قلق على مسار المحادثات النووية يحمل الرئيس الإيراني إلى سلطنة عمان

مسقط – وصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الثلاثاء إلى مسقط في خطوة تعكس تصاعد القلق الإيراني من تعثر مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي، خاصة وأن الزيارة تأتي في ظل جمود نسبي تشهده المحادثات التي توقفت عند تشبث إيران برفضها شرط “صفر تخصيب” الذي وضعته الولايات المتحدة .
ويتخذ القلق الإيراني شكل المبادرة لا الانكفاء وهو ما يعني أن طهران حريصة على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة وعلى تمكين الدور العماني الذي يكتسب خصوصية في إدارة ملفات بالغة الحساسية والتعقيد.
ويحمل التحرك الإيراني نحو سلطنة عمان رسائل مزدوجة، فمن جهة تسعى طهران لتأكيد انفتاحها على الحوار وتفاعلها الإيجابي مع جهود الوساطة الإقليمية ما يعطيها هامش مناورة دبلوماسيا أمام المجتمع الدولي.
بزشكيان يحاول عبر زيارة مسقط كسر صورة العزلة التي تحاول بعض الأطراف فرضها على إيران سياسيا واقتصاديا
ومن جهة أخرى، تحاول إيران عبر هذه الزيارة كسر صورة العزلة التي تحاول بعض الأطراف فرضها عليها سياسيا واقتصاديا.
ورغم أن المحادثات النووية تدار على المستوى الدبلوماسي الدولي، إلا أن الملف يحمل أبعادا داخلية حساسة بالنسبة إلى النظام الإيراني.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتراجع قيمة العملة المحلية وتزايد الاحتجاجات الشعبية في بعض المدن، تجد الحكومة الإيرانية نفسها مضطرة لتحريك مسارات التهدئة مع الغرب بحثا عن أيّ انفراجة اقتصادية قد تنعكس على الداخل.
وأشاد الرئيس الإيراني خلال لقائه مع سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد بالدور النشط والبناء للسلطنة في عملية المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن، معربا عن أمله في أن تؤدي هذه العملية إلى نتائج جيدة.
وينظر مراقبون لإشادة بزشكيان بالوساطة العمانية على أنها تكتيك دبلوماسي لتحفيز مسقط على تكثيف جهودها وتوسيع دورها في المرحلة المقبلة، وللظهور بمظهر الطرف المرن والمتجاوب الذي مازال حريصا على المسار الدبلوماسي.
وأفادت “إرنا” بأن الرئيس بزشكيان أكد خلال هذا اللقاء على استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتوسيع التعاون مع سلطنة عُمان في جميع المجالات؛ قائلا “إننا مستعدون لبذل كل ما في وسعنا من أجل عزة المسلمين وعظمتهم.” وتابع “لكل منا قدرات من شأنها أن توظف لرفاهية وتقدم بعضنا البعض وشعوب المنطقة الأخرى، وفي مثل هذه الظروف لن تتمكن أيّ قوة أجنبية من الهيمنة على الشعوب المسلمة.”
ولا يقتصر القلق الإيراني على الجمود التفاوضي، بل يتسع ليشمل التهديدات الإسرائيلية المتكررة بشن ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية واحتمالات التصعيد في المنطقة.
وأشار السلطان هيثم إلى العلاقات الأمنية والعسكرية القائمة بين بلاده والجمهورية الإسلامية، وأكد أنه في مجال المفاوضات أيضا تتابع مسقط المسار بجدية، وتعتبر نجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية نجاحا للمنطقة.
وأعرب السلطان هيثم عن تقديره لثقة قائد الثورة الإسلامية بوساطة عمان في عملية المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، مؤكدا أن السلطنة في هذه العملية لا تسعى وراء أيّ مصلحة شخصية، وقد دخلت فيها بحسن النية فقط.
وقبيل مغادرته طهران باتجاه مسقط، قال بزشكيان إن الزيارة تهدف إلى إقامة علاقات “أعمق وأفضل” مع الجيران، بمن فيهم سلطنة عُمان، بحسب بيان لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
وأضاف أن “تعزيز السلام والهدوء في المنطقة ومواجهة الجرائم التي تجري في غزة من بين المجالات التي يمكن متابعتها خلال هذه الزيارة والوصول إلى لغة ورؤية مشتركة في هذا الصدد.”
لا يقتصر القلق الإيراني على الجمود التفاوضي، بل يتسع ليشمل التهديدات الإسرائيلية المتكررة بشن ضربات استباقية ضد المنشآت النووية
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي الاثنين “من الطبيعي أن تتم خلال هذه الزيارة مناقشة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.”
والمحادثات التي بدأت في 12 أبريل، بوساطة عُمانية، هي الأعلى مستوى بين البلدين منذ انسحاب واشنطن خلال الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015.
وانتهت الجولة الخامسة من المحادثات الجمعة في روما دون تحقيق تقدم يذكر، لكن الطرفين أبديا استعدادهما لمواصلة المناقشات.
والأحد، أعلن ديوان البلاط السلطاني أن الزيارة تأتي “توطيداً لعلاقات الصّداقة الطيّبة الممتدّة بين سلطنة عُمان وإيران، ودعماً لأوجه التعاون الثنائيّة القائمة بينهما،” وفق ما نقلته وكالة الأنباء العمانية.
وكتب وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي الجمعة على منصة إكس أن الجولة الخامسة اختتمت “ببعض التقدم لكنه ليس حاسما.”
من جهته، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحد الجولة بأنها “جيدة جدا.” وقال دبلوماسيون إيرانيون الاثنين إنه لم يتم تحديد موعد جديد بعد، مستبعدين أيّ احتمال لتعليق تخصيب اليورانيوم من أجل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
وعشية زيارة بزشكيان إلى سلطنة عُمان، توجه وفد تجاري يضم 85 عضوا من القطاع الخاص الإيراني إلى مسقط، وفق ما نقلت وكالة “مهر” الإيرانية للأنباء.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية الأحد أن رئيس البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين توجّه إلى سلطنة عمان، من أجل لقاء محافظ البنك المركزي العُماني ومناقشة سبل تعزيز التعاون النقدي والمصرفي بين البلدين.