قطر تركب موجة السندات الخضراء لتمويل مكافحة المناخ

دخلت قطر في ماراثون السندات الخضراء كمحاولة منها للحاق بنجاحات هذه النوعية من التمويلات التي تساعد في تحقيق الحياد الكربوني، رغم أن الخطوة تثير جدلا لعدم إعلان الحكومة عن إستراتيجية خفض الانبعاثات مع تركيزها الشديد على صناعة الغاز.
الدوحة - طرحت قطر أول سندات دولية لها منذ أربع سنوات، من خلال بيع أدوات دين خضراء، إذ تسعى الدولة التي تعتبر واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم للاستفادة من انتعاش سوق السندات المستدامة عالميا.
وذكرت خدمة آي.إف.آر لأخبار أدوات الدخل الثابت الثلاثاء أن الحكومة القطرية بدأت تلقي طلبات تجاوزت 13.5 مليار دولار لبيع سندات مقومة بالدولار لأجل 5 و10 سنوات.
وجرى تحديد السعر الاسترشادي الأولي للسندات لأجل خمس سنوات بعلاوة بين 35 و40 نقطة أساس، وعشر سنوات بعلاوة بين 45 و50 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية.
وشجعت شركة المحاسبة العالمية كي.بي.أم.جي، في ديسمبر الماضي، الدوحة على إصدار سندات خضراء، مع تبني آليات تمويل مستدامة، قائلة إن “هذه الخطوة ستساعد الدولة على تحقيق أهداف الاستدامة الخاصة بها”.
وتم اختيار كريدي أغريكول وأتش.أس.بي.ٍسي كمنسقين للهيكلة الخضراء، كما سيكونان منسقين عالميين مع بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان وبنك قطر الوطني كابيتال.
ويعمل باركليز وسيتي غروب ودويتشه بنك وغولدمان ساكس إنترناشونال وأس.أم.بي.سي نيكو كابيتال ماركتس وستاندرد تشارترد كمديرين رئيسيين للطرح.
ودخلت قطر إلى سوق السندات الدولية آخر مرة في شهر أبريل 2020، وجمعت حينها عشرة مليارات دولار بعد جذب طلبات بقيمة 45 مليار دولار من المستثمرين.
ويقول محللون إن طرح السندات قد يكون مثيرا للجدل لدى المستثمرين في الأصول البيئية والاجتماعية والحوكمة نظرا إلى أن صادرات الغاز القطرية من أكبر مصادر انبعاثات الكربون في العالم على أساس نصيب الفرد.
ويمكن للمقترضين في الكثير من الأحيان خفض التكاليف عبر السندات البيئية المستخدمة في تمويل المشاريع للحد من الانبعاثات، رغم أن الغاز هو من العناصر المستهجنة.
ومن المقرر أن يتم تحويل التمويل الذي سيتم جمعه من هذا الطرح، لمشاريع خضراء مؤهلة، حيث تسعى الدوحة إلى جذب المزيد من المستثمرين وفي الوقت ذاته معاضدة الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
وقال وزير المالية علي الكواري في يناير الماضي، في إشارة إلى البيع المزمع “لسنا متعطشين للمال وهذا فقط لتوضيح موقف أسواق الدين. لقد اتصل بنا العديد من المستثمرين”.
في المقابل، تجري قطر توسعا ضخما في إنتاج الغاز من خلال مشروع حقل الشمال، وهي تتطلع لزيادة الإنتاج بمقدار 85 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي.
وبرزت محاولات قبل عامين من الدوحة لإصدار سندات خضراء في ظل سعيها للاستفادة من السوق المزدهرة للديون المستدامة، لكن العملية تأجلت مع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية.
وسبق لوزير الطاقة سعد الكعبي أن قال في شهر أكتوبر 2021 إنه سيكون من الخطأ الالتزام بالقضاء على الانبعاثات دون وجود خطة مناسبة.
