قفزات أسعار الفائدة تترك آثارا قاسية على الأسواق

يراقب المحللون التأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تخلفها المستويات التاريخية لأسعار الفائدة على العديد من القطاعات الحيوية، ما يجعلها تتعرض للمزيد من الألم خلال المرحلة المقبلة، في ظل غياب حلول جذرية وسريعة لأسوأ أزمة يمر بها الاقتصاد العالمي.
لندن - بدأت الأسواق في حالة تأهب بشأن القطاعات التي ستتعثر في ظل أكبر قفزة في أسعار الفائدة منذ عقود، مع تحركات كبيرة هذا الشهر في بلدان كثيرة مثل بريطانيا والنرويج للتذكير بأن التشديد لم ينته بعد.
ويحذر صندوق النقد الدولي من أن البنوك المركزية على مستوى العالم قد تحتاج إلى وقت أطول لخفض التضخم وأن نوبة جديدة من الاضطراب المالي يمكن أن تجعل العملية أطول أمدا.
وعاد الاستقرار منذ اضطرابات البنوك في مارس الماضي، لكن أضواء التحذير تومض في أماكن أخرى والتوترات في روسيا توفر محفزا محتملا آخر للتوتر.
وفي ضوء الوضع الراهن الذي لا ينبئ بتحسن على المدى القريب خاصة مع نهاية عام 2023، ينظر المحللون إلى بعض نقاط الضغط التي قد تزيد الأمور سوءا.
ومثلما تعززت الآمال في إنهاء رفع أسعار الفائدة الفيدرالية لسوق الإسكان في الولايات المتحدة، تعاني العقارات السكنية الأوروبية من ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
وتشكل القفزة في أسعار الفائدة بالمملكة المتحدة إلى 5 في المئة من ربع نقطة مئوية قبل عامين عاملا يجعل الكثيرين في مأزق حقيقي.
ولذا سيضطر قرابة 2.4 مليون من أصحاب المنازل إلى التعامل مع الرهون العقارية الرخيصة ذات الأسعار الثابتة إلى معدلات أعلى بكثير بحلول نهاية عام 2024، وفقا لتقديرات هيئة التجارة المصرفية البريطانية.
وأعلنت جمعية البناء في بريطانيا تسارع وتيرة انخفاض أسعار العقارات خلال يونيو الماضي، مما يؤجج المخاوف بشأن تأثير ارتفاع معدلات الرهن العقاري في ظل ضغوط زيادة تكاليف المعيشة.
وذكرت الجمعية في مؤشرها الشهري أن الأسعار ارتفعت الشهر الماضي بنسبة بلغت 3.5 في المئة وهو أعلى معدل لها منذ 2009، مقابل 3.4 في المئة بنهاية مايو الماضي.
وتبدو السويد، حيث ارتفعت أسعار الفائدة فيها مرة أخرى الخميس الماضي، واحدة من الأسواق التي يجب مراقبتها مع تحرك الرهون العقارية لأصحاب المنازل بخطى ثابتة مع معدلات الفائدة.
ونسبت رويترز إلى ريتشارد بورتس، أستاذ الاقتصاد بكلية لندن لإدارة الأعمال، قوله إن أسواق الإسكان في منطقة اليورو تبدو وكأنها "تتجمد" مع تراجع المعاملات والأسعار.
وأضاف أنه “يمكنك توقع الأسوأ في عام 2024 عندما تظهر التأثيرات الكاملة لرفع أسعار الفائدة".
وبعد أن استفاد قطاع العقارات التجارية من حقبة معدلات الفائدة المنخفضة لاقتراض الكثير من الأصول وشراء الأصول العقارية، فإنه يكافح مع ارتفاع تكاليف إعادة تمويل الديون مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وقال توماس موندي، رئيس إستراتيجية أسواق رأس المال في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة العقارات جي.أل.أل، إن “أهم شيء هو أسعار الفائدة. لكن ليس فقط أسعار الفائدة، ما هو مهم بنفس القدر هو إمكانية التنبؤ بالمعدلات".
وأضاف "إذا استقرينا على الفائدة، يمكن أن تتكيف أسعار العقارات. ولكن حاليا، فإن التأخر في تعديل أسعار العقارات سيفرز لنا بيئة غير مؤكدة".
