قلق غربي من الوضع السياسي والمالي المأزوم في ليبيا

عبّر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن قلقهما مما يحدث في المشهد السياسي الليبي بسبب قرار تغيير إدارة مصرف ليبيا المركزي وارتداداته السياسية، وسط تأكيد على ضرورة مراجعة الإجراءات الأحادية التي من شأنها أن تساهم في تغذية الانقسام والتوتر بين الفرقاء الليبيين، وتضع البلاد في منطقة مجهولة.
طرابلس - تنامى منسوب قلق العواصم الغربية من ضبابية المشهد الليبي، خصوصا بعد قرار تغيير إدارة مصرف ليبيا المركزي، الذي يرى مراقبون أنه سيغذي الانقسام بين الفرقاء الليبيين ويساهم في المزيد من تفاقم الأوضاع السياسية والمالية نحو الأسوأ. ويتمسك المجلس الرئاسي الليبي بقراره في حل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، رغم الاعتراضات الواسعة على ذلك، والتي انضمت إليها الأمم المتحدة.
كما أعلن أمام الرأي العام الوطني والدولي تمسكه بتنفيذ القرار الصادر عن مجلس النواب منذ ست سنوات، والمتعلق بعزل محافظ المصرف الصديق الكبير. ويرى متابعون للشأن الليبي أن تهديد النظام السياسي القائم يمكن أن يدفع ليبيا صوب المزيد من الفوضى والصراع، ويجعل إمكانية تحقيق تقدم سياسي واقتصادي بعيدة المنال.
كما حذّروا من أن الأوضاع في ليبيا تتجه إلى المزيد من العنف، حيث تتصاعد حدة المنافسة بين الفصائل السياسية والتشكيلات المسلحة من أجل السلطة والسيطرة على الثروات النفطية.
وتضمن قرار المجلس الرئاسي بإعادة تشكيل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي ثمانية أعضاء بينهم نائبان للمحافظ الجديد محمد عبدالسلام الشكري هما مرعي مفتاح البرعصي وعبدالفتاح الصغير عبدالغفار، وعضوية كل من “وكيل وزارة المالية وفتحي عبدالحفيظ المجبري وأبوبكر محمد الجفال وفاخر مفتاح بوفرنة ووسام الساعدي الكيلاني وحسين مصطفى مادي الشيخ".
وأعرب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن قلق الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء من أن “الإجراءات الأحادية الجانب يمكن أن تعمق الانقسام في البلاد وتهدد وحدته واستقراره".
وقال أورلاندو إثر لقاء وزير الخارجية بالإنابة الطاهر الباعور في طرابلس الثلاثاء، “اتفقنا على أهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار وحيادية المصرف المركزي". وأضاف في تغريدة عبر منصة “إكس”، “دعوت جميع الأطراف المعنية إلى الامتناع عن المبادرات غير المنسقة ودعم جهود البعثة الأممية لتعزيز الحوار الشامل وإعادة إطلاق العملية السياسية".
وجاءت تصريحات أورلاندو بالتزامن مع تأكيد القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، في إحاطتها الدورية الثانية التي قدمتها إلى مجلس الأمن بشأن تطورات الأوضاع في ليبيا، “زيادة التوترات في ليبيا عقب محاولات عزل محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة”، محذرة من أن الإجراءات الأحادية من جهات أمنية وسياسية تقوض الاستقرار في البلاد.
والاثنين، أكد القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت أهمية تجاوز التوترات وتعزيز الحوار والتوافق بين الأطراف الليبية بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمجتمع الدولي.
وجاء ذلك خلال لقاء مع وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها وليد اللافي، هو الثاني للمسؤول الأميركي مع مسؤول بحكومة الدبيبة الثلاثاء. من جهتها اعتبرت واشنطن أن الخلاف حول مصرف ليبيا المركزي سيقود البلاد نحو وجهة مجهولة من شأنها أن تعمق المناكفات السياسية بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.
واعتبرت جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية أن حالة الجمود المضطربة التي تشهدها ليبيا منذ سنوات بدأت تتجه صوب مرحلة جديدة من انعدام الاستقرار، وذلك في أعقاب سلسلة من التحركات قامت بها النخبة السياسية، أبرزها النزاع للسيطرة على المصرف المركزي. وأفادت في تقرير نشرته الأربعاء، أن “إزاحة محافظ المصرف المركزي من منصبه من شأنه أن يضع ليبيا في منطقة مجهولة. ومن غير المرجح أن تعترف المؤسسات المالية الدولية بمحافظ جديد جرى تنصيبه بالقوة".
ودفع انتشار التشكيلات المسلحة خارج المصرف المركزي المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إلى إصدار بيان يصف التهديدات الموجهة لموظفي البنك وعملياته بأنها “غير مقبولة”، محذرًا من أن “محاولة الإطاحة بقيادة البنك قد تقطع وصول ليبيا إلى الأسواق المالية الدولية".
وتقول أوساط سياسية إن المرسوم الذي أصدره المجلس الرئاسي الاثنين، بشأن إقالة الصديق الكبير من منصبه محافظًا للمصرف المركزي كان بلا قوة قانونية. وأيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها مرسوم المجلس الرئاسي، وأعلن تعيين مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي، يستلم مهامه الأربعاء.
وأشارت الجريدة الأميركية إلى أن المصرف المركزي ليس الساحة الوحيدة حيث تصاعدت التوترات بين شرق وغرب البلاد مجدًا خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع إغلاق حقل الشرارة النفطي، الأكبر في البلاد، على يد قوات تابعة لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، الذي حرك أيضًا بعض قواته في غرب البلاد. كما أعلن مجلس النواب في الشرق أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة باتت حكومة غير شرعية.
وأضافت الجريدة أن "الفشل في إجراء الانتخابات ترك السلطة في أيدي أشخاص يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم فاسدون وليس لديهم حافز كبير لتغيير الأمور. كما أن الجماعات المسلحة والمقاتلين الأجانب، بما في ذلك من روسيا، راسخون بعمق. لقد تآكلت البنية التحتية والاقتصاد الليبي أو ركدا". كما أشارت إلى غياب أي إجماع يذكر بين اللاعبين الدوليين المشاركين في ليبيا، بما في ذلك تركيا وروسيا والإمارات ومصر، حول كيفية انتشال ليبيا من مستنقعها.
والقرار الصادر عن المجلس الرئاسي بتاريخ 12 أغسطس الجاري ينص على تعيين محمد الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، وهو ما سبق أن أقرّه مجلس النواب في يناير 2018، وتم رفضه من القوى الفاعلة داخليا وخارجيا، سواء عبر التشكيك في شرعية البرلمان، أو من خلال فرض سلطة الأمر الواقع بما يخدم مصالح أطراف تدافع بقوة عن الصديق الكبير الذي كان قد تولى منصب المحافظ منذ 12 أكتوبر 2011.
وفي يناير 2014 كان مجلس النواب المنعقد في طبرق قد أصدر القرار رقم 17 بتعيين علي سالم حبري نائب المحافظ بالقيام بأعمال ومهام واختصاصات محافظ مصرف ليبيا المركزي إلى حين اختيار محافظ جديد.