وأوضح حينها أن نقص الغاز في أوروبا وأجزاء من آسيا، الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية، يرجع جزئيا إلى نقص الاستثمار في الوقود الأحفوري.
وتتوقع قطر أن يظل الغاز، وهو وقود أنظف من النفط أو الفحم، حاسما للاقتصاد العالمي لعقود، حيث تُنفق الدولة ما يقرب من 30 مليار دولار لتعزيز قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال بحوالي 50 في المئة في السنوات الست المقبلة.
ولم تعلن قطر بعد عن جدول زمني محدد للوصول إلى الانبعاثات الكربونية الصفرية، وهي واحدة من أعلى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وكما هو الحال في دول الخليج الأخرى، يستخدم البلد الخليجي كثيرا من الطاقة في تكييف الهواء وتحلية المياه.
ومع ذلك، تنفق الحكومة القطرية المليارات من الدولارات لتعزيز إنتاج الطاقة الشمسية. وتقول إن الغاز سيساعد العالم في تحقيق أهداف المناخ لأنه أنظف من النفط والفحم، على الرغم من الربط بينه وبين تسربات غاز الميثان.
وحتى تثبت أنها قادرة على منافسة دول المنطقة في هذا المضمار، دشنت في أكتوبر 2022 أول مزرعة للطاقة الشمسية بالبلاد، والتي تقع في منطقة الخرسعة بقدرة 800 ميغاواط سنويا. وبلغت تكاليف تشييدها 470 مليون دولار.
والمحطة عبارة عن مشروع مشترك بين شركات تابعة لشركة قطر للطاقة للحلول المتجددة بنسبة 60 في المئة، وشركة ماروبيني اليابانية بنسبة 20.4 في المئة، وتوتال إنرجيز الفرنسية بنسبة 19.6 في المئة.
طرح السندات قد يكون مثيرا للجدل لدى المستثمرين نظرا إلى أن صادرات الغاز القطرية من أكبر مصادر انبعاثات الكربون في العالم
وتعد قطر واحدة من أغنى الدول في العالم ولديها تصنيف ائتماني عند درجة أي.أ أو ما يعادله من شركات التصنيف الثلاث الكبرى، أي أقل بدرجتين فقط من أعلى مستوى عالمي.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إن زيادة التمويلات الخضراء أمر لا مفر منه كونه مفتاح أمن الطاقة لتقليل آثار تقلبات المناخ وتجنب الأزمات الجيوسياسية قدر المستطاع في المستقبل.
وزاد بريق السندات الخضراء المطروحة في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، مع إقبال المستثمرين على شرائها من جهات مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (صندوق الثروة السيادية)، وشركة عقارات كبرى في أبوظبي، وحكومة الشارقة.
واكتسبت مبيعات السندات الخضراء من المنطقة زخما مع تهافت المستثمرين على سندات مصر والبنك الإسلامي للتنمية وشركات إقليمية تديرها الدول، بما فيها الشركة السعودية للكهرباء وبنك قطر الوطني.
وجمعت هذه الجهات الأموال لمشاريع تشمل مزيداً من المباني المستدامة والعدادات الذكية والبنية التحتية للطاقة المتجددة.
ورصد خبراء انحسارا ملحوظا في إصدارات الديون المستخدمة لتمويل الأهداف المناخية في الأسواق الناشئة هذا العام، في ظل القيود المشددة التي يفرضها الأوروبيون على السندات البيئية رغم النمو في إجمالي مبيعات أدوات الدين للبلدان النامية.
ووفقا للبيانات التي جمعتها كالة بلومبيرغ حول الإصدارات المبيعة دوليا والمقومة باليورو والدولار، تراجع إصدار السندات الخضراء في الأسواق الناشئة بـ23 في المئة منذ مطلع 2024 وحتى الآن بمقارنة سنوية.
وباعت الجهات المصدرة في الأسواق الناشئة ما قيمته 282 مليار دولار من السندات الخضراء خلال العقد الماضي، بما في ذلك رقم قياسي نحو 58 مليار دولار في عام 2023.