قطيعة بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش رغم وضع لبنان الحرج

سلط البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الضوء في عظته الأحد على إحدى الإشكاليات التي تواجه المؤسسة العسكرية، وهي تعطل فتح أبواب الكلية الحربية للسنة الثانية على التوالي نتيجة خلافات بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش حول الفائزين بنتائج الاختبارات.
بيروت - تتراكم الخلافات بين وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية في لبنان، بدءا بقضية تعيين رئيس للأركان، والتي لا تزال تراوح مكانها في غياب مصادقة وزير الدفاع على التعيين رغم صدور مرسوم من الحكومة، وصولا إلى أزمة الكلية الحربية، حيث يرفض الوزير موريس سليم حتى الآن التوقيع على قائمة الناجحين في اختبارات الدخول إلى الكلية، بداعي أن تلك الاختبارات لم تراع المعايير المطلوبة وهو ما تنفيه قيادة الجيش.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن هناك اليوم أشبه بقطيعة بين وزير الدفاع وقيادة الجيش، الأمر الذي ينعكس سلبا على أداء المؤسسة العسكرية وعملها في ظل تحديات خطيرة تواجه لبنان لاسيما في علاقة بالتصعيد الجاري بين حزب الله وإسرائيل، والذي يخشى اللبنانيون من توسع نطاقه وتحوله إلى مواجهة شاملة.
وتشير إلى أن التيار الوطني الحر يستغل موقع وزير الدفاع الدستوري من أجل إحداث شلل في المؤسسة العسكرية وهذا أمر خطير خصوصا وأن البلاد تواجه شبح حرب، الأمر الذي يفرض المزيد من الالتفاف على المؤسسة بدلا من إضعافها.
وتلفت الأوساط ذاتها إلى أن تعطيل فتح الكلية الحربية من شأنه أن تكون له تأثيرات كبيرة على الجيش، حيث إن الفراغ الذي تخلفه سيفقد المؤسسة كوادر ستحمل المشعل مستقبلا. وحذر البطريك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد من “شغور آخر تبرز مخاطره في لبنان، وهو الشغور الذي سيلحق بالكلية الحربية، إذ للسنة الثانية على التوالي، لن يكون هناك تلامذة طلاب يلتحقون بها، ليكونوا استمرارية للجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك”. وقال الراعي إن “أي خلاف في وجهات النظر، سيؤدي إلى الوقوع في الشغور الثاني وبالتالي من سيحمي حقوق المقبولين من المرشحين؟”.
وناشد البطريرك الماروني “المعنيين بالأمر، والحكومة الإسراع بحسم الجدل، كي لا يدفع الشباب ثمن التباينات السياسية”، مضيفا “دعوتنا دائمة للشباب بأن ينتسبوا إلى الدولة وأن يكونوا أبناءها وحُماتها. لكن، كيف ندعو شبابنا إلى الدولة والدولة تقفل الأبواب بوجوههم؟ ثقتنا بالمسؤولين ودعوتنا لهم، أن يسرعوا بايجاد حل لفتح أبواب الكلية الحربية، كي لا نكون أمام شغور ثان لا يقل خطرا عن الشغور الأول”، في إشارة إلى رئاسة الجمهورية حيث يعاني لبنان من فراغ رئاسي منذ أكثر من عامين، نتيجة المناكفات بين القوى السياسية.
وتشكك الأوساط اللبنانية في أن تجد مناشدة الراعي صدى لها لدى وزير الدفاع الذي هو في واقع الأمر أسير أجندة قيادة التيار الوطني الحر، رغم أن الأخير يحاول نفي هذه التهمة عنه. وقال وزير الدفاع في حديث تلفزيوني سابق، إن “لا أسباب سياسية أو خلفيات لأي أداء يقوم به في وزارة الدفاع، لكن ما يحصل أن ثمّة ملفات سجل فيها تباينا مرتبطا أساسا بالمقاربة القانونية، وكل تخط للقانون وللمعايير القانونية لا يمكن أن يقبل به”.
وردا على سؤال عن أسباب عدم توقيعه نتائج اختبارات الكلية الحربية، في ظل قلق المرشحين لدخول الكلية، أجاب سليم “طرحت هذا الموضوع مع قائد الجيش، الذي شكا لي من تدني المستوى، مما اضطر القيادة إلى خفض العلامات ما أثر على مستوى المرشحين للدخول إلى الكلية الحربية. عندما وافقت على إطلاق دورة الكلية الحربية، وافقت على كل الأرقام التي رفعتها قيادة الجيش، ولكن تبين أن ليس كل الذين تم اختيارهم حازوا في المباراة على المستويات التي يجب أن تتوافر في الضباط الذين يتخرجون من الكلية الحربية لأن جميع الضباط المتخرجين كانوا مميزين ومستوياتهم تكون وفق حد أدنى يتم وضعه ليتناسب هؤلاء مع مستوى الجيش اللبناني”.
