرور حاملة طائرات أميركية وسفن أخرى مرافقة لها هذا الأسبوع في مضيق هرمز الاستراتيجي.
وقالت “لكن الاتجاه واضح، كما أعتقد، بصرف النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة”.
وفي استعراض للقوة، عبرت حاملة الطائرات أبراهام لينكولن والمجموعة المرافقة لها الثلاثاء المضيق الاستراتيجي.
وبحسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يعود آخر عبور لمضيق هرمز من قبل حاملة طائرات أميركية إلى أبريل.
من جهته، رفض وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير الحديث عن انسحاب أميركي من المنطقة، مؤكّدا أن “لا شك” في وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها.
وقال “الولايات المتحدة حليف يمكن الاعتماد عليه إلى حد كبير، كما كان على مدى العقود السبعة الماضية”.
ليس هناك “أي شك” حيال الجهة التي تقف خلفها. وتابع “لقد قلنا طوال الوقت إننا لا نريد الحرب”.
في السياق ذاته، وضعت وزيرة الدفاع الفرنسية نفسها على النقيض مع الولايات المتحدة بشأن أمن الملاحة في الخليج، بعدما أطلقت واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر تحالفًا بحريًا مقره البحرين لحماية الممرات البحرية في المنطقة.
وقالت بارلي إنّ فرنسا تؤيّد مهمة أوروبية منفصلة، من المفترض أن تبدأ “قريبًا جدًا”. وأوضحت “نريد أن نوضح أن سياستنا مغايرة لسياسة الضغوط القصوى الأميركية” على إيران.
وكانت فرنسا وبريطانيا اقترحتا في يوليو بناء تحالف لحماية السفن في الخليج، لكن لندن انضمت في ما بعد إلى التحالف الذي أطلقته الولايات المتحدة هذا الشهر ويضم أستراليا والولايات المتحدة ودولا خليجية بينها السعودية.
وفي خطابها، تحدّثت بارلي أيضًا عن احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية مرة جديدة في سوريا، واعتبرت أنّ هذا الموضوع “خط أحمر” بالنسبة إلى فرنسا.
وقالت “نعم هناك خطر حدوث ذلك وعندما تنظر إلى محافظة إدلب فهناك خطر كبير. أنا مقتنعة بأنه إذا تم استخدام هذه الأسلحة مرة أخرى، فإن فرنسا ستكون مستعدة للرد”.
كما تطرّقت بارلي إلى التوترات حيال حلف شمال الأطلسي “ناتو”، معتبرة أنّه يظل حجر الزاوية للأمن في أوروبا لكن “حان الوقت للانتقال من الموت السريري إلى التخطيط”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثار جدلاً في وقت سابق من هذا الشهر عندما قال إنه يعتقد أن الناتو مات سريريا، معربًا عن أسفه لعدم التنسيق بين أوروبا والولايات المتحدة، وذلك في مقابلة مع مجلة “الإيكونوميست”.
وذكرت بارلي أنّ قمة الحلف في لندن في ديسمبر المقبل ستتخلّلها اقتراحات “للتفكير في مستقبل الناتو”.