قطر تفشل في الحصول على دعم أوروبي صريح في أزمتها

برلين - فشل النظام القطري مجدّدا في الحصول على موقف صريح من أي من العواصم العالمية الكبرى داعم له في أزمته الناجمة عن مقاطعة أربع دول عربية له بسبب دعمه للإرهاب واحتضانه لجماعاته.
ولم تخرج ألمانيا، وهي تستقبل الجمعة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عن السياق الذي بات مألوفا لدى معظم دول العالم وقواه الكبرى في التعاطي مع الأزمة القطرية كقضية يجب حلّها بالحوار وعبر القنوات الدبلوماسية، دون اقتراح تفاصيل عملية لذلك ودون عرض وساطات جديدة تلحّ قطر في طلبها أملا في أن تستخدم الدول الكبرى وزنها السياسي وتأثيرها الدبلوماسي في الضغط على الدول المقاطعة لقطر.
ولم يخل لقاء الشيخ تميم بالمستشارة الألمانية من مفاجأة تمثّلت في إثارة أنجيلا ميركل لقضية حقوق العمّال الوافدين المشتغلين في مشاريع بناء منشآت كأس العالم 2022، في إشارة بدت مقصودة ومدروسة بعناية بهدف إبلاغ رسالة واضحة عن أن حرص برلين على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع قطر، لا يعني منح الدوحة صكّا على بياض وغضّ الطرف على تجاوزاتها سواء ما تعلّق منها بحقوق الإنسان، أو بدعم الإرهاب خصوصا وأنّ هذا الملف الأخير تحوّل إلى حقيقة مستقّرة على نطاق دولي تدعمها الوقائع والاثباتات.
وفي مظهر للوعي الأوروبي بسلبية الدور القطري، استُقبل أمير قطر الجمعة في باريس التي وصل إليها قادما من برلين، بمظاهرات نظمها نشطاء فرنسيون ورفعوا خلالها لافتات منددة بسياسات الدوحة.
وإثر استقبالها الشيخ تميم، كرّرت ميركل الدّعوة “الروتينية” لحلّ الأزمة القطرية عبر الحوار، مع إضافة جزئية تمثّلت في اقتراح بالتزام السرية في المفاوضات بين قطر والدول المطالبة لها بالعدول على دعم الإرهاب وتهديد استقرار المنطقة؛ السعودية والإمارات ومصر والبحرين.
وبحسب معلّقين على هذا المقترح الألماني فإنّ فائدته العملية الوحيدة تتمثّل في أنّه يمهّد الطريق لقطر للاعتراف بأخطائها والاستجابة لطلبات الدول الأربع والتراجع عن سياساتها الداعمة للإرهاب بعيدا عن أعين الإعلام.
رسالة ألمانية عن عدم منح برلين صكا على بياض لقطر وغض الطرف عن تجاوزاتها رغم أهمية المصالح الاقتصادية
وعبّرت ميركل، الجمعة، عن اقتناعها بأن الأزمة القطرية لا يمكن حلها إلا عبر “مفاوضات سرية”.
وجاء ذلك في تصريح صحافي عقب لقاء المستشارة الألمانية بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد في العاصمة الألمانية برلين.
وقالت ميركل “الحلول التفاوضية لا يمكن الوصول إليها في السوق”.
ومضت قائلة “لا أعتقد أننا يمكن أن نحل هذه الأزمة بمفاوضات علنية في ظل ميل قطاع كبير من الناس إلى إصدار تقييمات للأزمة”. وتابعت “المفاوضات السرية هي السبيل للحل”.
كما عبّرت المستشارة عن دعمها لجهود الوساطة التي تقوم بها الكويت لحل الأزمة، مكرّرة بذلك الموقف الروسي الذي أعلنته موسكو خلال الجولة الخليجية الأخيرة لوزير خارجيتها سيرغي لافروف التي شملت الكويت وقطر والسعودية.
وأضافت ميركل “ألمانيا تدعم حلا للأزمة يرضي جميع الأطراف”، مؤكّدة “عدم وجود حلول واضحة رغم مرور نحو 100 يوم على اندلاعها، يقلقنا”.
وأشارت إلى أنها تحدثت مع أمير قطر حول ضرورة أن “يجلس أطراف الأزمة معا في أقرب وقت ممكن”. ومن جهته عبّر الشيخ تميم عن استعداد الدوحة “للجلوس إلى الطاولة لحل هذه القضية”، مجدّدا دعم بلاده لوساطة تقودها الكويت، ومؤكدا “سوف نظل ندعمها إلى أن نصل إلى حل يرضي جميع الأطراف”.
وحول تنظيم قطر لكأس العالم عام 2022، قالت ميركل إنّ “الحكومة الألمانية تريد معاملة أفضل للعاملين في منشآت كأس العالم في قطر”. ويجري بناء الملاعب التي ستقام عليها باريات كأس العالم بأيدي الآلاف من العمال الوافدين من دول مثل بنغلاديش والهند ونيبال.
وانتقدت منظمات حقوقية ظروف العمل في مواقع البناء تلك، مشيرة الى حدوث انتهاكات جسيمة بحقّ العمال وصلت حدّ تهديد حياة عدد منهم. وكانت ميركل أدلت بتصريحات ناقدة لاستضافة قطر للمونديال خلال مناظرتها التليفزيونية مع منافسها على منصب المستشارية مارتن شولتس مطلع الشهر الجاري.
وقالت ميركل ردا على سؤال حول ما إذا كانت ترى قرار منح قطر تنظيم المونديال جيدا “ليس جيدا بالقدر الكافي”.
ورغم ذلك ترتبط ألمانيا على غرار العديد من دول العالم بمصالح اقتصادية مع قطر الغنية بعوائد الغاز الطبيعي، وهو العامل الذي تأمل الدوحة في توظيفه لتجاوز مأزقها الناجم عن تورّطها في دعم الإرهاب.
وبرلين هي المحطة هي الثانية لجولة أمير قطر التي بدأها الخميس في تركيا ويستكملها في فرنسا، في أول رحلة خارجية له منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي.
وتقيم برلين علاقات اقتصادية مع قطر التي تساهم في كبرى المجموعات الألمانية مثل دويتشه بنك وفولسفاغن. كما أنّ قطر مستثمر رئيسي في فرنسا. وأبرز مثال على ذلك نادي باريس سان جرمان لكرة القدم الذي دفعته الأموال القطرية إلى مراتب متقدّمة على الصعيدين المحلّي والأوروبي.
وتساهم الدوحة أيضا في قطاع العقارات والفنادق الفاخرة والصناعات الفرنسية. وهي أيضا زبون كبير في سوق السلاح العالمي.
ورغم أهمية النشاط الاقتصادي والمالي القطري في أوروبا، فإنّ الدوحة تظلّ غير قادرة على تجيير ذلك النشاط في جلب دعم صريح لها في صراعاتها بالمنطقة، خصوصا إذا كان مثل ذلك الدعم يهدّد علاقة الأوروبيين بدول مهمّة مثل المملكة العربية السعودية.