قطر تعزز نفوذها الإقليمي بإمداد مجاني للغاز إلى لبنان عبر سوريا

الدوحة - تعتزم دولة قطر تزويد لبنان بالغاز مجانًا عبر الأراضي السورية خلال الصيف المقبل، في مبادرة تُعد الأولى من نوعها منذ تفاقم الأزمة اللبنانية. وتندرج هذه الخطوة ضمن إطار تحرك قطري دبلوماسي واقتصادي واسع النطاق، يعكس تنامي الدور القطري في المنطقة، ويتجاوز تأثيره حدود لبنان."
وبحسب ما أوردته صحيفة "المدن"، فإن هذه الخطوة القطرية ليست جديدة بالكامل، بل تأتي امتداداً لمسار بدأ منذ ديسمبر 2021، حين أُعلن عن محادثات بين الجانبَين القطري واللبناني بشأن إمكانية تزويد الدوحة للبنان بالغاز الطبيعي عبر الأردن وسوريا. وفي فبراير 2022، أكد وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة، سعد بن شريدة الكعبي، خلال قمة الدول المصدّرة للغاز، التزام بلاده بدعم لبنان بإمدادات طاقة طويلة الأمد، مشيراً إلى أن قطر تنظر للبنان كأحد مفاتيح الاستقرار في شرق المتوسط.
والمبادرة القطرية تتمثل في تقديم كميات من الغاز للبنان مجاناً، على أن تمر عبر البنية التحتية السورية. ويكتسب هذا المسار أهمية خاصة في ظل التغييرات السياسية التي طرأت في سوريا خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود نظام جديد حليف للدوحة.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن نجاح هذه المبادرة القطرية يعتمد بشكل أساسي على سرعة تجاوب الجانب اللبناني، لا سيما أن قطر سبق وعرضت بناء محطتين لإنتاج الكهرباء في لبنان، وشراكتها مع شركة توتال الفرنسية لتطوير ثلاثة معامل للطاقة البديلة بطاقة إنتاجية تقدر بنحو 500 ميغاوات، وهو ما يعادل قرابة 30 بالمئة من حاجة لبنان الكهربائية. هذا العرض يمثل فرصة نادرة للبنان لتقليص عجزه في الطاقة، خاصة في ظل الصعوبات المستمرة في جلب الكهرباء من الأردن والغاز المصري، المرتبط بالحصول على موافقات تمويلية من البنك الدولي.
ويعتقد أن هذه المبادرة تأتي في وقت حساس، حيث تعمل السلطات القطرية على توسيع تحالفاتها في المنطقة العربية والخليجية للحصول على دعم سياسي واقتصادي يمكّنها من لعب دور محوري في جهود إعادة الإعمار في سوريا، وإنعاش الاقتصاد السوري المنهك بعد الحرب وكذلك جهود إعادة اعمار لبنان.
وفي السياق نفسه، يرى البعض في هذه المبادرة استمراراً للدور القطري في لبنان، والذي سبق أن تجسد بعد حرب يوليو/تموز 2006، عندما لعبت قطر دوراً مركزياً في إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، ما أظهر حينها دعماً سياسياً واضحاً للحزب. إلا أن هذه العلاقة تدهورت لاحقاً مع اندلاع الحرب الأهلية السورية، لتعود قطر اليوم بدور مختلف يدعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية، في محاولة لتثبيت الاستقرار ودعم مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وتُعد هذه المبادرة القطرية بمثابة اختبار حقيقي للسلطة اللبنانية الجديدة، التي تسعى إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة، بعد سنوات من الجمود والانهيار المالي. كما تمثل فرصة نادرة للخروج من العزلة الإقليمية والدخول في شراكات استراتيجية مع دول مؤثرة مثل قطر.
في المحصلة، يشير تطور العلاقات بين بيروت والدوحة إلى مرحلة جديدة في المشهد الإقليمي، حيث تعيد قطر التموضع كلاعب محوري في ملفات معقدة تمتد من سوريا إلى لبنان، وتُظهر استعداداً لتقديم حلول واقعية ومستدامة لأزمات مزمنة، أبرزها أزمة الطاقة في لبنان.