"قطر غيت" تستفز كبار المسؤولين الأوروبيين

روما - لا تزال فضيحة الفساد في البرلمان الأوروبي التي يعتقد المحققون فيها بأنها على صلة بقطر، تثير ردود فعل أوروبية تعبّر في مجملها عن حالة الصدمة التي أصابت الاتحاد الأوروبي، بسبب تسلل المال القطري إلى أكبر مؤسساته التشريعية ودائرة صناعة القرار، وسط دعوات متزايدة إلى الردّ بما يتناسب مع ما حدث سواء من خلال تبني إجراءات داخلية لتحصين المؤسسات الأوروبية من الاختراق المالي أو لجهة منع اللوبيات الأجنبية من التسلل إلى تلك المؤسسات، وفي مقدمتها الدوحة، التي وجهت لها أصابع الاتهام في الفضيحة المالية الأخيرة.
وقد دعا مسؤول أوروبي كبير الجمعة إلى ردّ فعل يتناسب مع حجم فضيحة الفساد التي تهز البرلمان الأوروبي، والتي أحدثت صدمة في الأوساط الأوروبية، لارتباطها أساسا بقطر وكيفية تسلل المال القطري لشراء ذمم مسؤولين ألقيت على عاتقهم مهمة قيادية، بما في ذلك صناعة القرار داخل أكبر الهيئات التشريعية الأوروبية.
ووصف باولو جنتيلوني، مفوض الاقتصاد بالاتحاد الأوروبي، فضيحة الفساد التي تضمنت العثور على حقائب مليئة بالنقود بحوزة مشتبه بهم، بأنها تشبه أحداثا من المسلسل التلفزيوني "ناركوس"، وهو من نوعية مسلسلات الجريمة.
وقال جنتيلوني في مقابلة مع إذاعة "راي" الإيطالية العامة "ما رأيناه كان مشاهد أشبه بأعمال نتفليكس من مسلسل ناركوس"، معتبرا أن ما بات يعرف بفضيحة "قطر غيت"، التي تتضمن فسادا وغسيلا للأموال، بأنه أمر "مخز" ويضر بسمعة مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وتابع "إننا بحاجة إلى اتخاذ رد فعل.. بحاجة إلى ترك القضاء البلجيكي يقوم بعمله. بحاجة إلى الرد ربما بقواعد أكثر فاعلية في ما يتعلق بالشفافية، وخاصة في البرلمان الأوروبي".
ووجهت السلطات البلجيكية هذا الشهر اتهامات لأربعة مرتبطين بالبرلمان الأوروبي تتعلق بمزاعم بأن قطر أغدقت عليهم بالأموال والهدايا للتأثير على صنع القرار، لكن الدوحة التي لها شراكات واسعة وإسهامات كبيرة في معظم كبرى الشركات الأوروبية، نفت نفيا قاطعا أي مسؤولية لها وانتقدت ما اعتبرته انتقائية من قبل السلطات البلجيكية وحملة موجهة ضدها، مشددة على أن بروكسل كان يفترض بها أن تنسق مع الدوحة وأن تبلغها بالملف قبل أن يزج باسمها في فضيحة الفساد.
وكان يمكن أن يكون النفي القطري متماسكا لولا عبارات التهديد التي وردت في بيان مسؤول قطري مكلف بهام في الاتحاد الأوروبي، حين حذّر بلجيكا التي تحقق في فضيحة الفساد من أن ذلك يؤثر على العلاقات القطرية - الأوروبية بشكل سلبي، وأن عليها أن تتذكّر إمدادات الغاز القطرية لأوروبا.
والمشتبه بهم هم بيير أنطونيو بانزيري وهو اشتراكي إيطالي ونائب سابق في البرلمان الأوروبي والنائبة اليونانية في الاتحاد الأوروبي إيفا كايلي ومساعد بانزيري السابق الموظف بالاتحاد الأوروبي فرانشيسكو جيورجي ونيكولو فيجا - تالامانكا وهو مدير منظمة غير حكومية إيطالية.
وفتش المحققون 19 منزلا ومكاتب البرلمان الأوروبي في مداهمات في الفترة من التاسع إلى الثاني عشر من ديسمبر. وقال مصدر قريب من التحقيقات إن السلطات صادرت 1.5 مليون يورو (1.59 مليون دولار) خلال المداهمات.