وأدت الديون المرتفعة والمعدلات المتزايدة والاقتصاد المتضائل في السويد إلى إنتاج “مزيج سام” من العقارات التجارية.
ويرى خبراء أن قرار بنك أتش.أس.بي.أس بترك منطقة المال والأعمال بكناري وارف في لندن والتحول إلى مكتب أصغر في المدينة يسلط الضوء على اتجاه تقليص حجم المكتب الذي يهز أسواق العقارات التجارية.
وفي خضم ذلك تظل البنوك في بؤرة الاهتمام مع تشديد شروط الائتمان. وقال فلوريان إيلبو، رئيس لومبارد أودييه مدير الاستثمار، "لا مكان للاختباء من هذه الظروف المالية المتشددة، فالقطاع المصرفي يشعر بضغط أي بنك مركزي في العالم".
وتمتلك البنوك نوعين من أصول الميزانية العمومية، وهي تلك المخصصة للسيولة، وتلك التي تعمل كمدخرات تهدف إلى كسب قيمة إضافية.
ويعتقد إيلبو أن ارتفاع المعدلات دفع بالعديد من قيمة هذه الأصول، أي ما بين 10 و15 في المئة، إلى أقل من سعر شرائها. وقال إنه “إذا احتاجت البنوك إلى بيعها، فستظهر خسائر غير محققة".
وأكثر الأصول المعرضة للخطر هي الأصول العقارية للبنوك. ويقول رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) جيروم باول إن الاحتياطي الفيدرالي يراقب البنوك “بحذر شديد” لمعالجة نقاط الضعف المحتملة.
وتبدو معايير الإقراض للأسرة العادية هي أيضا مصدر قلق. ويتوقع إيلبو أن يتوقف المستهلكون عن سداد مدفوعات القروض في الربعين الثالث والرابع من 2023. وأضاف “هذا سيكون كعب أخيل للقطاع المصرفي".
وفضلا عن ذلك كله فإن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر سلبا على الشركات مثل تكلفة ديونها، الأمر الذي يجعلها تعاني وفي الوقت ذاته تطارد فرص الابتعاد عن الخطر.
◙ ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر سلبا على الشركات مثل تكلفة ديونها، الأمر الذي يجعلها تعاني وفي الوقت ذاته تطارد فرص الابتعاد عن الخطر
وتتوقع وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية أن ترتفع معدلات تخلف الشركات الأوروبية ذات الدرجة الاستثمارية الفرعية عن السداد إلى 3.6 في المئة في مارس 2024، من 2.8 في المئة في مارس الماضي.
ويشير ماركوس ألينسباتش، رئيس أبحاث الدخل الثابت في جوليوس بيير، إلى وجود العديد من حالات التخلف عن السداد على مستوى العالم في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 كما كانت خلال عام 2022.
وتجري متاجر التجزئة الفرنسية كازينو محادثات مع دائنيها بشأن إعادة هيكلة الديون، فيما تكافح أس.بي.بي السويدية من أجل البقاء منذ أن هوت أسهمها في مايو بسبب مخاوف بشأن وضعها المالي.
وقال نك كرايمر من وكالة ستاندرد آند بورز "لقد بدأنا نشهد تفاقم الأزمة في مجال الشركات، خاصة في النهاية المنخفضة حيث يوجد لديك معظم ديون ذات معدل عائم".
ووسط ذلك هناك تداعيات فورية لأسواق السلع من النفط الخام إلى الحبوب، وهي الأكثر حساسية للتغيرات المحلية في روسيا.
كما أن تأثير الضربات، من ضغوط التضخم إلى النفور من المخاطرة في حالة حدوث تصعيد كبير، يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى على البلدان والشركات التي تشعر بالفعل بالحرارة من ارتفاع معدلات.
وقالت تينا فوردهام، الإستراتيجية الجيوسياسية ومؤسس شركة فوردهام غلوبال فوريسايت، "لم يعد بإمكان الرئيس فلاديمير بوتين الادعاء بأنه ضامن للاستقرار الروسي، ولن تحصل على هذا النوع من التجزئة والتحديات للنظام في نظام مستقر وشعبي".