وأضاف “قلت لقائد الجيش إنكم لم تأخذوا العدد الكافي والمطلوب، وبالتالي فإن ثمة من فازوا في مباراة الدخول لن يكونوا واعدين وقادرين على أن يكونوا ضباطا في الجيش يخدمون بين 30 و40 سنة. وقلت أيضا إنه لا يجوز قبول ضباط في الجيش نعرف سلفا أن مستويات بعضهم غير عالية. وطرحت على قائد الجيش حلا يكون من خلال إطلاق دورة جديدة سيتقدم عليها شباب جدد ستكون لديهم مستويات أفضل، إضافة إلى قدرات فكرية أعلى. وبذلك، يكون لنا ضباط من مستويات جيدة، علما أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها قيادة الجيش إلى فتح دورة ثانية. لقد حصلت في السابق، ومنها الدورة التي تخرجت أنا منها”.
وتابع “هذا الحل يمكن اعتماده ليكون لدينا ضباط مميزون، والتجارب السابقة تؤكد إمكانية اللجوء إلى هذا الحل للمحافظة على مستوى الكلية الحربية. المهم في هذا المجال هو الأهلية، ولسنا مضطرين إلى خفض العلامات لقبول طلاب عندما تكون لدينا حلول أخرى”.
وأردف “إنني في مسألة المستوى والمعايير متشدد، ولن أقبل إلا بضباط أكفاء وأصحاب قدرات لينضموا إلى الكلية الحربية، هذا هو المبدأ الوحيد الذي أعتمده. واليوم، إذا رفع إلي قائد الجيش قراره بقبول دفعة ثانية، فأنا أوقع القرار فورا لأنه حل منطقي ويحفظ مستوى الضباط. أنا متشدد في هذا الموضوع، وليست هناك أي اعتبارات أخرى، ولا يوجد أي سبب ليرفض قائد الجيش هذا الاقتراح لأن ما أطرحه هو عملي”.
◙ إصرار موريس سليم على إعادة إجراء اختبارات جديدة هو ظلم بحق الفائزين في الاستحقاق كما أنه استنزاف للمزيد من الوقت بدون جدوى
ويرى مراقبون أن إصرار سليم على إعادة إجراء اختبارات جديدة هو ظلم بحق الفائزين في الاستحقاق كما أنه استنزاف للمزيد من الوقت بدون جدوى، ذلك أن الأمر سيتطلّب قرارا جديدا من مجلس الوزراء ووقتا إضافيا، وستكون النتيجة مماثلة أيضا بالنسبة للعدد والنتيجة.
وأعرب البعض عن دهشته من الثقة المفرطة التي يبديها وزير الدفاع حيال المتقدمين الجدد لدورة جديدة، في حال قبلت قيادة الجيش الخيار. وكانت قيادة الجيش أصدرت بيانا في وقت سابق شددت من خلاله على أنه لا مجال للتشكيك في نتائج الكلية الحربية وأنّ اللجنة الفاحصة المؤلفة من ضبّاط أكفّاء اعتمدت أعلى معايير الشفافية والموضوعية والعدالة بما يحفظ حقّ الطلاب الذين فازوا بالمباراة بكفاءة وجدارة.
وحذرت قيادة الجيش من مصير مجهول لـ118 طالبا فازوا بالتصنيف وهم بحاجة إلى توقيع وزير الدفاع الوطني للسماح لهم بالالتحاق بالكلّية الحربية، علما أن عددا منهم مسجّل في جامعات خاصة ويعجز عن اتخاذ قرار حول مستقبله، كما أن هذا التأخير في الالتحاق يؤدّي إلى إقفال الكلّية الحربية، وله انعكاسات سلبية على هيكلية المؤسسة وهرميتها.
يذكر أن العدد المطلوب الذي كانت أجازته الحكومة للمقبولين بالدخول إلى الكلية الحربية هو 173، لكن عدد الذين فازوا بالتصنيف ولم يحصلوا على أي علامة لاغية كان فقط 118، مع المحافظة على التوازن الطائفي (59 فئة أولى و59 فئة ثانية)، وقد وافق المجلس العسكري على النتيجة.