قطر تدخل على خط الاتفاق النووي الإيراني في ظل التجاذبات

طهران – تسعى قطر إلى فرض نفسها كلاعب فاعل في الملف النووي الإيراني بحجة علاقتها الإستراتيجية مع واشنطن وطهران، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الدولتين في ظل التجاذبات.
وزار وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني إيران الاثنين، حاملا رسالة من الأمير تميم بن حمد آل ثاني، بعدما أبدت الدوحة استعدادها لتقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووي.
والتقى الوزير آل ثاني نظيره الإيراني محمد جواد ظريف قبل نحو أسبوع من خطوة جديدة يتوقع أن تتخذها إيران ضمن سلسلة تراجعات عن الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي، في حال عدم رفع الولايات المتحدة العقوبات التي أعادت فرضها على إيران، بعد انسحاب واشنطن أحاديا من "خطة العمل الشاملة المشتركة" عام 2018.
وأشارت الخارجية الإيرانية في بيان إلى أن الوزير القطري نقل استعداد الدوحة لأداء دور لحل "القضايا العالقة ضمن مبادرات إقليمية". كما زار الوزير الرئيس حسن روحاني، وسلّمه رسالة من الشيخ تميم، وفق ما أفادت الرئاسة الإيرانية.
وتسعى الدوحة إلى أن تكون لاعبا فاعلا في الأزمة من خلال التوسط بين واشنطن وطهران التي تربطها بها علاقات متقدمة، وهي أحد الأسباب التي قادت دولا عربية وازنة إلى مقاطعتها قبل أن تفرض التحولات الدولية نفسها وتجري المصالحة.
ونشّطت قطر مع صعود إدارة أميركية جديدة من تحركاتها الدبلوماسية سواء في علاقة برغبتها في لعب دور الوسيط في الملف النووي مع إيران وأيضا من خلال عودة حركتها على الساحة اللبنانية، وهي تبحث في ذلك عن استعادة دور سبق وفقدته خلال إدارة ترامب سعيا منها للتموضع مجددا.
وكانت قطر، الإمارة الصغيرة الثرية، استغلت ما سمي بثورات الربيع العربي للعب دور الدينامو في الكثير من الملفات وبينها الملف السوري في إحدى الفترات (خلال عهد إدارة باراك أوباما)، بيد أن الأوضاع سرعان ما ارتدت عليها، واضطرت إلى الانكماش مع استمرارها في مناكفة بعض الدول العربية في ملفات مثل ليبيا، والإخوان المسلمين.
وتأتي تحركات الدوحة متناقضة مع رغبة الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية، التي تطالب بتعديل الاتفاق بما يشمل وقف طهران أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وتحجيم ترسانتها من الصواريخ الباليستية.
وقال مسؤولون قطريون إن العلاقة مع إيران ستظل قوية، مشيرين إلى دور الحكومة الإيرانية في دعم بلادهم بعد قرار مقاطعتها، رغم أن الدول الخليجية اشترطت ضمن مطالبها أن تلتزم قطر بتخفيف علاقاتها مع إيران.
وتمثل العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته القديمة المبرمة في 2015، مصدر قلق للدول الخليجية وخاصة السعودية التي لا يمكنها التعايش مع برنامج نووي إيراني، كما لا يمكنها القبول ببرنامج إيران الصاروخي ولا بتسريب جزء منه إلى الأذرع الإيرانية في المنطقة من ميليشيات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان، وخصوصا في اليمن على الحدود الجنوبية للمملكة، حيث يستخدم الحوثيون الصواريخ والطائرات المسيّرة المهرّبة من إيران في ضرب أهداف مدنية ومنشآت اقتصادية داخل الأراضي السعودية.
وتأتي زيارة الوزير آل ثاني في ظل تجاذب بين طهران وواشنطن بشأن الاتفاق بشأن البرنامج النووي الذي وقعته إيران مع الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، فرنسا، الصين وألمانيا) في فيينا عام 2015.
وأبدت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عزمها على العودة إلى الاتفاق، الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب بشكل أحادي عام 2018 وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران. لكن إدارة بايدن تشترط لعودتها إلى اتفاق فيينا، عودة طهران لاحترام كامل التزاماتها بموجبه.
وتراجعت إيران بشكل تدريجي عن غالبية الالتزامات الأساسية بموجب الاتفاق، اعتبارا من منتصف العام 2019. وأكدت مرارا في الآونة الأخيرة، أنها ستعود سريعا إلى موجبات الاتفاق النووي، لكن بشرط احترام الآخرين في الاتفاق تعهداتهم، مشددة على أولوية رفع العقوبات الأميركية.
وفي أحدث إجراءات التراجع عن الالتزامات، أعلنت طهران مطلع يناير، بدء إجراءات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وهي كانت تعتمدها قبل اتفاق 2015 الذي حدّ مستوى التخصيب عند 3.67 في المئة.
وأتت الخطوة بناء على قرار لمجلس الشورى الإيراني في ديسمبر، طلب فيه أيضا من الحكومة تعليق الالتزام الطوعي بالبروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية اعتبارا من 21 فبراير، بحال عدم رفع العقوبات.
وسيؤدي تعليق تطبيق البروتوكول إلى اتخاذ طهران إجراءات منها وقف السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشآت غير نووية، لاسيما عسكرية، في حال كانت لديهم شكوك بأنها تستخدم لنشاطات نووية الطابع.
وكتب كاظم غريب آبادي، ممثل إيران لدى الوكالة الدولية التي تتخذ من فيينا مقرا لها، عبر تويتر الاثنين، إن تطبيق هذا البند من القانون البرلماني "سيدخل حيز التنفيذ في وقته (23 فبراير)، وتم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم من أجل ضمان الانتقال السلس إلى مسار جديد في الوقت المناسب".
وقال متحدّث باسم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل ماريانو غروسي، إن الأخير "سيقدّم تقريرا لمجلس (حكام المنظمة) وإنه على تواصل مع السلطات الإيرانية".