قفص ليس على مقاسهن
كلمات غريبة تتناقض حروفها وتتفق في معناها، تصب في بوتقة فارغة المحتوى تروج لمقولة أن البنت مخلوقة للبيت والزواج، منذ نعومة أظفارها تحاصر الطفلة الأنثى بالعديد من الكلمات على شاكلة “عقبال زواجها، نفرح بها، بيت العدل، أشوفك عروسة”.
وكأن البنت خلقت للزواج فقط، وكأنها وعاء حمل لا أكثر، هي في نظرهم موهوبة للزواج والإنجاب كمن يعيش العمر من أجل نبوءة عرافة، معللين الأمر بأن الزواج سنة الحياة، متناسين أن الفتاة مخلوق مستقل، كائن له مطلق الحرية في الحب والاختيارات والحياة كما يريد وليس تابعا يعيش وفقاً لقاموس مفردات وضعها أحدهم كرداء فضفاض يتسع للجميع دون تمييز.
منذ الصغر تجد الفتاة من حولها جنوداً يسعون متطوعين لتهيئتها نفسيا وجسديا كي تكون مصدرا لإمتاع الرجل، ثم تتحول الدفة وبوصلة النظر إلى الحث على الإشفاق عليها إذا ما تأخر بها سن الزواج، كما لو كانت غير المتزوجة منقوصة أو معيبة. دون أن يتوقف أحد ليسأل الفتاة ذاتها عن رغبتها بالزواج من عدمها.
وإذا ما ظهر للفتاة ذلك الانتفاخ الصدري، واكتست ملابسها باللون الأحمر كزائر شهري يكشف عن بلوغ طبيعي وتطور جسدي ليس بالضرورة أن يكون دعوة للزواج، تعتبر الكثير من الأمهات الأمر بمثابة جواز مرور لكلمات تحث على الزواج، الذي ربما لا ترغب فيه الفتاة، وإنما تتمنى الحياة بشكل آخر قد يفيد مجتمعها ومحيطها المحلي والدولي، فقد تكون عالمة ذرة، أو طبيبة بارعة، أو كيميائية تكتشف دواء لمرض نادر.تمارس “فعل الحياة” دون قيد أو شرط، تشتبك ثقافياً واجتماعياً وحضاريا مع حضارات وثقافات وبيئات أخرى، فقد تفلح في ما عجز عنه الرجال، وما الضير في ذلك، هل تحاسب قمعيا فقط لأنها أنثى؟
ليت الأمهات يرحمن بناتهن من الزج بهن في حياة لا يرغبن فيها، حياة هي بالنسبة لهن سجن يتقن الفرار منه، حاملات لقب لا ذنب لهن فيه، غير أن مجتمعهن دفعهن لحياة لا فكاك منها.
الكثير من الفتيات يرغبن في التحقق ذاتيا واجتماعيا بعيدا عن حياة حتماً ستنتهي بأبغض الحلال كون صاحبتها لا ترغب في اقتسام تفاصيل تريدها أحادية المشهد. ربما يفوق حلم الزواج وتكوين حياة أسرية لدى بعضهن كل الأحلام بل تحيا على هذا الحلم وحده، تقتاته في أيام لا يملؤها سوى الفراغ، تتخيل له عدة مذاقات تشبه قهوة الصباح. لكنه ليس بالضرورة أن يكون حلم الجميع، قد يتفوق عليه الاستقرار المادي أو الاجتماعي والوجاهة، أو التحقق العملي لدى أخريات.
ليتنا نسأل الفتاة قبل تصويب سهامنا تجاهها هل تريد الزواج من الأساس أم لا ترغب فيه؟ حتى لا نتحمل وزرها، لأن بعض الفتيات قد لا يرغبن في الزواج ولا يغريهن القفص الذهبي الذي تعد الأم العربية ابنتها له منذ الميلاد ولا يهدأ لها بال حتى تدخله الفتاة طائعة أو راغمة.
هي حالات فردية وليست ظاهرة ولكنها على كل حال جديرة بالاهتمام فإحدى صديقاتي لا تشكو زوجها، بل على العكس تعتبره رجلا بمعنى الكلمة ورغم ذلك بعد أن أنجبنت طفلة سارعت بطلب الطلاق، واحتار الجميع معها، ولكنها قالت لا أقدر على قيود ومتطلبات الحياة الزوجية، ولا أرغب فيها، ولا أعيب على زوجي شيئا ولكنني تزوجته لإرضاء عائلتي، والآن لا أريد إلا إرضاء نفسي، كل ما أتمناه أن أصبح أما مثالية بعد فشلي في أن أكون زوجة طبيعية.
لا تختلف صديقتي عن الكثيرات اللاتي جهرن الآن بأسماء مستعارة على صفحات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك وتويتر، من خلال مجموعات تحمل عنواناً غريباً على مجتمعاتنا مثل “عانس وافتخر”، “لا أريد الزواج”، “الحياة دون زوح أحلى”.
ومازلت أحلم بتأكد الأباء من رغبة أبنائهم في الزواج وتعمير الأرض، وإلا فليكفوا عن الضغط عليهم ويرحموهم من حياة قد لا يطيقونها.