وشمل ذلك 600 ألف يورو نقدا في منزل مشتبه به ومئات الآلاف من اليوروهات في حقيبة في غرفة فندق ببروكسل، و150 ألف يورو في شقة تخص عضوا في البرلمان الأوروبي.
وتمت مصادرة مبلغ ضخم في شقة نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي وشريكها الإيطالي، وهو كذلك مسؤول في البرلمان الأوروبي. كما تمت مصادرة حقيبة بها مبلغ ضخم لدى والدها.
ولم تكشف التحقيقات بعد عن تفاصيل إضافية، لكن مصادر أوروبية لم تستبعد أن تطيح فضيحة الفساد برؤوس كبيرة، وسط مخاوف من اختراق المال القطري للعديد من المؤسسات الأوروبية وليس البرلمان فقط.
ويبدو أن القضية سائرة للاتساع أكثر لتشمل العديد من كبار المسؤولين والشخصيات الأوروبية، وهو ما سبق وأن تحدث فيه برلمانيون أوروبيون، معتبرين أن اعتقال نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي وثلاثة آخرين قد يكون الشجرة التي تحجب غابة الفساد وتغول اللوبيات في المؤسسات الأوروبية.
وفي أحدث فصل من فصول القضية التي أصابت الاتحاد الأوروبي بالصدمة، بدأ تداول اسم شخصية وازنة كطرف من الأطراف التي تلقت أموالا وهدايا من قطر، ويتعلق الأمر بالمفوض اليوناني السابق في الاتحاد الأوروبي ديميتريس أفراموبولوس.
لكن أفراموبولوس قال الخميس إن بعض الأطراف تحاول توريطه في فضيحة "قطر غيت" من أجل إبعاده عن عملية اختيار الممثل الخاص المقبل للاتحاد الأوروبي للعلاقات مع دول الخليج، وفق ما ورد في تقرير نشره الخميس موقع "مونت كارلو" الدولي.
وأفراموبولوس الذي يشتكي من مؤامرة تحاك ضدّه كان مفوضا للهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة بين 2014 و2019، وكان أيضا عضوا في المجلس الاستشاري لمنظمة "مكافحة الإفلات من العقاب" وهي منظمة غير حكومية، لكن اتضح أنها على ارتباط بأنطونيو بانزيري أحد الذين تم اعتقالهم بتهمة الضلوع في مزاعم الفساد والرشاوى التي قدمتها قطر.
ودفع المسؤول الأوروبي السابق ببراءته مما تنسبه له بعض الأطراف من تلقي أموال قطرية، لكن صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية ذكّرت بأنه (أفراموبولوس) لم يكن فقط عضوا في المنظمة، مضيفة أنه كان يتقاضى منها راتبا شهريا يقدر بنحو 60 ألف يورو في الفترة من فبراير 2021 إلى فبراير 2022.
وبحسب المصدر ذاته، قال أفراموبولوس في بيان إن "اللجنة التي شاركت فيها مع شخصيات مثل مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية السابقة فيديريكا موغيريني ورئيس الوزراء الفرنسي السابق برنار كازنوف والسيناتورة الإيطالية إيما بونينو كانت مشرّفة. بالنسبة لمساهمتي والتعويض المصاحب لها، فقد طلبت موافقة المفوضية الأوروبية وحصلت عليها كتابة من الرئيسة أورسولا فون دير لاين".
وتأتي تصريحات أفراموبولوس بينما تستعد المفوضية الأوروبية للبدء في إجراء داخلي اعتبارا من الاثنين القادم، وذلك بهدف "تحديد ما حدث بالضبط بين ديميتريس أفراموبولوس والمنظمة غير الحكومية".
لكن المفوض السابق للهجرة اتهم مجموعات في إيطاليا بمحاولة إبعاده عن المنافسة على منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للعلاقات مع دول الخليج.
ورأت مصادر أوروبية أن القضية بدأت ترخي بالفعل بظلال ثقيلة على العلاقات الأوروبية - القطرية، رغم نفي الدوحة أي صلة لها بفضيحة الفساد المالي وتنديدها بممارسات بلجيكية وصفتها بـ"الانتقائية".