قطر تفشل في ترجمة ثروتها المالية إلى نفوذ دبلوماسي وازن

الدوحة - تتسلط الأضواء على قطر التي ستستضيف بداية من الأحد فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهي دولة لها مركز قوة في مجال الطاقة والاستثمار والإعلام، وقد سعت لاستغلال ذلك في تحصيل نفوذ دبلوماسي كوسيط وفي صناعة القرارات السياسية، لكنها أصابت في ذلك مرة وفشلت مرات.

وتمتلك الدولة الخليجية الصغيرة شبكة معقدة من الصداقات، فهي حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتحتضن مقر أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط، في مقابل ذلك ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران والحركات الإسلامية التي تصنف واشنطن معظمها في لائحة المنظمات الإرهابية.

وبتوظيف علاقات سياسية واسعة النطاق ساهمت قطر خلال السنوات الأخيرة في الإفراج عن رهائن وفي إبرام اتفاقات سلام لا تزال هشة في دول مثل السودان والصومال، لكنها لم تستطع تحقيق الكثير فيما يتعلق بجهودها كساع بريد في الملف الإيراني، كما أن خطوات الوساطة التي أعلنتها في عدد من الدول الأفريقية لا تزال في مربعها الأول.

ولم تسفر الكثير من التحركات عن ربح دبلوماسي مهم بقدر ما أثمره دور قطر في ملف أفغانستان، وهو ما زرعت بذرته منذ أن سمحت لحركة طالبان بفتح مكتبها الدولي الرئيسي في الدوحة عام 2013. كما قدمت قطر مقرا لإجراء محادثات سلام أدت العام الماضي إلى موافقة الولايات المتحدة على الانسحاب من أفغانستان.

ولأنها كانت مقرا مؤقتا لسفارات في أفغانستان تم إخلاؤها، ومنها سفارات الولايات المتحدة وعدد من الحلفاء الأوروبيين، فقد سهل ذلك كثيرا على قطر لعب دور وسيط محوري للجهود الغربية في التواصل مع طالبان.

ويصف محللون دور الدوحة في ملف أفغانستان بأنه جزء من مساع لتعزيز أمن قطر، الدولة صغيرة المساحة المحاطة بدول بينها خصومات ولديها ترسانات أسلحة، بأن تصبح وسيطا دوليا لا يمكن الاستغناء عنه.

وفتحت قطر أبوابها لقيادات من حركة حماس التي تحكم قطاع غزة. كما لعبت الدوحة دورا أيضا في مفاوضات وقف إطلاق النار بين الحركة الإسلامية وإسرائيل. وساعدت قطر قطاع غزة على دفع فواتير الوقود وقدمت أيضا مساعدات إنسانية.

وفي الوقت ذاته، في مؤشر على واقعية الدوحة، سمحت قطر بطيران مباشر بين عاصمتها وتل أبيب خلال فعاليات بطولة كأس العالم على الرغم من عدم وجود علاقات رسمية مع إسرائيل. وقال مسؤول قطري إن الاتفاق على الرحلات الجوية المباشرة جزء من التزام قطر بمعايير الاستضافة التي يحددها فيفا ولا يجب تسييسها.

ومن المتوقع مجيء ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف إسرائيلي إلى قطر لمتابعة المباريات التي تستمر شهرا، وهو تدفق غير مسبوق بعد أن أدخلت قطر وفودا محدودة العدد والأهمية على مدى سنوات.

وحركة حماس من بين العديد من الجماعات المناهضة للغرب التي استضافتها قطر، مثل طالبان والجبهة الإسلامية للإنقاذ من الجزائر. كما تعد الدوحة ملاذا للإخوان المسلمين من مصر، وهو من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى قطيعة مع القاهرة قبل أن تعود العلاقات الدبلوماسية إلى سالف عهدها خلال العام الماضي.

واتهم منتقدون قطر بدعم جماعات مسلحة إسلامية في ليبيا ودول أخرى والمساهمة في إثراء المتشددين والمتطرفين من خلال دفع فدى مقابل الإفراج عن رهائن. وتنفي الدوحة تلك الاتهامات.

وفي 2017 قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر العلاقات مع قطر لاتهامها بدعم الإرهاب، وهو أيضا ما نفته الدوحة. وأثارت قطر حنق دول الجوار عندما دعمت تحركات تطالب بالديمقراطية وانتفاضات في المنطقة خلال “الربيع العربي” عام 2011.

وأصبحت الدوحة داعما كبيرا لجماعات معارضة مسلحة مناهضة للرئيس السوري بشار الأسد بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 وقدمت أسلحة وأشكالا أخرى من الدعم.

ولئن نفت قطر دعم أي جماعات لها صلة بتنظيم القاعدة، فقد كانت لها اتصالات مع جبهة النصرة، وهي جماعة كانت في السابق تابعة رسميا لتنظيم القاعدة في سوريا، وهي أيضا مصنفة لدى الولايات المتحدة جماعة إرهابية.

وساهمت وساطة قطرية في تأمين إطلاق سراح العديد من المحتجزين والرهائن لدى جبهة النصرة، والكثير منهم أجانب. ورسخت قطر مكانتها كطرف رئيسي في مجال وسائل الإعلام الإخبارية منذ تأسيس شبكة الجزيرة في الدوحة عام 1996.

وساهمت الجزيرة، التي تعكس وجهة نظر قطر في الشؤون الدولية والإقليمية، في تشكيل الرأي العام في العديد من الدول العربية مما دفع سلطات بعضها إلى حظر القناة مثل ما فعلته مصر، ولا تزال البحرين تندد بالخط التحريري للجزيرة الذي تقول إنه غير موضوعي ويتعمد تشويهها.

كما تمتلك قطر قناة "بي. إن"، وهي مجموعة إعلامية ضخمة تملك حقوق البث الرسمية لمباريات بطولة كأس العالم في أغلب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأيضا في فرنسا.

ويقول خبراء إن قطر تستمد قوتها الأساسية من جهازها للاستثمار الذي يسيطر على أغلب الثروة القطرية، وتقدر غلوبال أس. دبليو. أف المعنية برصد صناديق الثروة السيادية أن الجهاز لديه 445 مليار دولار من الأصول تحت إدارته.

كما يمتلك جهاز قطر للاستثمار مجموعة كبيرة من المصالح التجارية، تشمل أصولا عقارية وفندقية ضخمة في بريطانيا. ويمتلك حصة نسبتها 19 في المئة من شركة النفط الروسية العملاقة التي تدعمها الدولة روسنفت. وجهاز قطر للاستثمار من أكبر المساهمين كذلك في مجموعة كريدي سويس.

وتحتل قطر المركز الثالث في قائمة أكبر الدول التي تمتلك احتياطات موثقة للغاز في العالم بعد روسيا وإيران. ولديها حقل الشمال الذي يعدّ من بين أكبر حقول الغاز في العالم وتشترك فيه مع إيران التي تسمي نصيبها منه حقل جنوب فارس. وتوسع الدوحة حاليا طاقتها الإنتاجية للغاز وتتوقع زيادة تفوق نسبتها 60 في المئة بحلول 2027.